المقال الذي نشره موقع "أحداث.أنفو" وأعادت نشره عنه جريدة "الأحداث المغربية" الإثنين عن وجوه الأنترنيت الجديدة في المغرب، أثار من النقع شيئا غير يسير في الأنترنيت المغربي. القاعدة تقول إن "النقد الذي لا يضر والذي لايدفع إلى رد الفعل هو ليس نقدا"، وهذا المقال النقدي العابر لظواهر صوتية و"فنية" وووعظية وتمثيلية في الأنترنيت اتضح أنه نقد بل "ونقد النقد" كمان. كيف كان رد فعل الشباب المغاربة الذين وجه لهم انتقاد يمكن اعتباره الحقيقي الأول بعد نشر هذا المقال؟ كان مشابها لطريقة تصرف القدامى: الغضب. لم نصل بعد إلى درجة استيعاب أن النقد ليس سبا أولا، وليس شتما ثانيا، وليس رغبة في التحطيم أو التهديم مجانية يرتكبها من يقوم بها لأغراض دنيئة أو خفية أو ماشابه. لازلنا - وإن كان البعض منا في سنه صغيرا - نقترف بالتحديد مااقترفه القدامى: البحث عن المؤامرة وعمن حرك الهاتف أو الهواتف، وعن الجهة الخفية أو العلنية التي قد تكون أمرت بكتابة هذا النقد. وإذ تفهم هذا الأمر إذا ما أتى ممن تجاوزت أعمارهم الأربعينيات لأنهم عاشوا في ظل فكر مؤامراتي أثر عليهم وعلى تصورهم لكل مناحي الحياة، تجد نفسك فعلا غير قادر على فهمه وهو يأتي من العشرينيين (العشرينيون عمرا لا حركة نقصد)، وتكاد تستوعب أن الجيل الملعون الأول (أهل الأربعين فمافوق) تمكن بفعل إحباطات الحياة المتتالية عليه أن ينقل العدوى للصاعدين والوافدين الجدد، وهنا مكمن الداء الأكبر بالنسبة لي على الأقل. لايهمني أن يسبني العالم، وأن تنسب لي كل كلمة تنشر في موقع "أحداث.أنفو" أو جريدة "الأحداث المغربية" حتى وإن لم أكتبها، مع أن الأمر أصبح مضحكا بعض الشيء لغبائه، ومؤلما لأنه يزيل من الوجود طاقما كبيرا ويركز على شخص واحد لأسباب لاتخفى على حصيف وليست مهمة على كل حال. ما يؤلمني في ردود الأفعال المتشنجة التي لجأت مرة أخرى، وكالعادة، إلى السب والشتم عوض محاولة الإنصات والفهم هو أننا نرى الجيل الجديد، أو على الأقل من يتصدرون للحديث باسمه، وهم يرتكبون الكبيرة ذاتها التي ارتكبها القدامى المتكلسون: عدم القدرة على الحوار والتواصل. وإذ تطل بعينيك على الضفة الأخرى، وعلى تلفزيونات الضفة الأخرى وعلى نقاشات الضفة الأخرى، وترى الأسلحة النقدية سمالة بين مختلف الفرقاء، كل يستعملها استعماله الذي يدافع به عن فكرته، ولا تلمح بين ثنايا نقاشاتهم رغبة في القمع أولا، ولا تلويحا بالاستعمال المؤامراتي ثانيا، تفهم أن المشكل البسيط موجود فينا، عميق عمق تربية لم تتلقها أجيال تجعلها قادرة على الإنصات للآخر، القبول بالآخر، رأيا كان أم فردا مختلفا أو عقلية مغايرة، أم جنسية من غير جنسية الوطن، أو أي شيء آخر دال على الاختلاف. لذلك نسب كل مختلف معنا، ليس في الرأي فقط، بل حتى في اللون، حتى في الجنس، حتى في الانتماء. سارتر رجل قد لايعرفه أهل الجيد الجديد، وهم ليسوا ملزمين بمعرفة كثير من الأشياء، قالها منذ زمن بعيد وهو يشير إلى الآخر / الأنا، والآخرين / الجحيم. لكن هذا الجحيم الذي نحيا فيه نحن دال على عذاب من نوع آخر يفيد أننا ملزمون - عاوتاني - بالحديث عن البدء من جديد، وعن العودة إلى المدرسة وإلى البيت حيث يتلقى صغارنا أولى مبادئ الحياة لكي ندق الباب أو نرن الجرس أو نعلم من بالداخل أننا نريد مكالمتهم. المعلمون أساسا في الابتدائي، والأساتذة بعد ذلك ملزمون بفهمها: هاته الأجيال التي تتخر من مدارسنا غير قادرة إلا على كل هذا العنف اللفظي لكي تعبر عن عدم قبولها بأي فكرة صغيرة أو كبيرة لا تروقها من صنعها؟ للآباء وأساسا للأمهات السؤال اليوم أيضا مطروح: كل حركة قمع تقومين بها أو تقوم بها مع الصغير أو الصغيرة، هي أمر ستلتقي به بعد سنوات في أشكال متعددة. سيبدو لك ضيق الأفق حاضرا، ستبدو لك عدم القدرة على الاطلاع متجلية، وستظهر لك كثير السلبيات التي لم يزرعها أحد سواك، لكن حصادها يشترك معك فيه المجتمع كله. أكثر من نقد عابر لأناس عابرين، طريقة مواجهة هذا النقد هي التي تؤلم في النهاية. وأكثر من هاته الطريقة الشكل الذي يبديه هذا الجيل الذي نعول عليه في الإصرار على تقليد من خابت حياتهم وآمالهم من قدامى المتكلسين. ترى، هل يريد الصغار هم أيضا أن يعيشوا نفس الخيبة التي عاشها كهول الوقت الحالي؟ على مايبدو نعم، وعلى مايبدو كل الداء ملتمس شفاه، إلا الحماقة أعيت من يداويها. لا أمل والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. ولا شكر على واجب على هاته الروح "المتفائلة" هذا اليوم.. المختار لغزيوي