فضل التحلل من صفته الرسمية كمدير لدار الحديث الحسنية قبل أن يعلن موقفه من إشكالية الإجهاض. أحمد الخمليشي نأى عن إقحام المؤسسة الرسمية، التي يديرها وهو يخوض زوال أمس الإثنين 16 مارس 2015في الموضوع الجدلي الراهن، والذي عرف في ظرف أقل من أسبوع تنظيم ندوتين حوله، الأولى دعت إليها وزارة الصحة الأربعاء 11 مارس 2015، وشارك فيها مجموعة كبيرة من المتدخلين من مختلف المشارب والتوجهات والتخصصات، والثانية دعت إليها الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، وشارك فيها مجموعة كبيرة من الحقوقيين والسياسيين والخبراء الصحيين والقانونين، الذين احتضنت المكتبة الوطنية نقاشاتهم وتدخلاتهم. أحمد الخمليشي، أوضح في بداية تدخله :" لست مفتيا، ولا أقول بالإفتاء، وأنا هنا أتحدث بوصفي مسلما مثلي مثلكم، أريد فهم النصوص الدينية، وأدلي برأي وفق ما أفهمه من النصوص الدينية . فالدين أرفع من أن ينطق به أي فرد من الأفراد" . وزاد الخمليشي ، والقاعة قد هدأت فجأة بمجرد استرساله في الكلام وخفت الهمس والوشوشات، التي ظلت تشوش على أشغال الندوة في السابقات من المداخلات، :"إننا لا نجد نصا صريحا في القرآن أو في الحديث يقول بتحريم الإجهاض أو بإباحته.. كل ما هنالك هي نصوص عامة مثل :"ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم " (الآية 31 من سورة الإسراء)، أو "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" (الآية الآية 151من سورة الأنعام)أو"ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" (الآية 151سورة الأنعام).. ومقابل هذه النصوص العامة نجد اختلافات في التفسير مما يترتب عنه مواقف متباينة تتمثل في المتشددة في التضييق والمييسرة للأحكام". لكن أحمد الخمليشي، حبس أنفاس القاعة حينما قال بوضوح تام أن كافة المواقف المذهبية من الإجهاض، سيما المتشددة منها، لابد من اعتبارها متجاوزة بالنظر إلى أنها تهم سياقات سوسيوثقافية مختلفة عن السياق السوسيوثقافي الراهن. وقال :"الحياة في العصور السابقة كانتْ مختلفة، فالفقهاء آنذاك كانوا يتحدّثون عن الإجهاض في إطار العلاقات الزوجيّة، ولم تكنْ هناك حالات الأمهات العازبات على نحو ما هو موجود اليوم، وإن كان هناك زنا، ولكنّ طبيعة الحياة المجتمعية وقتذاك كانتْ تغطّي على هذا الجانب". وزاد أحمد الخمليشي بنبرة انتقاد حادة :"نحنُ اليوم نوجد أمام وضع آخر أمام الأجنة التي تأتي خارج إطار الزواج أو التي نضعها قسرا خارج هذا الإطار في ما يهم الزيجات الشرعية لكنها غير الموثقة والتي بسببها نحرم المولودين في إطارها من حق النسب،فضلا عن حالات التغرير أو الوعد بالزواج.. كل هذا يجعلنا نعنى بالجنين في طور التكوين لكننا نهمله لما يولد لأنه لا يُنسب إلى والده وهذا ظلم كبير.. نعم هو ظلم كبير. هذا ما يقوله الفقه القديم وما يتم إعماله راهنا بالرغم من وجود مواقف معاكسة منها تلك الخاصة بعمر ابن الخطاب وعلي ابن أبي طالب في ما يتصل بحجية الانتساب". وهو يواصل مداخلته، التي لقيت الصدى الكبير عند الحاضرين في القاعة، دعا أحمد الخمليشي إلى مقاربة الإجهاض، الذي قال إنه مشكل اجتماعي قبل أن يكون دينيا أو طبيا، مقاربة حقوقية في ارتباطها بحقوق الطفل وهويته،حيث أكد أن "فقدان هوية الطفل يؤدي إلى الإجهاض" وأوضح أن العناية بالجنين أو مقدمة وجود الجنين لا بد من أن توازيها العناية به بعد الولادة عبر حماية هويته وأصوله وحقه في الانتساب والحصول على نسب والده. ولم يفوت الفرصة دون أن يلفت الانتباه إلى أن الإجهاض هو في نهاية المطاف نتيجة سوسيواقتصادية بالنظر إلى أن اللجوء إليه يفرضه الفقر والجهل وعدم الوعي عند الأمهات . فطومة النعيمي