أجمل المنى لو أنه كان من الممكن أن نصفق لنجاح حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية كما تقتضي الأعراف الديموقراطية.لكن هل قواعد السياسة في البلاد محصنة بالشكل المطلوب الذي يجعل الديموقراطية ممارسة فعلية ورافعة مشروع مجتمعي حداثي، وليست مجرد شعارات يسهل الانقلاب عليها في أي لحظة؟ وهل ما جرى في الانتخابات هو فعل ديموقراطي يؤسس لديموقراطية الصناديق، وللديموقراطية كمنظومة من القيم؟ تصعب الإجابة عن السؤالين وأسئلة مماثلة، الشيء الذي يبرر تخوفنا من انقلاب الإسلاميين على الديموقراطية، التي أوصلتهم إلى الحكم، في أي لحظة. لقد كان لضغط الإسلاميين وقعا كبيرا في إعداد وثيقة الدستور. ومجموعة من الفصول غير ذات معنى التي وردت في هذه الوثيقة ساهم فيها إسلاميو « العدالة والتنمية» الحزب الرئيسي الذي سيشرف على القوانين التنظيمية التي ستمكن من تنزيل الدستور الجديد. لقد خاض حزب العدالة والتنمية بسياسييه وبأدرعه المدنية معركة شرسة في مواجهة العديد من القواعد التنظيمية للمجتمع، والتي كانت تقترب من الكونية ، وذلك بدعوى الخصوصية أحيانا، أو برغبة في اثبات الذات أحيانا أخرى. ومحطة إعداد الدستور وخطة إدماج المرأة في المجتمع ومحاربة الفن والمهرجانات ليست سوى نماذج بارزة لقوة هذا التيار في عرقلة التوجه الحداثي والديموقراطي في البلاد. صحيح أن خطاب «العدالة والتنمية» قد عرف نوعا من الليونة في الفترة الأخيرة. لكن خرجات بعض المنتسبين إليه، وبل والقياديين فيه يدعو إلى الشك في نوايا هذا الحزب الحقيقية، هذه النوايا التي قد تستمد قوتها من خلال تقويته بالكتلة الناخبة، التي لن تكون بالضرورة مقتنعة به كقيم، بقدر ما كان تصويتها لصالحه عقابا للقوى الأخرى، وهذا باعتراف بعض قياديي العدالة والتنمية أنفسهم. إن الاكتساح الكبير للعدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر يعتبر منعطفا كبيرا في تاريخ المغرب، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضا على المستوى المجتمعي. وهو منعطف لا يكاد يبتعد كثيرا عما تعرفه منطقة جنوب المتوسط. فالمغاربة الذين يطمحون إلى التغيير، يعرفون جيدا أن التغيير الذي يرغبون فيه هو في اتجاه الديموقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وبشكل ملح يرغبون في الحرية. لأن الحرية هي الأصل في السياسة والحياة. ولهذا المطلوب من القوى الديموقراطية والحداثية في المجتمع، أن تتمتع اليوم أكثر من أي وقت مضى، باليقظة اللازمة حتى لانجد بلدنا،في يوم من الأيام،وقد خرج من استبداد مخزني إلى استبداد ملتح.