بنبرة ملؤها الأسى والإحساس بالمرارة تحدث المبدع المغربي عبد اللطيف اللعبي عشية الأحد بقاعة حيفا بالمعرض الدولي للكتاب عن الوضع الثقافي اليوم بالمغرب. ولم يخف صاحب "قاع الخابية"، الذي حاوره الناقد شرف الدين ماجدولين، ألمه وحزنه من فقدان المثقفين المغاربة للحس الجماعي في العمل من أجل التغيير حيث صار كل مثقف منكمشا على نفسه غارقا في "وحدانية قاتلة". وأوضح اللعبي أن الثقافة فقدت تلك الروح الجماعية الوهاجة التي ميزتها في أزمنة الرصاص، وقت كان المثقفون يلتئمون بصدق حول أفكار التغيير ويقودون حركة ثقافية تنطلق من صلب المجتمع وتستهدف بناه العتيقة وأشكال السلطوية الباسطة نفوذها عليه، مسكونين ومدفوعين بشعلة الحلم مؤمنين بعدالته. وبين صاحب "الشمس تحتضر" كيف عبثت ما وصفها ب"سوسة الفلوس" بروح الثقافة وغدت معها قيم المنفعة هي الغالبة في مجال يعادي في عمقه وبطبيعته قيم البراغماتية. وقال اللعبي إن الثقافة تحولت إلى ما يشبه المهنة ولم تعد سليلة الأحلام العنيدة، وإن المثقف المغربي أمسى مهتما فقط ب"مشواره" الشخصي البحت طارحا عنه تلك الحرقة التي ميزته في السابق، ومديرا ظهره لكل عمل جماعي يقود إلى تغيير الأوضاع. وأعطى مثالا بعدم استجابة المثقفين المغاربة لمجموعة من المبادرات الجماعية، التي أطلقها، ومن جملتها الميثاق الوطني للثقافة، الذي وقعه 500 مثقف ولم يتعد رمزية التوقيع لخلق حركة ثقافية مؤثرة تروم التغيير لا الوقوف عند حد الإصلاح. اللعبي أسر أنه بفضل هذه المبادرات تعرض لضربات شخصية قوية، بيد أنه لم ينزل يديه بل واصل صموده في خندق الحلم بالعناد الذي يميزه. وارتأى أن يوجه رسالته "مغرب آخر" إلى الأجيال الصاعدة، التي تشكل أمله في التغيير، مؤكدا أن رموز هذه البلاد إذا ما "دخلوا سوق جواهم" بتعبيره، فإن موقفهم هذا ينعكس بالسلب على هذه الأجيال. وتوقف صاحب "تجاعيد الأسد" عند مفهوم العروبة، الذي لم يعد متداولا اليوم مبديا ألمه من هذا الغياب ومعتبرا أنه، هو الذي يكتب باللغة الفرنسية، يرى في العروبة عمقا لا يرتبط بالماضي فحسب بل بالمستقبل أساسا، وأي تخل عنه هو سلخ لمكون جوهري في الهوية. واعتبر أن التشبث بهذا العمق فيه إغناء لباقي المكونات الأخرى وفي طليعتها الأمازيغية. واعتبر عبد اللطيف اللعبي أن "الكاتب في هذا البلد يتيم" وأن المسؤولين السياسيين "ما عندهم سوق في الثقافة"، التي تبدو غريبة عنهم، بل يتحملون بالكاد المثقفين والمبدعين بعدما كانوا في السابق يرون فيهم مصدر إزعاج. وقال إن هذا الوضع الهامشي يضمن للمثقف على الأقل حريته. ورأى صاحب "يوميات القلعة" أن الغلبة صارت للراوية اليوم فيما تنحى الشعر جانب وغدا ثانويا فقط. ولم يفته في معرض بوحه الإفصاح عن تعاطيه في الأعوام الأخيرة للرسم، الذي عثر فيه على مشاعر جديدة لم تمنحها له من قبل تجربته الأدبية، مستجيبا لرغبات دفينة. يذكر أن اللعبي حمل على الميزانية الضخمة التي تصرف في بعض المهرجانات، وخص بالذكر مهرجان موازين، مرتئيا أنه كان من الأجدى أن تصرف فيما يعود بالنفع، قبل أن يقول أنه ليس له أي مشكل مع هذا المهرجان، الذي يمكن فيه على الأقل رؤية الرجال والنساء يرقصون في فضاء واحد بدون حرج. عبد العالي الدمياني