مريرت: الأحداث المغربية لم تندمل بعد آثار التعنيف على أجساد نساء قبيلة إغرم أوسار البعيدة عن مريرت بحوالي سبع كيلومترات، فالكدمات والزرقة المشوبة بالاحمرار، لازالت مطبوعة على مناطق متفرقة من أجسامهن. التعنيف الذي جاء على إثر تدخل القوات العمومية صباح يوم الجمعة الأخير 26 غشت كان الهدف منه فك الاعتصام، الذي تخوضه ساكنة إغرم أوسار وسط الطريق المؤدية من المنجم إلى مريرت من أجل مطالب يعتبرونها مشروعة. على بعد حوالي سبع كيلومترات من مريرت، تقع قبيلة إغرم أوسار. تحسب إداريا على جماعة لحمام . بيوت الأهالي مشيدة بالطين، ومتباعدة عن بعضها بمسافات طويلة. باستثناء الطريق الموصلة إلى المنجم، تفتقر البلدة لكل التجهيزات الأساسية: فالماء الصالح للشرب منعدم. والكهرباء غير معمم على كل البيوت، إذ لايزال حوالي اثنى عشر مسكنا بدون إنارة. وسط الدوار تنتصب مدرسة بدون صور، عبار عن قسم ومطعم من البناء المفكك مسقفة بالقصدير. وبمحاداتهما مسجد، وحنفية ماؤها غير صالح للشرب، وبمدخل القرية مدرسة أخرى من أربعة أقسام. عند وصولنا إلى القرية شاهدنا بعض المواطنين يقطعون مسافة كيلومترات على الدواب محملين بقنينات بلاستيكية فارغة، من أجل جلب ماء الشرب. فيما بعض قطعان الماشية من أبقار عجاف وخرفان ترعى في مراعي خالية من الكلأ، وتشرب من مجرى ملوث قادم من المنجم تغسل فيه المعادن. يغلب على البلدة مرتفعات أعلاها 1500متر. تكسوها حشائش يابسة، خالية من الأشجار، باستثناء بعض شجيرات التين الهيندي تسيج بيوت الأهالي المتناثرة . السكون الذي يخيم على المكان لاتكسره سوى محركات المنجم . هذا الأخير يقع بمدخل القرية بجواره تتكدس جبال من الأتربة السوداء، التي استخرجتها سواعد العمال . المنجم يشتغل بمحركين : الأول يصعد المناجم والثاني ينزل منه العمال إلى باطن الأرض مسافة 800و1200متر، للبحث عن المناجم في ظروف محفوفة بالمخاطر. بنفس البلدة يوجد منجم سيدي احمد، وعلى بعد حوالي كيلومترين منهما، يوجد منجم جبل عوام الشهير. اعتصام وسط الطريق وتدخل القوة العمومية يوم 24 غشت الأخير، قرر سكان القبيلة الدخول في اعتصام في الطريق المؤدية إلى مريرت لعرقلة خروج آليات الشركة المنجمية تويسيت من منجم إغرم أوسارحتى تتحقق مطالبهم، وفي اليوم الموالي حضرت السلطات لعين المكان، ودخلت مع ممثلي المعتصمين في حوار بمقر المسجد، حضره رئيس الدائرة وقائدة قيادة لحمام. وأفراد من الدرك الملكي، وخرج الاجتماع، على حد تعبيرهم، ب”مناقشة مشاكلهم في العمالة مع المسؤولين”. واصلت الساكنة الاعتصام وسط الطريق، منتظرة ما ستقوم به السلطات، بيد أن الرياح ستأتي بما لاتشتهيه السفن،” إذ في الوقت الذي كنا ننتظر أن تزفنا السلطات بخبر قبول مطالبنا، نفاجأ في حدود الساعة السابعة والنصف أو الثامنة من صباح الغذ الجمعة 26 غشت، بإنزال كثيف للقوة العمومية بمختلف تلاوينها، مدججة بالعصي والكروموجين والمصفحات ” يوضح أحد السكان المعتصمين وهو يمسك بين يديه شظايا القنابل المسيلة للدموع التي أطلقتها القوة العمومية عليهم، والتقطوها من الأرض بعد مغادرتها لتظل كشاهد على قوة التدخل. “إما تخويو طريق وإما تاكلو لعصا”، العبارة القصيرة التي خاطبت بها السلطات المعتصمين فور نزولها من السيارات . تشرح فاضمة امرأة مسنة وأم لستة أبناء، وهي إحدى المعتصمات والشاهدات على ماوقع. “لم تمنح لهم فرصة للحوار والتفاوض”. تضيف ذات السيدة بلهجة أمازيغية، وهي