سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سائق سابق لإدريس البصري يحكي عن بائع الهراوات وسائق العلوي بدون مرآة عاكسة سائق «دومو» كاتب عام جامعة الكرة يطارد «الهيلوكوبتر» وسائق وزير سابق يجيب مشغله الذي يناديه بالحمار «نعم آخويا»
ليس السائق الخصوصي للشخصيات، التي تنحدر من عالم السياسة والمال والأعمال، مجرد مستخدم أجير مهمته قيادة سيارة مشغله وقضاء مآرب الأسرة الظاهرة والمستترة، بل هو بشهادة الجميع أمين السر الدائم والعلبة السوداء التي تخفي الكثير من الأسرار. في علاقة هذه الفئة بمشغليها العديد من المواقف الطريفة التي يتداولها علية القوم في مجالسهم الخاصة، والكثير من النوادر التي تستحق أن تروى لأنها تجسد أحيانا أعلى درجات الطاعة والوفاء، وأحيانا تكشف عن خبايا تتزاحم في ذهن سائق يصبح مع مرور الأيام عنصرا مضافا إلى شجرة العائلة. «المساء» ترصد حكايات أسماء نكرة في خدمة شخصيات معروفة، وتعرض بعض الطرائف المصنفة في خانة «السر المهني». أصبح السائق الخاص للعائلة جزءا لا يتجزأ من ديكور الرفاه، فحين تصر زوجة شخصية من المجتمع المخملي على أن تركب في المقعد الخلفي لسيارة زوجها الفارهة، بالرغم من قرب المسافة الفاصلة بين قاعة «الفيتنيس» وبيتها، تجد سعادة تفوق سعادة الاستحمام حين تغادر «الصالة» وتجد في انتظارها سائقا وضع في حالة تأهب قصوى لاستقبالها وفتح باب السيارة الخلفي وهو يردد عبارة: «بالصحة والراحة» قبل أن يطلق العنان لمحرك السيارة صوب الفيلا... كل هذه الطقوس ليست سوى عناوين بارزة لحياة الترف التي أصبح السائق الخاص أحد مكوناتها. لا ينتهي الدوام اليومي لهذه الفئة من السائقين بنهاية مواقيت العمل العمومية أو الخصوصية، بل يرتبط عادة بساعات إضافية، تبدأ بنقل الأطفال والبضائع وصيانة بقية السيارات والمواسير وكل الأشغال التي تقتضي وجود شخص له استعداد فطري لخدمة أفراد الأسرة من كلبها المدلل إلى الجد. وزير الدولة الذي أدب سائقه بنزع المرآة العاكسة أكثر نوادر سائقي رجالات الحكومة، ارتبطت بوزير الدولة السابق المرحوم مولاي أحمد العلوي، فالرجل كان صارما في تعاملاته، وحريصا على أدق الجزئيات، بل إن علاقته بسائقيه محمد وحسن طبعها في كثير من الأحيان التوتر والقلق. أشهر الحكايات التي يرويها السائقون في منتدياتهم، تلك التي حصلت في أواسط الثمانينيات، عندما أصدر مولاي أحمد العلوي قرارا تأديبيا في حق سائقه الأول، يقضي بنزع المرآة العاكسة، التي توجد داخل السيارة والتي تتيح للسائق فرصة مشاهدة السيارات التي خلفه. قرار الوزير يرمي في العمق إلى منع سائقه من اختلاس نظرات إلى الوراء، إذ غالبا ما ينبهه الشريف من مغبة النظر إلى الخلف ويدعو بلهجة آمرة إلى الانتباه إلى ما يجري في الأمام وليس الخلف. كانت صرامة الوزير تحتاج إلى سائق مهادن قادر على «وضع أعصابه في ثلاجة». أصبحت سيارة الوزير بدون مرآة داخلية، وحاول السائق التعايش مع هذه الإعاقة الجديدة، لكنه وقع في مطب طريف، حين أمره مشغله يوما بالتوقف على قارعة الطريق