مهما قيل عن الإنتخابات الأخيرة، سواء من حيث تنظيمها أو من حيث النتائج التي أفرزتها، إلا أنها شكلت منعطفا في الممارسة السياسية في المغرب اتسم باحترام إرادة الناخبين. ما كان يؤاخذ على الانتخابات في السابق هو أنها كانت تخضع لمنطق الهندسة المسبقة من قبل وزارة الداخلية. وكانت النتائج تفصل على المقاس من قبل رجالات تفننوا في الإجتهاد من أجل صنع خريطة يتحكمون فيها عن بعد.وهكذا تأتي النتائج بعيدة عن اختيارات الناخبين والمجتمع،مما ميع العمل السياسي ورسخ في أذهان الناس أحكاما قبلية ما تزال مسيطرة عليهم إلى الآن.وللأمانة فالخاسر الكبيرفي تلك المرحلة، في العملية برمتها هو اليسار والقوى الديموقراطية في المجتمع المدني التي كانت تحمل مشعل تأطير المجتمع وخوض معاركه باستمرار والقرب منه بشكل يومي، لكن لما يحين موعد الانتخابات تؤول النتائج لأحزاب صنعتها الإدارة ووفرت لها سبل التحكم في الأعيان الذين يتمكنون من دخول البرلمان وترؤس الجماعات.وبهذا الشكل يتم صنع وضع سياسي غير طبيعي يعمل فقط على تعميق الهوة مع المجتمع،بل وخلق قطيعة معه. فكان ما كان... الانتخابات الأخيرة، وإن جاءت نتائجها صادمة للقوى الديموقراطية والحداثية، إلا أنها تستحق التنويه بما أفرزته من نتائج غير مصنوعة. غير أن هذه النتائج تفرض منطق احترام رغبة المجتمع في تركيبة الحكومة القادمة. واحترام رغبة الناس ومنطق السياسة يقتضي فرز التقاطبات المنطقية وعدم خلط الأوراق من جديد والرجوع إلى «الخالوطة» القديمة التي عرقلت المسار السياسي للبلاد. لقد كان بالإمكان أن يكون الصراع السياسي والتدافع المجتمعي قد أفرز أقطابا طبيعية منذ مدة، كما هو حاصل في البلدان الديموقراطية.لكن اصطناعية المشهد أفضى إلى هذا التخلف الذي نشهده اليوم في الخريطة الحزبية. إن منطق الأشياء ، يقول بأن اليسار يسار واليمين يمين والوسط وسط، وهكذا من المفروض التعامل بهذا الشكل مع اختيار الناخبين. غير ذلك فإننا سنكرر صنع «خلوطة» الأمس والثمن طبعا لن يكون هينا. لقد عرف المجتمع حركية واهتماما متزايدا بالشأن السياسي،في المدة الأخيرة، وكل تدخل لخلق خريطة سياسية مصطنعة سيكون له أوخم العواقب. فلنترك المجتمع يفرز تناقضاته، ونحترم منطق صراعاته.