يدور ذلك الفيلم الخيالي الساخر حول فكرة التعارف بين الجنسين، ويتحول فيه البشر إلى حيوانات خلال فترة محددة إن لم يرتبط كل إثنين منهما معا. الصحفي الفني نيكولاس باربر يوضح لنا السبب وراء اعتبار البعض لفيلم "ذا لوبستر" (أو جراد البحر) أنه من أفضل أفلام مهرجان كان السينمائي. شاهدنا حتى الآن في مهرجان كان السينمائي الممثل توبي جونز وهو يحتضن برغوث عملاق في فيلم "حكاية من الحكايات". وفي فيلم "ماكس المجنون: طريق الغضب"، شاهدنا الممثل توم هاردي وهو يقضم سحلية ذات رأسين بصوتٍ عالٍ. إلا أن أياً من الفيلمين لم يكن غريباً بالكلية أو بهذا الشكل المزعج مقارنة بفيلم "جراد البحر". يعد فيلم "جراد البحر" كوميديا جادة، ويعكس أصداء لأفكار جورج أورويل، و كافكا، و كوبريك. إنه ثالث فيلم يخرجه ويشارك في كتابته المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس، صاحب فيلم "الناب". لكن فيلم "جراد البحر" هو أول أفلامه باللغة الإنجليزية، كما أنه أول فيلم له يضم أسماء ممثلين كبار من أمثال "كولين فاريل"، و"ريتشل وايز"، و"جون ك. رايلي" و"بن ويشا". عندما جرى الإعلان عن فكرة الفيلم، راود بعض النقاد السينمائيين القلق من عدم نجاح تلك الفكرة السريالية اليونانية المميزة للمخرج لانثيموس عند ربطها بمثل هذه الأسماء الشهيرة للممثلين. لكن تبيّن أن مخاوفهم كانت في غير محلها، فقد حظي مخرج الفيلم بدعم مجموعة مثالية ومنظمة في أدائها. ويغلب طابع التشابك والارتباك على الفيلم، مثل الأفلام السابقة للمخرج لانثيموس. لكن الفيلم يتناسب تماما مع تراث أفضل الأعمال الفنية العبثية في بريطانيا، مثل فيلم "مونتي بايثون"، و"السجين"، و"القطار الكبير" و فيلم "جام" للمخرج كريس موريس. وفي هذا الفيلم الجديد، يخفي الممثل "فاريل" نجوميته من خلال الظهور ببطن كبيرة، وشارب كثيف، وشخصيته التي لا تبعث على الارتياح على الدوام. وهو يلعب دور رجل أيرلندي تركته زوجته للتوّ، وكان عليه وفقا لقانون الفيلم أن يعود إلى المواعدة ليجد شريكة أخرى. وهذا يعني، في الواقع المرّ لذلك الفيلم، أن عليه اتباع قواعد منظمة بشكل صارم في هذا الإطار. بدايةً، يُنقل فاريل إلى فندق ساحلي من الطراز القديم، وهو مكان رتيب يبدو عليه أنه غير مناسب طيلة أيام السنة. وعندما تسجل موظفة الاستقبال نظامه الغذائي المفضل، تواصل توجيه أسئلتها لتحديد ميوله الجنسية؛ وبعد سماعه عدم وجود أشخاص مثليّي الجنس ضمن القائمة في الفندق، - والتي عليه أن يختار شريكا أو شريكة منها- يتوقف فاريل طويلاً وهو قاطب الجبين. ثم لا يجد مفرا من اختيار خانة "أفضل الجنس الآخر"، بطريقة مضحكة، تماما كما كان يفعل في فيلمه السابق "في (مدينة) بروج". وتظهر مديرة الفندق أوليفيا كولمان كإنسانه مباشرة وصريحة، وتذكر له بسرعة أحكام وقواعد اللعبة، وأهمها أن أمام "فاريل" 45 يوماً فقط ليجد شريكة حياته المناسبة من بين نزلاء الفندق. بإمكانه أن يكسب أياماً إضافية في مطاردة الفتيات العازبات اللاتي يختبئن في الغابات المجاورة. أما إذا لم يرتبط مع أية نزيلة في الفندق بعد إنتهاء فترة مكوثه فيها، فانه سيحوّل إلى حيوان حسب إختياره. يختار "فاريل" أن يكون من جراد البحر، فهو في نهاية المطاف يحب السباحة. تعجب مديرة الفندق من اختياره. فأكثر الناس يختارون الكلاب، حسبما علّقت، وهذا هو سبب وجود الكثير من الكلاب في عالمنا. مع كل ذلك الجنون والخيال في الفيلم، فإنه ليس إلا نقداً بارعاً للضغوط الاجتماعية التي نقع تحتها جميعاً لإقامة علاقات فيما بيننا، إضافة إلى المكر وخداع النفس الذي يلجأ إليه بعضنا نتيجة لذلك. في العالم الاستبدادي للفكرة، لا يُسمح لنزلاء الفندق بأن يلتقي أحدهم بآخر ما لم يشتركا في "صفة محددة". لكن يمكن لهذه الصفة أن تكون عشوائية، مثل عرج طفيف أثناء المشي، أو ولع مشترك بأكل البسكويت. وفي واقعنا الذي نعيشه نحن، يُعقد الزواج على أسس أضعف من هذه. لكن مع هذا القول، لا أعتقد أن فيلم "جراد البحر" يخاطر بالوقوع في فخ السخرية الرتيبة والمباشرة. إذ تكمن عبقرية الفيلم في طريقة تشاؤمه، وانعدام العاطفة فيه تجاه فكرته العظيمة مع بساطتها. في ذلك الفيلم، تُنطق الجمل بهدوء وبطابع رسمي، ولا يُظهر الممثلون إطلاقاً أي بادرة تدل على تفاهة الحالة التي يمرون بها. فلا ينصدم أحد عند سماعه تعليمات وقواعد اللعبة عندما تذكرها لهم مديرة الفندق، حتى عندما تطلب منهم أن يضعوا أياديهم في جهاز كهربائي لتحميص الخبز. الكلّ قد تعود على سير الأحداث كما هي. حتى عندما يتجول جملٌ ما بين الممثلين، لا يتحرك جفن أحد منهم. وبالتالي، يُترك الأمر للمشاهد لكي يستغرب من ذلك الحيوان ذو الحوافر وسيء الحظ الذي مرّ من هناك. ولكن حذارِ، فذلك الفيلم يعرض مشاهد مروعة متتالية، لكنها منفصلة عن الحدث وبشكل متعمد. كما أن تناول الأعمال الوحشية في الفيلم، دون ظهور أي مبالاة على وجوه الممثلين، يزيد من الفاجعة في تلك المشاهد المروعة. وبعض لقطات النصف الثاني من الفيلم قوية جدا، لدرجة قد لا يتحملها البعض. عندما تنتقل مشاهد النشاط والحركة خارج الفندق إلى الغابات، فإن الكوميديا في الفيلم لا تتوقف، لكنه يصبح فيلماً مليئاً بالإثارة، والدراما العاطفية، ويصبح فيلم رعب بالكامل. سينفر الكثير من المشاهدين من هذه القسوة في الفيلم. أما من يرى تهكم "لانثيموس" العميق والثري بتفاصيله في ذلك الفيلم، فلن ينساه أبدا. لكن لا بد أن يُشاد بالفيلم باعتباره أحد أفضل أفلام "مهرجان كان السينمائي" لعام 2015.