الساحلي الرابط بين الرباطوالدارالبيضاء، لقضاء «غرض طارئ» لا يستحمل التأجيل. كان الجو باردا ورياح البحر ترسل زفيرها المشبع بالرطوبة، وفجأة سمع السائق صوت إغلاق الباب، فاستأنف المسير اعتقادا منه أن الوزير صعد إلى السيارة، لكن بعد نصف ساعة اكتشف أنه ارتكب خطأ مهنيا، لأن قدمي الوزير لم تطآ السيارة، وظل «متسمرا» في مكانه يبحث عن سر الإقلاع المفاجئ. عاد السائق على وجه السرعة وهو يطوي المسافات بحثا عن مشغله، وعلى امتداد الطريق كان يرتب دفوعاته ويعد مبررات السهو، الناجم عن غياب مرآة داخلية تمكنه من معرفة من بداخل السيارة. تعرض السائق لقرار تأديبي، خاصة بعد أن تسرب الخبر وأصبح متداولا بين السائقين، وفي ردهات مقر جريدة «لوماتان» التي برع صحافيوها في صياغة الخبر همسا. ويروى عن مولاي أحمد العلوي أنه انتدب سائقا شابا، عرف ببرودة أعصابه وقدرته على مجاراة أوامر وزير الدولة، وهو ما جعل الشريف يسأله يوما عن أوضاعه الاجتماعية، فما كان من السائق إلا أن استغل الفرصة لعرض معاناته مع السكن، حينها طلب منه مشغله تذكيره في اليوم الموالي بتفاصيل المشكل كي يجد له مخرجا من ضائقة الإيجار. في أول فرصة، عرض السائق ملفه المطلبي وهو يفرك يديه، لكن صرخة الوزير غيرت ملامحه، حين قال بأعلى صوته: «أنا وزير دولة ولست سمسار دولة». سائق البصري الذي انتهى به المطاف عاطلا في سطات من سخرية القدر أن ينتهي مطاف محمد الناجي، السائق الخصوصي لوزير الدولة الأسبق إدريس البصري، في مقاهي عاصمة الشاوية بعيدا عن الصخب الوزاري ومظاهر السلطة والأبهة. يحتسي الرجل كأس قهوته السوداء، ويدخن سيجارته وهو يطلق من الأعماق زفيرا يسافر به إلى ذكريات الأمس، حين كان يستمد سلطته من قوة أكبر وزير في تاريخ المغرب الحديث. بدأ ابن سطات حياته طالبا ولاعبا للتنس. في ملاعب الكرة الصفراء التقى بالبصري الذي أعجب بخفة ظله وقرر ضمه إلى سلك الشرطة، بعد أن لمس في الفتى حضورا قويا للبديهة ومعرفة بأدق تفاصيل الحياة وحفظا للمقالب والنكت. ما أن أنهى الشاب تكوينه بمعهد الشرطة، حتى انضم إلى الطاقم الخاص للوزير، وأصبح مع مرور الأيام سائقا احتياطيا قبل أن ينال رسميته وينسج خيوط التقارب مع الوزير بفضل خفة دمه. في ظرف وجيز، أصبحت للسائق مكانة خاصة لدى رجال السلطة، فعلى الرغم من وضعيته الإدارية كمفتش شرطة، فإن رتبته غير المرئية جعلته محل تقدير خاص من الباشاوات والعمال والولاة وكل من تذوب سلطاتهم الواسعة لمجرد ذكر اسم البصري. الطريف في حكاية هذا السائق، أنه تلقى تنبيها من الوزير، الذي يملك حاسة شم قوية، وحذره من مغبة الاتصال برجالات السلطة وقضاء مآرب الناس باسم الوظيفة. غادر الرجل المغرب صوب الولاياتالمتحدةالأمريكية، واختفى عن الأنظار. يقول عامة الناس في سطات إن السائق تعرض لعملية غسل دماغ بعد أن اخترق حدود الأسرة وأصبح عارفا بأدق تفاصيل حياة البصري. عاد إلى منطلقه بسطات، وتحول إلى رجل ينام ويستيقظ على ذكريات السلطة، وحين تنتابه العزلة يعيد تصفح ألبوم صور شاهدة على العصر، وهو