في كل المجتمعات يعتبر السائق الخاص عنوانا لرفاهية الأسرة، بل إن بعض النساء بالخصوص لا يترددن في الحديث عن شقاوة السائق الخاص، في إشارة واضحة إلى حالة الترف التي تعيش فيها الأسرة. غالبا ما يقتصر عمل السائق على تحركات رب الأسرة، أي المشغل، خاصة إذا كان السائق معارا من إحدى الإدارات العمومية، وهي الفئة المسيطرة في أوساط الوزراء والمدراء العامين والعمال، لكن مع مرور الوقت يمكن للسائق أن يتجاوز عتبة البيت إذا تمكن من نيل ثقة مشغليه بدءا برب الأسرة وانتهاء بآخر ابن في شجرة العائلة، مرورا بالزوجة التي تكون في الغالب صاحبة القرار النهائي في اختراق باب البيت أو البقاء خارج الأسوار وراء مقود السيارة. وعلى الرغم من حضور السائق الخصوصي والطباخ الخصوصي والطبيب الخصوصي والمحامي الخصوصي و.. و.. و.. في ثقافة الطبقة البورجوازية المغربية، فإن عدد السائقين المعتمدين لخدمة الأسر «الهاي كلاص» ضئيل مقارنة مع دول أخرى عربية، خاصة الخليجية التي تحطم رقما قياسيا في انتشار الظاهرة، حيث تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد السائقين الخاصين «غير السعوديين»، إذ بلغ عددهم في العام الماضي 264212 سائقا في المملكة، وتحتل الإمارات المرتبة الثانية، وأغلبهم ينحدر من الباكستان والهند وسيريلانكا وغيرها من دول آسيا الشرقية، بينما لا تتوفر وزارة التشغيل المغربية على العدد الحقيقي للسائقين الخصوصيين العاملين لدى الشخصيات المغربية، لأن نسبة كبيرة منهم تزاوج بين الخدمتين، الإدارية والعائلية. في المغرب تصر بعض العائلات على تصنيف السائق الخاص في خانة الحاشية والخدم، وغالبا ما تقدم مواصفات محددة لشغل هذا المنصب، مع اشتراط البشرة السوداء في ما يشبه العودة إلى زمن الرق والعبودية، وهناك عائلات عديدة تلجأ إلى سائق من الجالية الإفريقية. تتوسع شبكة علاقات السائق، فتصبح له مكانته الخاصة لدى العامة، فهو بالنسبة للكثيرين أكثر من مجرد سائق لشخصية نافذة، بل يتحول بقوة الوظيفة إلى شخصية لها وزنها، ومكانتها الاعتبارية التي تخول له التدخل لتشغيل العاطلين من أفراد أسرته والاستفادة من امتيازات عديدة قد لاتتوفر لسائق آخر تتجمد وضعيته الإدارية في أدنى سلالم الوظيفة في انتظار فرصة لنيل شرف قيادة سيارات عائلة رئيسه التي تعتبر في أوساط السائقين بمثابة «الكريمة» التي تبيض ذهبا. ليس كل السائقين الخصوصيين بمثابة خدم طيعين، بل هناك أشخاص تنتابهم بين الفينة والأخرى حالة التمرد ضد القوانين الداخلية للأسرة، ويرفضون الخلط اللغوي بين سائق الأسرة وخادمها. يقول سائق قضى فترة عابرة في خدمة أسرة كاتب دولة سابق إن التهمة الوحيدة القادرة على إبعاد السائق عن محيط الأسرة، تبدأ بشكاية كيدية من ربة البيت تشكك في تصرفات «الشيفور» تجاه نسوة البيت، حينها تنتصب إشارات المنع وتتغير لهجة المشغل.