مر المسلسل الانتخابي منذ انطلاقته في العام 1963 بعدة منعرجات، وعند كل منعرج كان للسلطة سلوك معين في تعاملها مع اللحظة الانتخابية، فمن لحظة كان فيها التزوير هو السلوك الغالب لدى الإدارة في تعاملها مع إرادة الناخبين، إلى مرحلة ثانية تميزت بما يصطلح عليه في لغة السياسيين بالحياد السلبي، وأخيرا مرحلة ثالثة طغى عليها محاباة رجال السلطة لجهة أو حزب معين لجعل ميزان القوى يميل لفائدة هذه الجهة أو تلك. بالنسبة للمرحلة الأولى، والتي يمكن القول إنها انطلقت مع أول انتخابات وانتهت تقريبا مع مجيء حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في سنة 1997، وهي فترة تميزت باستفحال الفساد والتزوير في الانتخابات على نطاق واسع، وكان للسلطة يد في ذلك، بحكم أن حالات التزوير، التي عرفتها المحطات الانتخابية من 1963 إلى سنة 1997، كانت حالات مبنية على إستراتيجية معينة تعمل على ضمان أغلبية برلمانية على المقاس، وعلى ضبط وتحديد المقاعد المخولة للمعارضة، باعتماد آليات تزوير مختلفة من تغيير نتائج الاقتراع في عدد من الدوائر الانتخابية، إلى مسطرة الإنزال التي تهدف إلى جمع عدد من الناخبين وتوجيههم إلى مكاتب التصويت، ثم مضايقة سير أعمال التصويت في بعض مكاتب التصويت، بالإضافة إلى منع مراقبين محايدين أو تابعين للأحزاب السياسية المشاركة من الدخول إلى مكاتب التصويت للإشراف على السير العادي للتصويت، وأخيرا الضغط على المواطنين أو تحفيزهم للتصويت على مرشحين معينين . وبتولي حكومة اليوسفي تدبير الشؤون العامة للبلاد، استمر تورط الإدارة في تزوير الانتخابات، لكن هذه المرة بانتهاج طريقة مغايرة عن سابقتها، فكفت عن التدخل المباشر في العملية الانتخابية واكتفت بما يعرف بالحياد السلبي، أي ترك الانتخابات تحت رحمة تأثير المال وضغط اللوبيات، فلم يعد الحديث عن تدخل سافر ومباشر للدولة كما كان في السابق، بل تكتفي الدولة عبر أجهزتها بالحضور لضمان سير عملية الانتخابات. لكن، كل هذه الممارسات التي شابت مسار الانتخابات جعلتها تفقد الكثير من مصداقيتها لدى المواطنين، الذين سئموا من الاستمرار في رهن حاضرهم ومستقبلهم على لعبة خاسرة محسومة سلفا، فجاءت الانتخابات التشريعية لسنة 2007، لتدق ناقوس الخطر، بعدما وصلت نسبة العزوف، أعلى مستوياتها، نتج عنه تراجع خطيرمس سمعة الأحزاب السياسية . وفي ظل هذا الوضع السياسي ، الذي تميز بتبخيس السياسة والسياسيين، سيزدان المشهد الحزبي بكيان جديد، أطلقت عليه بعض الأحزاب آنذاك اسم «الوافد الجديد»، وهو حزب الأصالة والمعاصرة، وبمجيء هذا الحزب، غيرت السلطة من أساليبها القديمة ولجأت إلى أسلوب المحاباة، ومن هنا عاد الفساد الانتخابي والتلاعب بأصوات وضمائر المواطنين، لدرجة جعلت العديد من الأحزاب السياسية تدق ناقوس الخطر، بل وذهبت إلى درجة اتهامها لبعض الولاة والعمال بالتدخل في نتائج الانتخابات لصالح الحزب في العديد من الدوائر الانتخابية ، وترتب عنها حلوله في المرتبة الأولى في أول انتخابات يخوضها بعد أقل من سنة من تأسيسه وهوما دفع العديد من المراقبين إلى اعتبار أن الشروط الموضوعية التي جرت فيها انتخابات 12 يونيو 2009 لا تختلف عن الشروط التي كانت تجري فيها الانتخابات في المحطات السابقة.