يردد «الأيام الزينة إلا مشات ما تولي». لازالت ذاكرة الرجل، الذي كان يجلس وراء مقود سيارة وزير الدولة في الداخلية، تحمل العديد من المواقف الطريفة، لكن أكثرها طرافة، هي التي حصلت للوزير عندما توقفت سيارته أمام إشارة ضوئية بوسط العاصمة الاقتصادية، حين كان متوجها صوب الجامعة لتقديم درس في القانون الخاص، فقد عرض شاب على الوزير وسائقه عينة من الهراوات وطلب منه شراء إحداها، فما كان من الوزير إلا أن سأل بنبرة غاضبة: «سير أولدي علاش كتلعب بالهراوات واش كاينة السيبة في لبلاد؟»، فرد عليه الشاب دون أن يكلف نفسه عناء التعرف على مخاطبه: «آش كاين من غير السيبة في هاذ لبلاد». سائق اليوسفي الذي يتعرض لمضايقات الحراس حين كان عبد الرحمن اليوسفي وزيرا أول في حكومة التناوب، ظل سائقه جبيلو أشبه برفيق طريق، تشبع من خلال رفقة المقود والفرامل بمبادئ الاشتراكية وتحول إلى صامت رسمي باسم الحزب العريق، يعرف أدق أسراره ويحفظ عن ظهر قلب نضال الرفاق ودسائس الخصوم. من الطرائف التي ارتبطت بالوزير الأول في علاقته بسائقه أنه انتفض يوما غاضبا، مباشرة بعد خروجه من اجتماع حكومي مرهق، بعد أن تبين له غياب السائق والسيارة، لكن فجأة ظهر السائق الذي أوضح بهدوئه المعهود سر التأخر الخارج عن إرادته، وأبرز أن فرقة الأمن المرابطة أمام مقر الاجتماع هي التي تصر على إبعاد السيارة بمجرد نزول الوزير، حينها أصدر اليوسفي قرارا بتنقيل الفرقة الأمنية، ورد لسيارته اعتبارها وللوزاراة الأولى هيبتها. ومن النوادر التي تروى عن السفريات اليومية للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بين الدارالبيضاءوالرباط أن شابا يشتغل مستخدما في كشك محطة الأداء للطريق السيار تعرف على الوزير الأول بعد أن توقفت سيارته أمام موقف الأداء، وبدا فرحا بهذه الصدفة السعيدة، ولم يعبأ بمنبه الصوت المنبعث من السيارات المتوقفة خلف سيارة اليوسفي، وحاول إعفاءه من أداء رسوم الطريق السيار، لكن اليوسفي انتفض غاضبا وطلب من الفتى تسلم بطاقة الأداء، وفسح المجال لانصراف السيارة، لكن المستخدم رفض وأصر على إعفاء الوزير الذي اضطر بعد ارتفاع «صراخ» السيارات إلى الخروج عن صمته وتوجيه عتاب مشبع بالشتائم «تعفيني! واش لوطوروت خلاها ليك باك؟». ظل عبد الرحمن اليوسفي يتلقى بين الفينة والأخرى، عبر سائقه الخاص، مجموعة من الطلبات شأنه شأن العديد من الوزراء، غالبا ما تأخذ شكل تظلمات، بل إن السائق غالبا ما يستند إلى علاقات عائلية لتبرير تدخله لدى الوزير الأول، وفي أحيان عديدة يرسل عبد الرحمن إشارات لسائقه تفند وجود روابط عائلية وراء تدخلاته. حادثة سير لم تمنع السملالي من حضور مراسيم تقديم الميداليات كان سائق وزير الشباب والرياضة الأسبق المرحوم عبد اللطيف السملالي يسابق الزمن، وهو في طريقه إلى قاعة المعرض الدولي بالدارالبيضاء لحضور مراسيم حفل توزيع الميداليات على الفائزين في آخر مسابقات الملاكمة، في اختتام ألعاب البحر الأبيض المتوسط. فجأة تعرضت سيارة الوزير لحادثة سير وسط العاصمة