«سرها ما كيعلم بيه غير الله وهي»0 هكذا كانت تجيب "الحاجة رقية" على كل من تعمد بحسن النية أو سوءها استفسارها عن حقيقة ما تردده بعض الألسن حول إحدى أخواتها، التي يشكك الكثير من أهلها وأقاربها في نسب ابنها الوحيد، الذي يشار إليه في جلسات النميمة بأنه « ما شي ولدها غير مربياه وحاطاه بسمية راجلها في الحالة المدنية»0 هذه القضية ظلت مثار روايات متعددة من القريب والبعيد، هناك أطراف «ضرها راسها» حاولت دون كلل أو ملل النبش في سجلات تلك المرأة وزجها، الذين لم يرزقا على مدار ثماني سنوات بالذرية، لكنهما في ظروف غامضة، لم تصدقها الغالبية منهم، عادا بعد اختفاء دام عدة شهور برضيع في أسبوعه الأول، مدعين أمام الجميع أن «الله جاب التيسير» على يد عشاب يقيم في قرية نائية، تابعت لديه الزوجة علاجا مكثفا ومستمرا إلى أن ظهر حملها، حيث بقيت بعيدة عن الأعين إلى أن جاءها المخاض، لتضع مولودها بمساعدة "قابلة"، وتعود بعد استكمال أيام النفاس إلى بيتها وحضن أهلها بالمدينة «ولدها ولا ولد السبيطار»الرواية الأكثر تداولا بين معارف وجيران أخت "الحاجة رقية"، أن تلك المرأة «العاكرة» حسب اعتقادهم، «ضبرات على تيلاد من شي سبيطار»، وتمكنت بفضل «سنطيحة» زوجها وعلاقاته ببعض «المخلوضين» أن يستخرج لها شهادة الولادة من إحدى "القابلات" نظير مبلغ مالي0 كما اتبع المعنيان بالأمر نفس أسلوب «دهن السير يسير» في تسجيل المولود بالحالة المدنية على أنه ابنهما الشرعي على الورق0استمرت «الكذبة» على هذا المنوال لعدة سنوات حتى وصل الطفل إلى سن المراهقة، دون أن تبوح الأم الوهمية ولو بجزء بسيط من السر لأقرب الناس إليها، حيث كانت "الحاجة رقية" تحاول استدراجها باسم النصيحة و«الرجوع لله» إلى الإعتراف بالحقيقة وهي على قيد الحياة قبل انتقالها إلى الدار الآخرة و«تقليد أصل الدري في عنقها»0 باءت كل المحاولات بالفشل، ولم يستطع «لا لحبيب ولا لعدو» أن يحدث أدنى كوة في جدار الكتمان والصمت الشديدين حول الحقيقة المخفية0 وصول «هاذ الهضرة» إلى مسامع الابن بخصوص حقيقة نسبه، وتعمد ناقلي الأخبار إلى «الحك على الضبرة»، جعله هو الآخر يطرح تساؤلات ملحة ومحرجة على «والديه» تصب كلها في خانة «شكون أنا»0 بقيت كل الأسئلة وعلامات الاستفهام معلقة أمام الأقوال الثابتة للأم المشتبه في تبنيها للطفل غير شرعي بطريقة غير قانونية، التي ظلت تحلف بأغلظ الأيمان أن ابنها الوحيد «ولداتو من كرشها»، بينما كان الزوج يتجنب الخوض مع أقاربه أو أصدقائه في أي حديث يخص هذا الموضوع الحساس، ليبقى اللغز الغامض حول «واش الدري ولدهم ولا لا» قائمة إلى أجل غير مسمى0«لي ما عندوش لولاد يشريهم»لم يكن "عبد القادر" يجد حرجا في الاعتراف لبعض أصدقائه المقربين، أنه خاض معارك متعددة لملء بياض بعض صفحات حالته المدنية، التي ظلت فارغة منذ زواجه قبل عدة سنوات0 هذا التاجر في مواد البناء «مسك عليه الله بالمال»، غير أن زينة الحياة الدنيا لم تكتمل لديه بالبنون، حيث كان يعاني من عقم استعصى عليه علاجه في العيادات الطبية المختصة أو على أيدي العشابين والفقهاء والمشعوذين0بعد مرور أكثر من خمس سنوات على ارتباطه بإحدى بنات عمومته، التي لم ينتفخ بطنها كما كان منتظرا، تأكد لأهل ومعارف "عبد القادر" أن هناك احتمال كبير في عدم إمكانية إنجابه لمعرفتهم بتجربة سابقة في الزواج دامت أربع سنوات دون أن ينعم بالذرية0 هذه النظرية صدقت بالفعل حين قام الزوجان بزيارة الأطباء والخضوع لمجموعة من التحاليل، بينت أن الطرف المذكر عقيم لأسباب خلقية من المستبعد طبيا أن يتم علاجه0 عندما أيقن "عبد القادر" أن حظوظه في الإنجاب