ترتدي بيجاما بلون البرتقال وتضرب عليها لحافا بلون الورود. ذات الشاهدة أوضحت أن” المعتصمين ردوا على القوة العمومية، بأن الاعتصام يقام من أجل حقوق مشروعة، تتعلق بتوفير الماء الصالح للشرب، والشغل وترسيم العمال، فأعطيت الأوامر بالتدخل، حيث تدخل رجال الدرك والأمن والقوات المساعدة بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع”. تجلس على الكرسي الخشبي، فتكشف عن جسدها الملون بالتعنيف، ثم تضيف “هذا ما قدرته علينا أرضنا”. تقاطعها ابنتها عائشة ذات 47 سنة متزوجة وأم لولدين، وهي تجلس بجانبها وتبكي وتحمل تعنيفا على مستوى دقنها ويدها اليسرى” ...كنا نجلس رجالا ونساء وأطفالا وسط الطريق، وكانت النساء في المقدمة، وكان هدفنا من الاعتصام هو عرقلة خروج ودخول شاحنات وآليات الشركة إلى المنجم بالقبيلة، حتى تحقق مطالبنا، لكن قوات الأمن بمجرد نزولهم من سياراتهم ، تدخلوا بدون إنذار، ولم يفسحوا مجالا للحوار لحل المشكل بشكل سلمي، واكتفوا فقط بإلقاء كلمتين: إما أن نفرغ الطريق أو يتدخلوا”. تغالبها الدموع فتخفي وجهها في اللحاف، ثم تضيف ” عند تدخلهم بدأوا بالنساء، لأنهن كن في الصفوف الأولى . والرجال هربوا في الجبال ، لكن لما شاهدوا القوة العمومية تضرب نساءهم وآبائهم، ردوا بالحجارة، ووقع انفلات أمني، فاستعملت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع، فوقعت إصابات، في صفوف الطرفين”. السكان الذين لازالوا يواصلون اعتصامهم، أكدوا حصول إصابات في صفوف القوة العمومية . لكن أوضحوا بأن هؤلاء، نقلوا بسرعة لتلقي الإسعافات رغم أن إصاباتهم جد خفيفة، بينما النساء المصابات، لم يتركوهم للذهاب إلى المستشفى، رغم أن إصابات أربعة منهن كانت خطيرة، بالإضافة إلى ثلاث إصابات في صفوف رجال مسنين ، فيما كان عدد المعتصمين يتراوح بين 40و60معتصم من الجنسين. وتم اعتقال ستة من الهاربين بعد نزولهم، أفرج فيما بعد عن اثنين منهم وتوبعوا في حالة سراح مؤقت. لم تكن الحالة النفسية لفاطمة الأم لأربعة أبناء والبالغة 46سنة أحسن حال من جارتها فاظمة وعائشة . فهي لازالت تحمل كدمات في جسدها. حكت بحرقة عن ذلك اليوم وعن ظروف القبيلة الاجتماعية والاقتصادية المزرية ” زوجي يعمل في المنجم منذ سنوات بدون ترسيم، و أجرته 1800درهم فقط . “تشرح بصوت مرتفع مليئ بالاحتجاج مستعينة بيديها ، ثم تضيف وهي ترفع من إيقاع صوتها “نقطن بالقرية. مواشينا التي نستعين بها كمورد للدخل تموت بفعل الماء الملوت بالماء القاطع، الذي يتسبب أيضا في أمراض جلدية . وماتنجبه هذه الحيوانات ينفق أيضا... التجأنا للمخزن لكي ينصفنا عن هذه الوضعية، وهار الرد الذي تلقيناه من المخزن، وفي الأخير لم تبق لنا أي حياة في هذه الأرض والبديل هو الرحيل. “تضيف، وهي تكشف عن رجلها التي لازالت تحمل آثارا التعنيف. «قبل أن تقوم قوات الأمن بتعنيفنا، جاء قائد الدرك، فخاطب المعتصمين: عندكوم جوج كلمات غير تخويوا الطريق ولا تاكلوا العصا.. فردوا عليه بأيادي مكثوفة إلى الأمام: خذونا غير نتفكوا من هاذ تمارة : الماء ملوث، والعمل منعدم... والغبرة المتطايرة من المعمل قتلاتنا». تدخلت القوة العمومية مباشرة بعد ذلك، فوقع اصطدام بين الطرفين ، حيث رشق الرجال الذين هربوا إلى الجبال قوات الأمن بالحجارة، فاستعمل هؤلاء القنابل المسيلة للدموع. «وقعت أيدي القوات العمومية على رجل مسن فجروه من قدميه على التراب وضربوا النساء الذين ظلوا بعين