«أنا من كلميم كنتفارض مع ولاد لبلاد فطونوبيل، باش نضمنو الترانسبور، غادي نخرجوا بإذن الله الخميس بالليل حيث تابعانا يومين ديال الطريق،» يقول «محمد» وهو تاجر للتمور بسوق درب ميلا بالبيضاء، وهو يسرع نحو سائق سيارة من نوع «فاركونيط» متوقفة غير بعيد عن بازارات باب مراكش للتفاوض معه حول ثمن الرحلة، وتوقيت الانطلاق.اخيتاره لسيارة من توع «الفاركونيط» ليس عبثا، فهي القادرة حسب قوله « تهز بنادم والباكاج اوحتا الضحية.. » فقد تعود رفقة عدد من « أولاد البلاد» ومنذ سنوات أن يجعل من مناسبة «عيد الكبير» عطلته الرسمية التي تستغرق شهرا كاملا « هذا هو الكونجي ديالي أخويا ، مرة فالعام..». أصحاب هذا النوع من السيارات لايخفون ارتياحهم، لهذا الاقبال الذي يدر عليهم أرباحا مهمة، خاصة إذا كانت المسافة طويلة، وعدد الركاب يتجاوز العشرة « إنها مناسبة لضمان ربح إضافي لمواجهة مصاريف استثنائية، رغم المسافات الطويلة التي تتجاوز أحيانا المئات من الكلومترات » يقول أحد السائقين الذي كان يتأهب للتفاوض مع مجموعة من سكان إحدى قرى مدينة ورزازات. أمثاله كثيرون في البيضاء، فساعة الرحيل بدأت تدق بسرعة على بعد أيام قليلة من الموعد الحاسم، لفئات عريضة من ساكنة العاصمة، خاصة أصحاب المهن الحرة والتجار، والحرفيين .. لكل وجهته. فاللجوء إلى وسائل النقل المعروفة من حافلات وقطارات في هذا التوقيت بالذات، مغامرة لاتسلم من مفاجآة « الكيران كيعمروا، اوكايزيدو فالثمن، والبكاج عندك محدود.» يضيف محمد، بعد أن نال موافقة صاحب السيارة، الذي لم يكن سوى أحد سكان مدينته، لم يبخل كعادته كل سنة بنقل عشرة أشخاص في صندوق سيارته، « ببكاجهم، وأضحيتهم » بأثمنة تعتبر مشجعة مقارنة مع ماهو معمول به في مثل هذه المناسبات. مشهد آخر لايختلف كثيرا عن الأول ، وهذه المرة بإحدى الأزقة المتفرعة عن شارع الجيش الملكي بالدارالبيضاء،غير بعيد عن محطة حافلة 11، حركة غير عادية تعرفها وبشكل غير عادي، وبالتحديد بالقرب من ورش فندق إبيس بمحطة القطار الميناء الذي تحول هذه الأيام، وأمام أعين رجال الأمن إلى محطات مؤقتة لعدد من سيارات النقل الجماعي، حيث تعرف من حين لآخر قدوم زبناء محددين منهم عائلات بكاملها. اختيارهم لهذه الوسيلة، رغم علم عدد منهم المسبق بأن أصحابها لايملكون رخصة قانونية لنقل مايزيد عن عشرة أشخاص، يفسرها أحد « زبناء بقوله « أمام أزمة النقل نحن مجبرون إلى اللجوء إلى خدمات «الخطافة» ، فالمهم وبعد أن يحصل اتفاق بين أشخاص لديهم نفس الوجهة، كراء سيارة لنقلنا جماعيا» . والحقيقة أن فصلا من المعاناة يتكرر كل سنة قبل عيد الأضحى، التي تعني الكثير بالنسبة للآلاف من القادمين من مدن بعيدة للعمل في مختلف المهن بالعاصمة. خاصة في مهن البناء، والعمل في المقاهي، والحراسة.. وهي فئات اجتماعية تفضل مبدأ التضامن نظرا لتواضع امكانياتها في توفير وسيلة نقل جماعية لمعانقة دفئ العائلة وحضور أجواء العيد بين أفرادها. البحث عن تذكرة نقل يتحول إلى هاجس يقض مضجع هؤلاء ويدفعهم إلى تحمل مشاق الطريق للإلتحاق بعائلاتهم في مدن وقرى هامشية، ويدفعهم إلى اللجوء إلى بدائل عن الحافلات والقطارات، والاستعانة بسيارات من نوع « هوندا » أو «مرسيديس» لذلك. في هذه المناسب تتفاوت أيضا أثمنة التنقل عبر هذه الوسائل حسب عدد المسافرين وطول المسافة الفاصلة بين العاصمة وعدد من المدن والقرى، وعموما فرغم ارتفاع أثمنة بعض الاتجاهات، خاصة نحو الدواوير البعيدة عن مراكز المدن، فإن مجرد ضمان مقعد قبل أيام من العيد، يشكل فرصة للهروب من المضاربات في أثمنة التذاكر والازدحام الذي تعرفه وسائل النقل الجماعية سواء سيارات الأجرة أو الحافلات بالمحطات الرئيسية ، حيث يصبح النقل الموازي غير المنظم الوسيلة الوحيدة للتنقل في هذه المناسبة، وهي ظاهرة تنشط في عيد الأضحى. غير أن رحلات من هذا النوع قد تفسدها مفاجآت الطرق وباعتراف عدد من السائقين فإن الحذر واجب « أمام كثرة الباراجات، والكسايد فالطريق ...» حيث غالبا ما تتسبب الحمولة غير قانونية والسرعة الفائقة عاملا لاغتيال فرحة العيد.