على بعد أسابيع قليلة من ضربة البداية لأول مقابلة في كرة القدم ضمن كأس العالم بجنوب إفريقيا، لم يتسرب إلى حدود اليوم ولو خبر واحد يتيم على الطريقة التي سيتعامل بها تلفزيوننا العمومي مع الفرجة الكروية الأولى في العالم. ولم ينبس أحد من القائمين علي هذا التلفزيون المسكين ولو ببنت شفة إن كان المغاربة سيتابعون مجريات الكرة العالمية عبر شاشتهم ذات الدفع المسبق أم أن هذا التلفزيون سيترك للمغاربة، كالعادة، مجال تقرير الكيفية التي سيبحثون من خلالها عن متابعة فرقهم المفضلة التي ستؤثث فضاء الملاعب الجنوب إفريقية. إنه فعلا لمثير أمر تلفزيوننا الوطني. ووجه الإثارة فيه هو أنه يجد نفسه مع اقتراب مثل هذه الاستحقاقات الرياضية القارية والعالمية المهمة يلعب لعبة النعامة التي تخفي رأسها في الرمال خشية ضربات موجعة، مفضلا أن يسلك نهج القول المأثور كم من حاجة قضيناها بتركها. وكانت الجريدة أفردت مقالا لموضوع النقل التلفزيوني لكأس العالم. وكانت زاوية المقال تصب في التعلميات التي يمكن أنها صدرت عن جهات عليا موجهة إلى مسؤولي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة كي يتمكن المواطن المغربي من متابعة مباريات كأس العالم. هذه الجهات الرفيعة التي أصدرت تعليماتها للبحث عن حلول بديلة للتفاوض مع القناة القطرية الجزيرة الرياضية بعد أن وصل التفاوض إلى الباب المسدود. وآخر ما استجد في هذا الباب مسألة تدخل بعض الخليجيين للتوسط لتمكين المغاربة من متابعة مقابلات الكأس العالمية أرضيا. ورغم الصحة التي قد تحملها مثل هذه الأخبار، إلا أن شيئا رسميا لم يؤكد لا بالنفي ولا بالتأكيد، ليظل المواطن يترقب حتى آخر لحظة ما ستسفر عنه المفاوضات السرية للوصول للصيغة المثلى لتمكين المواطن المغربي من حضور نهائيات كأس العالم افتراضيا عبر التلفزيون. فبعد أن لم نحقق حلم الملايين في الوصول إلى المراحل النهائية أرفع تظاهرة كروية عالمية، وبعد أن بخر منتخبنا كل الآمال في الوصول لأخذ مكانه ضمن الكبار في اللعبة عالميا، يبدو أن مشاكلنا مع هذا المونديال لم نتنه ولن تنتهي حتى صافرة آخر لقاء ضمن المباريات الأربع وستين المبرمجة. مرد هذه المشاكل وبعد أن فقدنا ذلك الحماس الوطني الذي ينتاب كل فرد يحب منتخبه، هي أن حتى أمر مشاهدة لقاءات الفرق الكبرى التي وصلت النهائيات قد يصبح هو كذلك في خبر كان، ليتكرر معه السيناريو الذي عشناه مع منافسات كأس إفريقيا مؤخرا. حين أصبحنا كالمساطيل نبحث في كل مكان بين الفضائيات علنا نعثر على قناة تبث المقابلات، خاصة بعد التعنت الذي أبانت عنه بكثير من العجرفة التجارية مجموعة قنوات الجزيرة الرياضية المحتكرة والمالكة لحقوق البث التلفزيوني لبطولة أمم إفريقيا، على الرغم أن لا علاقة لها لا من بعيد أو قريب بقارتنا السمراء اللهم الحس التجاري والرغبة في توسيع هامش أرقام ربحها المادي. وها هي الجزيرة اللطيفة تطل علينا برأسها من جديد. رأس الجلاد المتربص بجيوب الملايين من المغاربة كي تبتزهم وتستل دراهم إضافية لما اعتادوا تأديته. وقد يكون موقف الجزيرة الرياضية سليم ولا يحمل أي تحامل على المواطن المستضعف تلفزيونيا والمتعطش للكرة أكثر من أي مسؤولي جزيري (من الجزيرة). وإذا كان موقف الجزيرة الرياضية في هذا الباب سليما ومنطقيا، بحمولة تجارية صرفة، فإن الذي لا يستساغ هو موقف تلفزيوننا اللطيف هو أيضا والذي يأبى وعلى بعد أيام معدودات نهج سياسة الهروب إلى الأمام وتركنا في حيص بيص من أمرنا دون أن يكلف نفسه عناء إخبارنا بآخر ما قد يكون وصله في مسلسل المفاوضات مع مالكي الحقوق لتمكيننا من الاستمتاع بأشواط الكرة العالمية في جنوب إفريقيا التي سرقت منا حلم وشرف تنظيم هذا العرس الكروي العالمي لأول مرة في القارة السمراء. مسألة أخيرة، تستحق الإشارة إليها، وقد تكون بمثابة طوق النجاة الفرجوية لكأس العالم، هو الخبر الذي زفه الصحافي دافيد بوجاداس خلال نشرة الثامنة ليلا على قناة فرانس 2 العمومية الفرنسية، الخبر يقول بأن قنوات فرانس تلفزيون العمومية المبثوثة من دون تشفير ستنقل مباريات كأس العالم مباشرة من جنوب إفريقيا على شاشاتها. وهذه الخطوة ستكون ملاذا آخر للجمهور المغربي كي يتابع هذا العرس بعيدا عن غطرسة الجزيرة الرياضية، وقلة حيلة تلفزيوننا العمومي العزيز.