لم تمض سوى 24 ساعة عن إعلان ليبيا مقتل الارهابي الجزائري مختار بلمختار حتى خرجت الجماعة المتطرفة «أنصار الشريعة» لتنفي في بيان لها الخبر مؤكدة أن الغارة الأمريكية التي قصفت موقعا لمقاتليها لم تنه حياة بلمختار رغم أنها قتلت سبعة من مقاتليها. لبلمختار قصة مع الموت قد تكون تجاوزت في العد أرواح القطط، ففي يونيو 2012 أعلنت الحركة الوطنية لتحرير الأزواد في بيان لها عن مقتل مختار بلمختار المعروف باسم بلعور زعيم كتيبة الملثمين التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في معارك. وبدقة نقل بيان الأزواد تفاصيل المعركة الهيتشكوكية في منطقة غاو شمال مالي التي قال إن بلمختار سقط فيها بعشرين رصاصة من سلاح العقيد بون أغ الطيب الذي قتل بدوره برصاصة من سلاح الارهابي بلمختار. وفي مارس 2013 قالت تشاد إن قواتها قتلت مختار بلمختار وعبد الحميد أبوزيد وقالت السلطات التشادية في بيان لها إنها «دمرت بشكل كامل القاعدة الأساسية للجهاديين في جبال أدرار في سلسلة ايفوغاس بوادي اميتيتاي.. وأن عدة إرهابيين قلتوا من بينهم زعيمهم مختار بلمختار المعروف بالأعور». وفي أبريل 2015 قال أحد أعيان أوباري جنوب غربي ليبيا إن «قوات من كتائب مسلحة مكونة من قبائل التبو الليبية بدأت عملية للبحث عن مكان دفن الجثة المتفرضة للقيادي في تنظيم القاعدة مختار بلمختار»، والغريب في الأمر أن مواقع صحافية أعلنت في نفس الوقت وجود عملية مشابهة للبحث عن جثة الأعور في شمال مالي حيث يعتقد أنه قتل. وكانت روايات متضاربة تحدثت عن مقتله مسموما!! في كل مرة كان يعلن فيها عن مقتل مختار بلمختار يبعث هذا الأخير حيا. لكن الإعلان الذي جاء من ليبيا نهاية الأسبوع المنصرم يبدو أنه حسم نهاية حياة هذا الارهابي الذي لم يكن يقنع بالصف الثاني وكان على امتداد حياته البئيسة يطمح أن يكون الارهابي رقم 1 في منطقة الساحل والصحراء حتى بعد تشبثه ببيعة الظواهري وحتى خلال انشقاقاته مع باقي قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وإنشائه العديد من الكتائب ك«الملثمون» و«المرابطون» و«الموقعون بالدم». قصة مقتل «الأعور» كما روتها وكالات الأنباء العالمية بدأت بتوفر معلومات حول اجتماع لقادة التنظيم الارهابي الذي يتزعمه في مدينة جدابيا التي تبعد 160 كلم غرب بنغازي. بدقة متفاوتة أعلن كل من البنتاغون وحكومة ليبيا المعترف بها دوليا عن نهاية مختار بلمختار الشهير أيضا باسم «السيد مارلبورو» بسبب سيطرته على عمليات تهريب السجائر في المناطق الخاضعة لنفوذ جماعته. البنتاغون قال إن غارة جوية شنتها طائرات أمريكية في ليبيا ليل السبت استهدفت القيادي الجهادي الجزائري مختار بلمختار، وبحذر تام لم يؤكد البنتاغون مقتل بلمختار حتى لا يسقط فيما سقط فيه سابقوه الذين ادعوا مقتله قبل أن يعود إلى معاركه واختطافاته وعملياته الدموية.. غير أن الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية قال بصراحة إن هدف الضربة كان هو مختار بلختار، ما يعني أن البنتاغون كان يتوفر على معلومات أكيدة حول حضوره اجتماع جدابيا، وأضاف المتحدث إن الغارة نفذتها طائرات أمريكية ونحن نواصل