الاقتصادية، لكن ارتباط الوزير بالموعد جعله يسرع بمغادرة مسرح الحادثة، بالرغم من الآلام التي كان يشعر بها، وقال الوزير لسائقه الخاص: «أريد أن أصل بأي ثمن إلى القاعة المغطاة للمعرض الدولي، فمراسيم توزيع الجوائز قبل المستشفى». وصل السملالي إلى وجهته مع عزف النشيد الوطني، فسلم الميدالية الأولى والثانية، لكنه شعر بمزيد من الألم فسقط أرضا، حينها أمر سائقه بنقله على الفور صوب أقرب مصحة، هناك أكدت الفحوصات الأولية أن الوزير يعاني من كسر ثلاثة أضلاع في قفصه الصدري. ويحكى عن السائق الأسبق للمرحوم السملالي أنه كان يقود يوما سيارة الوزير التي كانت تحمل زوجة الفقيد وضيفة المغرب حرم جو هافيلانج، الرئيس السابق للجنة الأولمبية الدولية، وعند مشارف مدينة مراكش أصرت بقرة على الوقوف وسط الطريق، مما اضطر السائق إلى استخدام المنبه لكن دون جدوى، فقد تبين أن إصرار البقرة يفوق رغبة زوجة الوزير وضيفتها «مدام هافيلانج» بالاستمتاع بسحر الجنوب المغربي. لم تنقطع الصلة بين عائلتي السملالي وهافيلانج، ومع كل زيارة تحتل حكاية البقرة حيزا من النقاش. سائق دومو يطارد هيلوكوبتر الدرك الملكي في نهاية شهر يونيو من سنة 1983 كانت اللجنة المشرفة على تنظيم إحدى التظاهرات الرياضية الكبرى تتفقد المرافق الرياضية بمدينة سطات. وقف الوفد المكون من عبد اللطيف السملالي وزير الشباب والرياضة، ومحمد دومو الكاتب العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والجنيرال حسني بنسليمان، على وضعية بعض الملاعب ومرافق الاستقبال، وبعد انتهاء المهمة التفقدية، قرروا استكمال الجولة بالتوجه صوب العاصمة الرباط، فاقترح الجنيرال على السملالي ودومو مرافقته في طائرة الهيلوكوبتر، حينها نادى الكاتب العام للجامعة على سائقه، الذي كان يقف على بعد خطوات من الثالوث المسؤول، وطلب منه ملاحقة الحوامة صوب العاصمة الرباط: «تبعني أنا غادي مع الوزير والجنرال»، لكن يبدو أن السائق لم يفهم جيدا الخطاب، وبدأ رحلة مطاردة للهيلكوبتر التي اختفت فوق سهول الشاوية. انتظر دومو وصول السائق لكن دون جدوى، فعاد إلى القنيطرة بعد أن تدبر أمره، بينما كان السائق المسكين يشق طريقه في اتجاه العاصمة، ومنها إلى القنيطرة وهو في حيرة من أمره، وهناك التقى في ساعة متأخرة من الليل مشغله، وعلى الفور عرض عذرا أقبح من ذنب: «بقيت تابع الطيارة حتى غبرات». العديد من السائقين الخصوصيين ينفذون تعليمات مرؤوسيهم حرفيا دون الحاجة إلى التدقيق في تفاصيل التعليمات، حيث اضطر سائق المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء إلى قيادة سيارة مشغله صوب مطار سلا بدل مطار محمد الخامس لانتظار وصول المدير العام الذي أرغد وأزبد، وقطع تيار التواصل مع سائقه. اتحاد سائقي زعماء الأحزاب السياسية يقدمون ملتمسا للبصري في الوقت الذي كان فيه رؤساء الأحزاب السياسية منهمكين في اجتماع هام مع إدريس البصري وزير الدولة الأسبق في الداخلية، اتفق سائقو القياديين السياسيين في اجتماع طارئ تدارسوا خلاله مشاكلهم المشتركة، على