أمام نوازل متعددة لأفعال ينفر منها العرف والشرع والقانون، تجتمع تحت مسمى واحد يصطلح عليه بالجرائم الجنسية، يحاول الأستاذ يوسف حنانة، في الحوار التالي، الوقوف على بعض الصعوبات في التعامل مع هذه الجرائم، انطلاقا من إشكالية تعريفها تبعا لكل ثقافة، وصولا إلى استشراف تصور حول إمكانية الحد منها. * كيف تعرف الجريمة الجنسية؟ **هناك اختلاف في تعريف هذه الجريمة تبعا لاختلاف الثقافات، إذ لا يمكن أن نجد توافقا حول هذه الجريمة بين الثقافات، مثلا في إطار الثقافة الغربية يمكننا أن نتحدث عن اغتصاب الزوج لزوجته كجريمة جنسية، لكن في الثقافة العربية الإسلامية لا يمكننا الحديث عن هذه الممارسة كجريمة لاعتقاد الزوج العربي أنه يمتلك زوجته وبالتالي له كامل الحق في التعامل معها بالطريقة التي تحلو. لكن على العموم يمكن القول إن الجريمة الجنسية هي كل جريمة مارسها طرف أو مجموعة من الأطراف على طرف آخر، وهي تحمل طبيعة جنسية، في حين تكون هذه الجريمة غير مقبولة من الشرع والقانون والأعراف المتداولة. لو أعطينا أمثلة أخرى كاللواط والسحاق، نجد أن بعض المجتمعات تعتبر هذه الممارسات تدخل في إطار الحريات الشخصية، وحق الفرد في ممارسة ما يخوله له المجتمع، في حين نجد مجتمعات أخرى تصنفه داخل خانة الجريمة الجنسية، لكن إذا أقيمت علاقة جنسية بين طرفين عن طريق القهر، فهي جريمة جنسية وفقا للأعراف. * هل ينظر إلى الجرائم الجنسية بنفس المنظار أم هناك نوع من التفاوت في التعامل مع كل جريمة على حدة؟ **لا يمكن النظر إلبها بنفس المنظار، لأنها تتفاوت من حيث قوتها، فهناك جرائم يتفق الجميع على استنكارها وفقا لمعايير أخلاقية وقانونية واجتماعية، بينما هناك جرائم يتم غض الطرف وتأويل بعض أطرافها، إذ تعتبر الإنسان حرا في ممارسة كل ما يشاء داخل مجتمعه. يندرج في هذا الإطار الحق في اللواط والسحاق والحق في بعض العادات الشاذة والمتطرفة، وهناك تشريعات أدخلت هذه الممارسات في إطار منظومتها القانونية. بالمقابل نجد أن المجتمع العربي ينظر للحرية باعتبارها حرية مسؤولة، لذا فكل خرق لهذه الأعراف والقيم والمعايير يعتبر خروجا عن القانون، وبالتالي يجرمه ذلك القانون، لذا فالجرائم ليست سواء، وإنما تتفاوت حسب نظرة المجتمع والقيم السائدة والمنظومة الأخلاقية. * هل يمكن اعتبار مرتكب هذه الجريمة شخصا سويا وفي أحيان أخرى شخصا مريضا؟ ** من الناحية النفسية كل مرتكب للجرائم الجنسية، ويمارسها بطريقة أو أخرى يعتبر شخصا غير سوي، لأنه لا وجود لشخص سوي يقبل على ممارسات يرفضها العرف والقانون والشرائع والأعراف السائدة، لأن السوي هو الذي يمارس ما تسمح به الأعراف السائدة والشرائع والقانون، وينضبط بضوابط المجتمع و قيمه ومعاييره الأخلاقية، وما عداه يعتبر سلوكا شاذا. لذا فالجريمة الجنسية إذا ما حصلت مع سبق الإصرار والترصد من طرف شخص فإنه يعتبر غير سوي، به خلل سيكولوجي. * هل يمكن اعتبار هذا الشخص غير السوي إفرازا للمجتمع الذي ينتمي إليه؟ ** قضية الشذوذ و عدم السواء لا يعتبر المجتمع وحده مسؤولا عنها، بل هناك أسباب أخرى مسؤولة، فما هو وراثي يعتبر طرفا، والتركيبة السيكولوجية تعتبر طرفا، هناك أيضا عوامل التربية، والعادات، والتقاليد، والسلوكات الإعتيادية التي ينشأ خلالها الفرد في المجتمع، أو داخل أسرة، بيت، وحي، أو حومة وشارع معينين. هذه العوامل مجتمعة تساهم في خلق أناس شاذين بكيفية أو بأخرى مما يؤدي إلى ظهور الجريمة الجنسية، نتيجة لمجموعة من العوامل سواء منها الفردية، أو الإجتماعية أو الوسطية التي ينتمي إليها الفرد. * إذن يمكن الحديث عن أسباب معينة تؤدي إلى بروز هذه العينة؟ ** علم نفس الجريمة حينما يحاول أن يشرح ويحلل هذه الظاهرة، يعزي الأمر إلى عوامل سيكولوجية، فردية، متعلقة بتركيبة الإنسان، وهناك بعض العلماء قالوا بوجود جينات يحملها الفرد قد تحمل خصائص وراثية تكون مائلة بطبعها إلى الجريمة. هناك أيضا عامل التربية، لأن المجتمع الذي يربي أفراده بكيفية غير منفتحة على ثقافة وتربية جنسيتين، قد يولد بطريقة غير مباشرة هذا النوع من السلوك الجنسي العدواني و الشاذ، إذ أن التربية عنصر مهم بالإضافة إلى عامل المجتمع. أخيرا، نجد نظرة المجتمع للمسألة الجنسية عموما، إذ يمكن لنظرة المجتمع أن تكون منفتحة أو منغلقة، والخوف كل الخوف من المجتمع الذي يمتلك نظرة جنسية منغلقة، تنشأ من خلالها العلاقة بين الذكر والأنثى على اعتبار أن هناك مخاوف متبادلة بين الطرفين، مبنية على الحذر، مما ينتج عنه سلوك شاذ غير مقبول من طرف المجتمع. إذن فالشذوذ بصفة عامة إذا ما أخذ صفة الجريمة، فإنه لا يمكن حصر أسبابه و عوامله في عنصر دون آخر، بل ينبغي النظر إليه بتلك النظرة النسقية المتكاملة. * أشرت إلى العامل التربوي والجيني، هل يمكننا في هذه الحالة أن نعتبر الجاني ضحية؟ ** قضية الضحية، لا يمكن الجزم فيها لإختلاف المرجعيات والمدارس، إذ يمكن اعتبار الجاني إفرازا لعوامل معينة، لكن أن ترتقي بهذه النفسية لمستوى الضحية سيصبح التمييز بين الجاني والمجني عليه غير موجود، فكل جاني سيعتبر مجنيا عليه، سواء من طرف الدولة أو المجتمع... بالتالي المسطرة القانونية ستأخذها رأفة بالجميع، ليسري القانون في مجتمع لا يميز بين الجاني والمجني عليه. بينما النظرة الواقعية لا تنظر للعوامل باعتبارها الفيصل، إنما تنظر للأعمال. حقيقة هناك قسط من المسؤولية يتحمله المجتمع والأسرة والجانب الوراثي، لكن هذا لا يعني أن المسؤولية غير موجودة لدى الجاني حين يقبل على ارتكاب جريمة جنسية، بل إن المسؤولية موجودة، لذا يعتبر مسؤولا ويحاكم على أفعاله قانونيا و أخلاقيا في المجتمع، لأن تبني نظرة الرحمة لن يؤدي إلى تفادي هذا النوع من الجرائم الجنسية. * هل يمكن الحديث عن بعض الحلول للحد من هذه الجرائم؟ ** قضية الحلول هي قضية نسقية، لا يمكن التماسها في إطار ضيق، إذا أردنا تجاوز هذه الجرائم فيجب إشاعة ثقافة التربية الجنسية، من حيث طبيعتها العلمية، أحداثها، وغاياتها الكونية لدى الأطفال والمراهقين والشباب، ولابد أن يكون هناك انفتاح على الطرف الآخر، والمكونات الجنسية الأخرى، ومعرفة الأهداف والغايات التي تنتج عن الممارسة الجنسية، سواء فيزيولوجيا أو بيولوجيا، وحتى اجتماعيا وإنسانيا بصفة عامة. إضافة إلى وجود ثقافة المسؤولية، وأن لا ننظر للحرية على أنها شكل من أشكال الفوضى من خلال تلبية نزوات الشخص بأي شكل، وإن كان على حساب تجاوز الآخر أو الإعتداء عليه. دون أن ننسى مسألة التحصين الأخلاقي للمارسات الجنسية، لأنها تحمل تطمينا للإقلال من الظواهر الشاذة. حاورته سكينة بنزين باحث في الثقافة المغربية والأنتروبولوجيا