في إطار التهويل والتخويف من كل ملتح ومحجبة، ومن كل ملتزم بدينه، أكثروا الضجيج والصراخ والعويل تحذيرا في بادئ الأمر من السماح للإسلاميين بالمشاركة السياسية، بدعوى "حتى لا يتكرر في المغرب ما حدث بالجزائر". بل من الإقصائيين من ذهب إلى حد المطالبة بإغلاق حزب العدالة والتنمية ومنعه. وظل الذين يسمون أنفسهم ب"الديمقراطيين" يهتبلون كل فرصة أو مناسبة أو حدث معزول للدعوة إلى منع الإسلاميين من ممارسة حقهم السياسي رافعين شعار "لا ديموقراطية لأعداء الديمقراطية" وبعد أن باءت محاولاتهم التحريضية بالفشل واستطاع حزب العدالة والتنمية رغم التضييق والتزوير المكثف الذي مورس عليه في انتخابات 1997 بتواطؤ بين بعض الأحزاب (الديموقراطية) وأم الوزارات في عهدها البائد، أصبحوا يحذرون الناس من التصويت لهذا الحزب بنفس الذريعة: >حتى لا يتكرر ما حدث بالجزائر< ولكن ما الذي حدث بالجزائر بالضبط؟ هذا ما يتحاشون التصريح به محاولين إرجاع العنف الذي تعرفه الجزائر إلى نجاح الإسلاميين في الانتخابات. وهذا تدليس وتلبيس؛ فالذي وقع بالجزائر بالضبط، هو أن جارتنا الشقيقة عرفت أول انتخابات نزيهة حقيقية يشهدها بلد عربي باعتراف الجميع. ولكن عندما أفرزت هذه الانتخابات فوزا ساحقا للتيار الإسلامي، فإن الأحزاب (الديمقراطية) عوض أن ترجع إلى إعادة النظر في مناهجها وخطاباتها وتستعد للانتخابات القادمة حفاظا على مكسب الديمقراطية الذي كان عليها أن تناضل من أجل صيانته بكل ما أوتيت من قوة، حتى وإن أفرز فوز خصومها، فإنها وهي الأحزاب التي تسمي نفسها ب(الديمقراطية) احتكارا لهذه التسمية قد سارعت إلى دعوة الجيش للتدخل لحماية "الديمقراطية من أعداء الديمقراطية" وتقديم مختلف أشكال الدعم الإعلامي والسياسي وبل استجلاب الدعم الخارجي له، أي علي وعلى أعدائي. وهكذا ضحى هؤلاء الإقصائيون بأغلى مكتسب لازالت الكثير من الشعوب تناضل من أجل الوصول إلى مثله. وذلك باستثناء رئيسة الحزب العمالي الجزائري، ذي العقيدة التروتسكية السيدة >لويزة حنون<. وهي التي قال عنها الشيخ عباس مدني رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، آنذاك إنها: >الرجل الوحيد في الساحة السياسية الجزائرية< وهذا الرجل الوحيد، هي نفسها التي قامت في برلمان بلادها لتدين تسرع حكام الجزائر للوقوف اللامشروط إلى جانب المحتل الإسباني في قضية جزيرة "تورا" المغربية. لقد فضلت السيدة لويزة حنون التي لم تحصل آنذاك إلا على مقعدين في البرلمان، الحفاظ على مبدإ الديمقراطية حتى وإن لم تفرز فوزا لحزبها، على نسف السقف على الجميع. بينما فضل الانقلابيون (الديموقراطيون) دعوة الجيش للانقلاب. هذا ما وقع بالضبط في الجزائر. فلماذا لا يعلنه "انقلابيونا" صراحة! إن الديموقراطي الحقيقي لا يمكن بحال أن يفرط في مبادئ الديموقراطية التي ناضل الشعب بكل فئاته من أجلها مهما كانت نتائجها، والديموقراطي الحقيقي يقبل هذه النتائج بروح رياضية ولا يشوش عليها. وخصوصا لا يمكن بحال أن يدعو السلطات إلى إلغاء الديموقراطية إذا لم تأت به إلى الحكم. ولقد سمعت بأذني أحد اليساريين يقول بالحرف: >إن الديموقراطية التي لا توصل الاشتراكيين إلى الحكم ليست ديموقراطية<. ولننظر إلى الكارثة التي جلبها الاستئصاليون على بلادهم في الجزائر لنرى أنه حتى وإن لم يكن إسلاميو جبهة الإنقاذ يتوفرون على برنامج قابل للتطبيق، فإن الجزائر كانت ستخسر معهم خمس سنوات، قد يفشلون فيها في إدارة الشأن العام ولكنها كانت ستربح بعد ذلك نظاما ديمقراطيا حقيقيا، عوض ما جناه "الديمقراطيون" المزيفون على بلادهم بخسارتها أزيد من عشر سنوات من الفوضى والعنف والعنف المضاد ذهبت بأزيد من مائة ألف من الأرواح البريئة والتي فضح ضباط من الجيش الجزائري تورط جهات أمنية في التصفيات الاستئصالية وإلصاقها بالإسلاميين لتشويههم. هذه الأعمال أصابت اقتصاد البلاد واستقرارها في مقتل ولازال النزيف متدفقا مستمرا. فهل ما يروجه استئصاليونا من دعوة إلى إقصاء الإسلاميين هو تهديد ضمني بالدعوة إلى هدم الصرح على الجميع؟ لقد خسرنا مع حكومة الكتلة خمس سنوات من الفشل تضاف إلى أربعين سنة من الفساد. ولكننا مع ذلك نسعى إلى أن نربح ماهو أغلى قيمة في المستقبل ألا وهو الديموقراطية والحرية للجميع. فهل يعود انقلابيونا واستئصاليونا إلى رشدهم ويأتون معنا إلى كلمة سواء نبني بها صرح ديموقراطيتنا الفتية خطوة خطوة، أم أنهم سوف يمضون في مساعيهم الاستئصالية إلى حد الانقلاب على الديموقراطية كما انقلب عليها إخوان لهم في الجزائر من قبل؟ إبراهيم الخشباني