استثمار الظرفية الراهنة وشبكة العلاقات المتاحة في تحسين أوضاعهم والتفكير الجاد في مرحلة ما بعد الزعامة، وعلى الفور صاغوا ملتمسا موجها للوزير القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وعلى ورقة بيضاء حرروا رسالة تحمل سطورها مطلب تحسين الأوضاع الاجتماعية أملا في الحصول على رخصة مأذونية «كريمة». كان عدد السائقين الموقعين على الملتمس يصل إلى 17 سائقا تختلف أعمارهم وأوضاعهم الإدارية والاجتماعية، وانتدبوا سائق اليوسفي لتقديم الرسالة/الملتمس إلى البصري. توصل وزير الداخلية بالملتمس، لكنه اكتفى بتلبية مطلب البعض دون تقديم أي مبرر لعملية الانتقاء، لذا قرر السائقون استغلال أول فرصة لقاء مع الوزير القوي لتذكيره بحالة السهو التي تسربت إلى الرسالة المطلبية، لكن البصري رد على مخاطبيه قائلا: «منحت لكريمات لسائقي زعماء أحزاب الأغلبية، ولم أجرؤ على الاستجابة لمطلب سائقي زعماء المعارضة لأن رؤساءكم يعارضون في الجلسات البرلمانية حكاية الريع». بعد أسبوع غير الوزير رأيه وشمل ب«عطفه» بقية السائقين، في غفلة من رؤسائهم. شروط المشغلين وجاذبية السائقين في ظل تنامي ظاهرة الانفلات الأمني، تتوصل شركات الحراسة الخصوصية بطلبات من رجال أعمال وأرباب عائلات مخملية، تتضمن مجموعة من الشروط المطلوبة في سائق الشخصيات النافذة، التي أصبحت تفضل التعامل مع سائق/حارس بدل السائق/الخادم. يقول مدير شركة مختصة في توظيف سائقي «الهاي كلاس» ل»المساء» إن شركته تضع مجموعة من المقاييس الإنسانية والاجتماعية كأسس في التشغيل، كالأمانة والكفاءة المهنية والحالة الصحية، فالمهنية تتجلى في خبرته في السياقة، والشخصية في سجله العدلي الخالي من السوابق، والصحية في سلامة جسمه من كل مرض معد وما شابه ذلك. «لذا نوصي، بل نلح على كل السائقين العاملين لدينا بالاستحمام يوميا مع تصفيف الشعر واللحية واستعمال فرشاة الأسنان ومعطر، فضلا عن الاهتمام بالهندام وتحديد الثياب، واعتماد الدبلوماسية في الكلام وتفادي الثرثرة واكتساب رصيد لابأس به من الثقافة العامة» يضيف المدير. ومن الطرائف التي يرويها المسؤول عن الشركة، أنه تلقى طلبا من أحد الخواص الذي أصر على أن يكون السائق أسود البشرة قوي البنية له استعداد للعمل لدى الأسرة، وبعد أن عين أحد السائقين الذين تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة، فوجئ بتحسن أوضاع الأجير الذي أصبح أنيقا أكثر من اللازم، وحين سأله مرة عن سر التحول، أجاب أن السر يكمن في الرعاية الخاصة جدا التي يحظى بها من طرف ربة البيت. المغرب يشجع على السياقة الخصوصية وفرنسا تقنن الظاهرة بالقدر الذي يشجع فيه المغرب تنامي ظاهرة السائقين الخصوصيين، التي أصبحت عنوانا للترف وقرينة ثبوتية على الانتماء إلى «علية القوم»، فإن فرنسا، خامس أقوى دولة في العالم والعضو في مجموعة الثمانية التي تضم أغنى دول العالم، تتصدى بحزم لكل مظاهر الترف، خاصة لدى أصحاب المناصب السامية، فالوزير في الحكومة الفرنسية ليس له الحق سوى في سائق واحد وسيارة