لا أرض في يوم الأرض، ولا فلسطين في الفلسطين، ولا أفق يتراءى لتلك التي غنى لها المغنون وصدح الصارخون بالشعارات. لا أعرف كم مظاهرة خرجت فيها مع فلسطين. لا أدري بالتحديد، لأنني خرجت عشرات المرات. في الجامعة كنت أتحين فرص الصراخ بقوة "فلسطين عربية..سحقا سحقا للرجعية". "والله وشفتك يا علمي". بعد كل مظاهرة كانت بحة الصوت دليلا على النضال، نفخر بها ونقول لأنفسنا "أدينا الواجب وزيادة". ننام في الليل في أحضان أمهاتنا، وحين نسمع أن إسرائيل قصفت غزة من جديد أو أي شبر من تراب فلسطين نهب غاضبين، نرتدي الأحذية الرياضية لأننا نعرف أن قوات الأمن ستجري وراءنا، ثم نحتمي في مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قرب سينما ومسرح الريجان بمكناس ذلك الذي لم يعد الآن. صرخنا وصرخنا وصرخنا، وفي الأمسيات النضالية رفعنا شارات النصر باسمين، ومتأثرين. تحدثنا للصديقات عن كل الحروب التي لم نخضها وخاضها الفلسطينيون عوضا عنا. حكينا حصار بيروت بالتفاصيل، وأغلبنا لم يسبق له أن غادر مدينته أو قريته وأحيانا حيه الصغير. عرفات وأبو جهاد وبقية المناضلين، ثم ناجي العلي وكل القتلة والكاريكاتير حكايات الموساد، وقصص الجواسيس ورأفت الهجان في الطريق، وأحمد ياسين فيما بعد حين خرجت فلسطين عن الطريق ولم تعد قضية قومية بل أضحت دينية لها أتباع من الضفتين الغربية هنا والقطاع هناك. ..بقية الشهداء والساقطين في الطريق : الرنتيسي والإبعاد خارج الأرض، حكايا القصص والمجلات الصقيلة القادمة من لندن وباريس تروي لنا ونحن في العمر الأول أساطير النضال وتعدنا أن القدس ستعود. فيروز تغني ودرويش يكتب الأشعار، ثم يستكين الرجل في ظله العالي حين سيفهم المقلب الكبير، وسيعرف أن العرب اخترعوا الفلسطينيين لكي يجدوا شعبا يموت ويغنوا هم من أجله الأناشيد.. هرب القلب من درويش يوما ومات. استسلم لتعاسته الأبدية، وليأسه من القوم الذين وجد نفسه بينهم. لطالما قالوا له إنه يطبع مع اليهود كل مرة مد فيها يده إلى السلام، تماما مثلما لم تخجل أمة المخصيين هاته من تخوين رجل مثل ياسر عرفات وتشويه صورته واتهامه بكل الأوصاف فقط حين مات - الله أعلم كيف- استعاد في نظرها براءته الثورية، وأصبح الشهيد القائد بعد أن كان إعلام الظلام يتبارى في وصفه بكل الأوصاف السيئة. حيفا أولا، أو غزة ثانيا، أو يافا والخليل أو بقية الترهات. اليوم هناك حكاية أخرى صغيرة للغاية في الأرض تقول إن اليمين الإسرائيلي ماض في طريقه نحو تثبيت الدولة اليهودية. وهناك حكاية أخرى أكثر إيلاما تقول إن الدولة الفلسطينية هي مشروع لم يعد مطروحا على أي أجندة عالمية كيفما كان نوعها. إنتهى. بح. c fini. the end"سالينا" مثلما يقول المغاربة في دارجتهم. لا فلسطين في الأفق. احتفلوا بيوم الأرض أو احتفلوا بيوم السماء. أنتم أمة أبدعت الشعارات فقط، وصنعت لكي تكون الكلام. أنتم الصوت ورجع الصدى وظواهر الكلام المنفعلة التي لا تستطيع القيام بشيء للعنة عدة كلمات تعبر عنها، لكن تعبيرها الأفظع هو حين ينهض الرجل هاربا من قرب مهرته لأنه يعرف ألا سلاح لديه يواجه به المشاق. (كيف تنظر في عيني امرأة أنت لاتستطيع حمايتها؟ كيف تصبح فارسها في الغرام؟) ألم يقلها لكم الميت قبل الوقت - يأسا منكم - أمل وهو يصرخ "لاتصالح"؟ بلى قالها، وهذا الشعب العنين أنتج في النهاية خيانة الروح الكبيرة له، ودفع الجميع إلى امتشاق من يقول في الأغاني إنها معشوقته لأنه لايستطيع امتشاق شيء. هذه السنة لم أحتفل بيوم الأرض، لأنه لاشيء يستحق الاحتفال. صراخي أتركه لي حين أغضب من أجل مسائلي الصغيرة التافهة، أما فلسطين فلم نكن أبدا لها أي عون. كنا فقط أداة انتهاء منها وقتل، وقد كان. أيها الكذبة، يا أتباع ثورة الفاتح من أبريل العظيم...كل يوم أرض وأنتم تصرخون.. المختار لغزيوي