" بلغت السبعين ، ولم ألتق جمهور آسفي إلا الآن، وذلك يشعرني بتأثر شديد وسعادة في الوقت نفسه " ، بهذه العبارة البليغة استهل الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي لقاءه المفتوح مع الجمهور الثقافي بمدينة آسفي، ليلة الأربعاء 26 من أكتوبر2011،الذي سيره بلغة موغلة في الحلم الشاعر عبدالحق ميفراني، وتأثر صاحب قاع الخابية راجع إلى تذكره لذلك المفهوم الاستعماري، الذي قسم، وفق المنطق البراغماتي الكولونيالي، المغرب إلى نافع وغير نافع، وأن آسفي صنفت ضمن الثاني طويلا، كما صنفت كثير من المدن المغربية، مما حرمها من البنيات التحتية الضرورية، ومنها البنيات الثقافية. الثقافة في المغرب ومفهوم المثقف أكد الشاعر عبداللطيف اللعبي أن الثقافة في المغرب، تحتل أدنى درجات الاهتمام، ودليل ذلك، أن وزارة الثقافة لا يلتفت إليها وتصنف ك" أتفه " وزارة من حيث الاعتمادات المالية المخصصة لها، إضافة إلى غياب التصورات العميقة لدور الثقافة والمشاريع الثقافية الاستشرافية، بل وتعمد الإقصاء أحيانا حيث إن المسؤولين في البلاد يتوجسون خيفة من الثقافة، لأن رؤاهم تحكمها توازنات معينة أخرى ليست الثقافة جزءا منها،وهو ما يعني غياب الاعتراف بالثقافة والمثقفين وتكريمهم،قائلا بأن كل الجوائز التي نالها شخصيا قدمت له من منابر أجنبية، مشددا على أنه حتى لو قدمت له جوائز في بلاده فإنه سيرفضها لأنها " ليست في المستوى الأخلاقي المطلوب"، وانتقد بشدة تحول دور الثقافة إلى مجرد جدران بلا مضمون حقيقي وإنتاجية معتبرة، في ظل تغييب المثقفين أصحاب التصورات المنتجة عن تسييرها. ضمن هذه الشروط الثقافية المربكة لا بد للمثقف، يقول اللعبي، أن يمتلك موقفا، على الأقل بوصفه مثقفا/ مواطنا له حق التعبير عن المتغيرات التي تشهدها بلاده ووجهة نظر حول مشاكله،وهو دور مستوجب عند المثقف في دول العالم الثالث قياسا إلى الدول المتقدمة خاصة مع شيوع ثقافة بيع الضمائر، ونبه اللعبي إلى ضرورة تغيير التصورات المخطئة عن مفهوم المثقف، الذي ارتبط بعدد محدود من الكتاب ذوي الانتاجات الإبداعية والفكرية، مشيرا إلى تقليدية هذا المفهوم، ومصححا أن كل من يتملك خبرة وأسئلة محرقة عن واقعه هو مثقف بالضرورة فمفهوم المثقف الآن يحتاج بدوره إلى دمقرطة، مستشهدا بعمق الأسئلة التي طرحها الحضور بآسفي وافتتاحيات بعض الصحفيين في المنابر الوطنية. عبداللطيف اللعبي : إنسانا وشاعرا لامست أمسية المقهى الأدبي، جوانب من حياة عبداللطيف اللعبي، النضال في منظمة إلى الأمام والثقافة ممثلة في تجربة مجلة أنفاس 1966، والشاعر الذي يكتب قصائد يتقاسم عبرها المحبة مع الآخرين، وهو شعر تسرب إليه عن طريق اللغة ذات طفولة، لغة الوالدة (غيثة) الخارقة في تشكيلاتها حتى في السباب ( يقول مازحا )، وهي التي كانت تمتلك وعيا فطريا بحقوقها، والأب إدريس الذي حكى عنه في رواية ( قاع الخابية). مرجعا الفضل لهما: هما الأميان البسيطان في هذا تكوين هذا الرجل الذي يجوب العالم، سلوكا والتزاما. وكان الحضور في تمفصلات اللقاء يستمتع كل مرة بقصائد الشاعر الحالمة، والعبقة بالتأملات الوجودية، وبالصبابة، والأيروس حيث (فواكه الجسد)، وحيث (يعد الخريف) بكتابة الحياة. وعلى شاكلة راينر ماريا ريلكه وماريو فارغاس يوسا، قرأ بعضا من نصائح موجهة بلغة شاعرية لشاعر/مبدع ناشئ، والمضمنة في كتابه ( القراءة العاشقة)، مشيدا في الأخير بقيمة اللقاء ومستواه وعمقه.