خدمة واحدة، ولا حق لحرم الوزير في استعمالها في قضاء المآرب الخاصة بالأسرة ولو في إيصال الأبناء إلى المدرسة أو نقل فرد مصاب من أفراد العائلة إلى المصحة، بل إن أي تحرك للسيارة في «الويكاند» أو الإجازة السنوية يعتبر مخالفا للقوانين، وهذه التدابير لا تقتصر على سيارات الوزراء، بل تمتد إلى السكن، إذ يمنع وضع فيلا رهن إشارة المسؤولين الكبار. كما يمنع تشغيل الخدم وعند الاقتضاء تتحمل ميزانية الدولة واجب استئجار شقة لا تزيد مساحتها عن 120 مترا مربعا. وكانت «المساء» قد رصدت امتيازات الوزراء الفرنسيين، وتحدثت عن سيارة سيتروين س6 التي وضعتها الدولة رهن إشارة الوزير الأول، أما بقية الوزراء فيركبون جميعهم على متن سيارات من نوع بوجو 607. ومؤخرا أضاف وزير الثقافة، فريديريك ميتيران، وسيلة نقل جديدة لأسطول الإليزيه، عندما جاء إلى أول اجتماع وزاري راكبا على متن سكوتر. الوزير يشتري سجائر بالتقسيط يروي سائق سابق لوزير كان ينتمي إلى حزب الحمامة قبل أن يغير جلده، نوادره مع المسؤول الوزاري الذي ظل يرافقه في رحلاته داخل المغرب لسنوات، قبل أن يغادر بناية الوزارة في إطار تعديل حكومي. «كنا في مدينة الدارالبيضاء حيث حضر الوزير حفل زفاف أحد رجالات المال والأعمال بالعاصمة الاقتصادية، وفجأة فضل العودة إلى الرباط على أن تعود زوجته في سيارة شقيقتها بعد انتهاء الحفل، غادرنا القاعة صوب الطريق السيار، فجأة طلب مني التوقف أمام محل لبيع السجائر، وطلب مني اقتناء سيكارين كوبيين، ناولني 800 درهم، لأن سعر كل سيكار لا يقل عن 400 درهم، عدت سريعا إلى السيارة حيث كان الوزير يستعد للشروع في عملية التدخين، فقررت أن أفاتحه في موضوع مرض ابنتي وتكاليف علاجها، كان في منتهى النشوة وهو يشم رائحة السيكار، قبل أن أعرض عليه وضعية صغيرتي التي تحتاج إلى مبلغ مالي لا يقل عن 25 ألف درهم لتأمين علاجها، لكنه سرعان ما قاطعني وهو يدعو إلى تشغيل محرك السيارة وحين أعدت عرض الملف المطلبي على مسامعه، انتفض غاضبا وهو يقول «آبنادم واش كتشوفني شاري الديطاي وانت تطلب مني نعاونك. حشم شوية». فعلا، انتابت السائق نوبة ندم، ليس لأن محاولته ذهبت أدراج الريح، بل لأن مبرر الوزير أقبح من ذنبه، فالرجل الذي يعيش في بحبوحة من النعيم ويستمتع بفيلق من الخدم والحشم، لم يتردد في وضع نفسه في خانة المعوزين الذين لا يدخنون إلا باقتناء سجائر بالتقسيط، رغم أن تقسيط الوزراء يختلف كثيرا عن تقسيط البسطاء، مادام الوزير يدخن في يوم واحد ضعف الحد الأدنى للأجور. ليست هذه هي الحكاية التي ظلت راسخة في ذهن السائق، بل إنه لطالما عاش حالة توتر من فرط المعاملة الجافة لمشغله الذي قال إنه كان يناديه بين الفينة والأخرى بلقب الحمار، ولا يتردد في إلصاق هذه الصفة القدحية به خاصة في حالة الغضب، «كلما ناداني بلقب الحمار واستجبت لطلبه جهرا وأنا أردد: واخا أخويا». انتبهت زوجة الوزير مرة لرد السائق، وطالبت زوجها بإخلاء سبيله لما لحق به من إهانة، لينتهي الارتباط ويتخلص السائق من قاموس مليء بالشتائم.