المكان بالعصي، وحاصروا الفارين لمدة يومين ومنعونا من إرسال الأكل لهم، ولم ينزلوا إلا بعدما التحقت الجمعيات الحقوقية، فأنزلوهم. والآن مازال الأطفال مرعوبون من هول الصدمة. ولاينامون. بعض قوات الأمن قالوا للنساء” سيروا للمدن تفسدوا، ودخلوا للبيوت يفتشون وصفعوا بعضهن». توضح امرأة من بين المحتجات. تحس النساء هنا بتذمر كبير من الوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري «أولادنا يشتغلون في المنجم مؤقتين منذ 16 سنة ، والمنجم يقوم بترسيم الغرباء . والأجور لاتتعدى في أحسن حال 2000درهم تصرف في الديون» توضح يطو 70سنة أم لثمانية. يقاطعها محمد مستقل «في حياتي لم أضرب زوجتي إلى أن جاء المخزن وعنفها». حسرة على أيام الشركة الأجنبية في عيونهم تقرأ حسرة كبيرة على أيام الشركة الأولى الأجنبية. فهذه الأخيرة كانت توفر لهم كل الحقوق وحتى الكماليات. «في عهدها كان العمال يحصلون على جميع حقوقهم، وكانت توفر لهم ولأسرهم المرافق الاجتماعية، و النقل المدرسي، التخييم، والمدرسة، و المستشفى، والتطبيب المجاني، وتحضر أطباء متخصصين، والبريد وقاعة السينما ، والمسابح والملاعب الرياضية من: تنس وكرة القدم، وتوفر الساحات الخضراء ، والماء تقوم بتسخينه وتمنح كميات منه للسكان حتى لايمرضوا، وتساهم في عملية التشجير وتشجع عليه. كما كانت تدفع في أفق استقرار السكان وعدم تهجيرهم، والعمال يحصلون على تعويضاتهم ، ويرسمون بعد ستة أشهر من العمل حتى الإنارة كانت بالمجان ...، رغم أن إنتاجها والأرباح التي كانت تحصلها أقل بكثير من الشركة المنجمية لتويسيت الحالية” . يوضح المعتصمون بتأسف. أما اليوم فقد اختفت كل تلك المميزات والحقوق، وأصبح العامل يعمل إلى غاية حصوله على التقاعد فيخرج بدون ترسيم . كما أن تلك العيون المائية والأشجار التي كانت تغطي المنطقة كلها اختفت، ونفقت رؤوس الماشية والحيوانات والدجاج وهاجرت الطيور البرية ... واختفت عيون، وبقيت فقط المياه التي يصرفها المنجم، والتي تشرب منها الماشية فتقتلها وتقتل الفلاحة، وجفت الآبار. تضيف المصادر ذاتها بعد إفلاس الشركة الأولى سنة 92 ، هاجر الكثير من السكان المنطقة، حيث “ذهبت مجموعة منهم إلى أكادير للعمل في الضيعات الفلاحية، والدار البيضاء وحد السوالم التي توجد بها جالية من اغرم أوسار، وفي أواخر التسعينيات، بدؤوا يهاجرون إلى إسبانيا بطريقة غير شرعية، لكن عندما توقفت الهجرة لهذا البلد، عاد حوالي 27 شخص من إسبانيا و10من تونس واثنين من ليبيا” . يوضح أحد المهاجرين. إدانة التدخل العنيف اعتبرت أكنوز فاطمة رئيسة فرع خنيفرة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن «الجمعية لايمكن إلا أن تدين تدخل قوات الأمن في حق الساكنة التي تعيش في عزلة». وتابعت هذه الناشطة الحقوقية موضحة، أن «السكان دخلوا في وقفة احتجاجية سلمية وبالتالي الجمعية لايمكن إلا أن تساند الساكنة في المطالبة بحقها المشروع، بحكم أن أراضيها تنتج خيرات وهي الأولى التي يجب أن تستفيد منها، خاصة وأنها تعيش فقرا مزريا، يتمثل في الجفاف ومشكل الماء الملوث، لأن المناجم الموجودة في المنطقة تمتص المياه». وأشارت إلى أن الساكنة «تطالب بحقوقها المشروعة ولكن تعرضت لتدخل عنيف بدون حوار، وخاصة الهجمة الشرسة التي تعرضت لها النساء والشيوخ والصور تبين مدى التدخل العنيف، في الوقت الذي من المفروض أننا نعيش مرحلة انتقالية تضمن للمواطنين حقوقهم». وقالت أيضا بأن «حلول فرع الجمعية بالقبيلة هو من أجل دعمها، وتسجيل موقف الجمعية مع المعتصمين في وقفتهم». محامي تويسيت: للأمر علاقة بعرقلة حرية العمل بالنسبة لخالد أقور الممثل القانوني لشركة تويسيت، فالمشكل تفرع عنه مشكلان: الأول يخص شركة تويسيت، التي ينوب عنها ومشكل يخص النظام العام، يتعلق أساسا بعرقلة حرية العمل. وتابع موضحا، أن الاحتجاج انطلق يوم 24 غشت بوقفة سدت الطريق المؤدية إلى المنجم بالأحجار، ولم يتركوا شاحنات الشركة تمر، فقدمت إدارة الشركة المنجمية لتويسيت شكاية في الموضوع، وأضاف أن الأمر يتعلق بالسكان الذين لهم أراضي قريبة من المنجم وعرقلوا العمل، وهم يطالبون بمجموعة من المطالب التي لاأساس لها، تتعلق ب:الترسيم ومطالب أخرى ليس من اختصاص الشركة هي تخص مجموعة من الوزارات كالماء والتطبيب وتمدرس أبنائهم. وقال أيضا إن الشركة تضررت من قطع الطريق، لأن هناك شاحنات تنقل البضائع والمعدات الخاصة، ولها التزامات مع شركات أخرى، يجب أن تصل في الوقت، وبالتالي تعطلت الشاحنات المكلفة بنقل المعدن الخام، وكذا الحافلات الخاصة بنقل العمال. وهذه المسائل، يضيف المحامي، ألحقت أضرارا جسيمة بالشركة التي أنوب عنها، وجاءت القوة العمومية صباح الجمعة 26 غشت مكونة من الدرك الملكي والقوات المساعدة لفك الاعتصام /الوقفة . وأشار إلى وجود اثنين من المعتقلين، لايعملون، أحدهم ممثل مجلس قروي اسمه أكضى الحسين ، والثاني متقاعد في الشركة اسمه أيوكو المصطفى، هؤلاء جاؤوا عند إدارة الشركة لكي يتدخلوا بخيط أبيض بين الإدارة والسكان لفك الاعتصام، والإدارة ليس مشكل مع هؤلاء، لكن القوة العمومية اعتقلتهما. وأوضح أن القوة العمومية، حينما أرادت فك الاعتصام، قالت للمعتصمين، إن ماتفعلونه ليس قانونيا، لكن المعتصمين الذين كانوا برفقة نسائهم، لم يستسيغوا هذا الخطاب، فابتعدوا مسافة وصعدوا للجبل وتركوا نساءهم، وبدأوا يرشقون القوة العمومية بالحجارة، وأدى هذا الرشق إلى إصابات سواء في صفوف القوة العمومية أو في صفوف النساء، حيث سجلت 10إصابات في صفوف القوة العمومية منهم ستة من رجال الدرك و4 من عناصر القوات المساعدة، بما فيهم كولونيل الدرك، الذي أصيب على مستوى الوجه، وهناك من تعرض لكسر من القوات المساعدة وآخرون بجروح متفاوتة. كما لوحظ تسجيل إصابات في صفوف النساء نتيجة الرشق بالحجارة. ويتابع المحامي قائلا: «القوة العمومية كانت تحمي النساء من الحجارة التي يرسلها الرجال. ولما وقع ماوقع اعتقل ستة عناصر ووضعوا تحت الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة، وتقدموا أمام الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بمكناس، هذا الأخير أحال ملفهم على قاضي التحقيق دون أن يراهم وقاضي التحقيق أفرج عن اثنين هما: ايوكو الحاج والمستقل عمر ومتابعتهم في حالة سراح، واحتفظ بأربعة آخرين، وفتح ملف تحقيق عدد 743/2011 بالغرفة 2 جلسة 30 شتنبر وأضاف المحامي، أن الشركة تبرئ اثنين من عرقلة العمل، وقدمت مطالبها بالحق المدني فقط في مواجهة أربعة منهم اثنين في حالة سراح مؤقت. وقد تم متابعة ستة أشخاص بصفتهم فاعلين أصليين أو مشاركين أو مساهمين في هذه الأحداث. كما أشار إلى أن مدة العجز في الشواهد الطبية المسلمة للمصابين في صفوف القوات العمومية تتراوح مابين 21 و 30 يوما. ملفتا الانتباه أن العمال العاملين بالمنجم غير محسوبين عن الشركة وإنما على شركة مناولة تسمى تيغانمين. الكبيرة ثعبان