من صلبه لم تعد ممكنة، أصبح يفكر في سبل أخرى تعوضه عن الحرمان من الأبوة0 حاول في بادئ الأمر باقتراح من أحد أصدقائه أن يلجأ إلى الخيريات ومراكز الأيتام لعله يعثر على مبتغاه0 تردد كثيرا على بعض المؤسسات الحاضنة للأطفال المتخلى عنهم، لكن الإجراءات الإدارية والقانونية المطلوبة من أجل إنجاز ملف التكفل بدت له متعبة نفسيا وبطيئة زمنيا، مما دفع به إلى اختصار الطريق عملا بالمثل الشعبي «لي ما جات بالقلم تجي بالقدم»، حيث استعان بخدمات بعض السماسرة، الذين أدلوه على امرأة تتوسط نظير مبالغ مالية بين أزواج يرغبون في تبني طفل وبين أمهات عازبات يبحثن عن خلاص من ورطة إنجاب ابن غير شرعي0 ومن خلال الخدمات السريعة لهذه المرأة «الضبارة على الدراري الصغار»، استطاع "مول الجلسة الياجور" أن يضع في كناش حالته المدنية أول مولود «مشري بالفلوس» باسمه ونسبه، بعد حصول زوجته على شهادة الولادة كأنها هي من أنجبته0 وهكذا توالت نفس العمليات والإجراءات إلى أن وصلت قائمة أبناء "عبد القادر" إلى ولدين وبنت يحملون جميعا لقبه العائلي على اعتبار أنهم أبناء حقيقيون وليسوا متكفل بهم0«لمربي عز من لمولود»تغلب "هشام" وزوجته "لطيفة" على مشكل عدم الإنجاب بملء الخانة الفارغة لعاطفة الأمومة والأبوة لديهما بالقول «لي ما عطاش الله لولاد يربي اولاد الناس»، حيث استطاعا هذين الزوجين، الذين قضيا إحدى عشر سنة من العشرة الطيبة أن يصبحا أبوين مثل سائر خلق الله0 فبطريقة لم يفصحا عن تفاصيلها لأي أحد من محيطهم الأسري، تمكنا في ظرف وجيز من تبني طفلة لا يعرف أقرب الناس إليهما «أصلها وفصلها» أو من أين حصلا عليها0 الكثير من المقربين إليهما سمعوا بأن تلك الطفلة «تحطات في الحالة المدنية بسميتهم»0 المسألة في نظر المتحفظين على تبني أبناء مجهولين ومنحهم اللقب العائلي تعتبر تحايلا على القانون والشرع، بينما المتعاطفون مع هذين الزوجين المحرومين من نعمة الإنجاب، يرون أن من حقهم البحث عن كلمة "بابا وماما" بأي ثمن أو طريقة عملا بالمثل المعروف «الغاية تبرر الوسيلة»0 وبالرغم من أن طريقة التبني لدى هذين الزوجين كان فيها «إن»، فقد نجحا قلبا وقالبا في لعب دور الأب والأم الحنونين، حيث حولا شقتهما الصغيرة إلى ما يشبه حديقة للألعاب0 عرف "بابا هشام" بتعلقه الشديد بتلك الطفلة «لي ما شي زوينة» وحسن تعامله معها كأنها من صلبه0 كما كانت "ماما لطيفة" غاية في الرقة والحنو على بنت صغيرة لم يلدها بطنها ولم يرضعها ثديها، حتى صارت بين الأهل والجيران مثلا في الأمومة الحقيقية والعاطفة الفياضة0 كانت هذه الأم ب«السمية» تردد دائما أمام استغراب المحيطين بها على حبها الكبير ل«بنتها» بالقول أن «لمربي عز من لمولود»0 هذا المسلك الملتبس في تبني الأطفال دون اللجوء إلى المساطر القانونية والإدارية المعمول بها، تحول في السنوات الأخيرة إلى سوقا رائجة لها تجارها وسماسرتها والمقلبين على خدماتها، حيث أصبح التبني هو المصطلح المتداول لدى عموم الناس في إشارة منهم إلى أي طفل تخلى عنه والداه البولوجيان وتعهدت إحدى الأسر بالتكفل والعناية به، غير أن الكفالة والتبني مفهومان مختلفان ، فالكفالة تقتصر على تلبية حاجيات الطفل المكفول مادية كانت أو معنوية ، وهي عكس التبني، حيث لا تقوم على إعطاء الطفل الاسم العائلي نفسه وتسجيله بدفتر الحالة المدنية وتمكينه من الإرث لاحقا0 رغم أن منح الاسم العائلي لطفل مجهول النسب هو أمر مرفوض من الناحية الدينية ، إلا أن معظم الأسرة المغربية، التي قررت التكفل بأحد هؤلاء الأطفال ، تعمل جاهدة على سلك سبل غير قانونية لحمل صفة آباء على الورق وفي عيون الغير0