تقييم نتائج العملية». الحكومة الليبية المعترف بها دوليا التي يوجد مقرها بطبرق أعلنت بشكل لا مجال فيه للشك عن مقتل الإرهابي الجزائري بلمختار ومن كان معه من إرهابيين في الغارة الأمريكية شرق ليبيا، وهي الغارة التي تمت بالتشاور مع الحكومة الليبية المؤقتة للقضاء على قادة الارهاب المتواجدين على الأراضي الليبية حسب بيان حكومي، واستهدفت مزرعة كان يعقد فيها بلمختار اجتماعا مع قادة تنظيمات متطرفة من بينها أعضاء في جماعة أنصار الشريعة، حسب ما نقلته فرانس بريس. غير أن قناة فرانس 24 ستعيد بلمختار إلى الحياة عندما أعلنت في الزوال أن مصدرا مطلعا نفى لها مقتل الارهابي الجزائري في الغارة التي قتل فيها عدد من المتطرفين. بسبب التجارب السابقة حول إعلان موته، سيظل بلمختار حيا -رغم تأكيدات الليبيين نهايته- إلى حين العثور على جثته. لم تكن أخبار الموت وحدها تلاحق بملختار الدموي مخطط ومنفذ أكبر عملية لاحتجاز الرهائن بالجزائر سنة 2013، بل كانت أيضا أحكام الاعدام، إذ سبق أن حكم عليه القضاء الجزائري في مناسبتين بالموت بتهمة الارهاب الدولي والقتل والخطف. وهي أحكام لم تزده سوى نياشين جديدة ظل يفتخر بها خلال مساره الإرهابي الذي بدأه مبكرا، عندما فقد عينه في معركة بأفغانستان رغم حداثة سنه الذي لم يكن يبلغ بعد العشرين سنة وذلك سنة 1991، عندما ترك مسقط رأسه غرداية الجزائرية وسافر إلى أفغانستان للانضمام إلى تنظيم القاعدة. منذ ذلك التاريخ تخلى عن اسمه الحقيقي خالد أبوالعباس وبات يلقب ب«الأعور» قبل أن يضيف لقبا جديدا إلى بطاقة هويته هو «السيد مالبورو» وذلك بعد أن احتكر تهريب السجائر في منطقة تحكمها العصابات والتنظيمات المسلحة والجماعات الارهابية. غير أن هذا اللقب الجديد سيختفي شيئا فشيئا بعد أن غير نشاطه من التهريب إلى الاختطاف واحتجاز الرهائن وهو «الاستثمار» الجديد الذي يذر ثروة على أمثاله من الارهابيين بمنطقة الساحل والصحراء. الأعور كان وراء اغتيال أربعة فرنسين في موريتانيا سنة 2007 وكنديين اثنين سنة 2008 وثلاثة اسبان وإيطاليين سنة 2009. غير أن كبر عملية لاحتجاز الرهائن هي تلك التي نفذها في حقل «إن أمناس» للغاز بالجرائر سنة 2013، وهي العملية التي انتهت بشكل دموي بعد مقتل عدد من الرهائن إثر تدخل الجيش الجزائري الذي لم يتمكن من قتل أو اعتقال مختار بملختار. الصراعات داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي حول المال والنفوذ دفعا بزعيم التنظيم عبد المالك درودكال إلى طرف بلمختار وسحب كل امتيازات القيادة منه، الشيء الذي دفع هذا الأخير سنة 2012 إلى إنشاء كتيبة الموقعين بالدم، وهي نفس السنة التي أعلن عن مقتله بيد الجيش التشادي، لكن نفيه كان عمليا بتنفيذه اعتداءين انتحارين في النيجر وتهديده بعمليات مماثلة في البلدان التي تشارك جيوشها في مكافحة الارهاب بمالي. ظل بملختار على عقيدة الظواهري رافضا بيعة أبو بكر البغدادي والانضمام إلى تنظيم «الدولة الاسلامية»، إذ بالنسبة إليه سواء فجر وقتل وسلب تحت لواء القاعدة أو الدولة الاسلامية فإن الأمر سيان لا فارق بينهما مادام قد اختار عقيدة الذبح وسلك طريق اللاعودة.