خلال الأسبوع المنصرم، انتشر الفيديو عبر الأنترنيت وتناقله الكثير من المغاربة بغير قليل من الغضب. بماذا يتعلق الأمر؟ في مراكش، ضبط سكان أحد الأحياء الشعبية صاحبَ محلٍّ للبقالة، كان بصدد اغتصاب طفل صغير. حسب ما راج في الصحافة الوطنية، فقد تربص السكان بالجار بعد أن شك الكثيرون في سلوكه غير السوي. بمجرد ما رأوه يعود إلى بيته على دراجته النارية، رفقة طفل صغير، اجتمعوا وتهجموا على بيته ليشبعوه ضربا وتعنيفا؛ ولينقذوا الطفل من اغتصاب جديد (لأنه، للأسف، تعرض للاغتصاب من طرف نفس الشخص في السابق). طبعا، لا يَسَعُنا في البداية إلا التنويه بهذه اليقظة المواطنة التي تجعل مواطنين عاديين يبادرون لمحاربة ظواهر كثيرة غير صحية في المجتمع. لكن هذا لا ينفي عن المبادرة مجموعة من الأخطاء التي علينا أخذها بعين الاعتبار. أولا، يجب لفتُ الأنظار لكمَّ العنف الجسدي الذي تعرض له الجاني. بالفعل، فجريمته كبيرة جدا وتستحق أقسى العقوبات. ليس من حق أيّ كان انتهاك حرمة جسد طفل صغير. لكن، هناك قانون يُفترض أن يطبَّق ومحكمة يجب أن تُصدر حكمها. قد نتفهم جميعا غضب السكان، وهو في الحقيقة غضب مشروع؛ لكننا يجب أن نتوقف عن محاولة "ناخدو حقنا بيدينا". كان سيكون من الأفضل لو قدم السكان الجاني المتلبس للشرطة التي، بدورها، ستقدمه للمحاكمة لتأخذ الأمور مسارها القانوني. لا يمكننا أن نطالب بدولة الحق والقانون ونطبق في نفس الوقت القانون بأنفسنا. حتى لو كان المتهم في حالة تلبس. حتى لو كانت الجريمة كبيرة جدا. قانون الغاب لا يتماشى مع الدولة الحديثة التي نحاول ونسعى لبنائها. الأمر الثاني الذي يستدعي اهتمامنا هو كمُّ ونوع الأسئلة التي تم طرحها على الطفل-الضحية. "شحال كيعطيك؟"، "واش كيشدك بزز ولا بالخاطر؟"، وغيرها من الأسئلة التي يمكن صراحة أن نعتبرها اغتصابا جديدا للطفل-الضحية وعنفا معنويا كبيرا مورس عليه، وهو يبكي بخوف وصل حد الهلع. ثالثا وأخيرا، وهذه الطامة العظمى، كانت تلك الجملة التي ترددت أكثر من مرة في الشريط، بأشكال مختلفة: "كون غير كانت بنت بعدا"، "عَيْبْنا واحد، ولكن كون بعدا ورّكتي على بنت، ما نقولو والو"، "دابا هاد الدري غادي يطلع معقد. هادو رجال المستقبل"… هل قَدَرُ الطفلة أن تتعرض للاغتصاب، وعلينا أن نتقبل ذلك ونعتبره "أهون"؟ ألا يؤثر الاغتصاب على مستقبلها وعلى نفسيتها وعلى علاقتها بجسدها وبالآخر فيما بعد، تماما كما يؤثر على الشاب؟ هل يكون وقع الاغتصاب على الفتاة أخف من وقعه على الطفل الذكر؛ رغم أنف علم النفس؟ "الطفل هو رجل المستقبل". فهل تكون الفتاة حثالتَه؟ أم أن لها "قدرات خارقة" تمكنها من تجاوز تبعات الاغتصاب؟ "كون غير كانت بنت". فجسد "البنت" خُلِق للاستغلال وللاغتصاب وللعنف الرمزي والجسدي. إن هذه التصريحات، التي تعبر للأسف عن تصورات شائعة عند الكثيرين، تمثل دعوةً صريحة لاغتصاب الفتيات ولشرعنة هذا الاغتصاب. هل كان الجيران سيتدخلون بنفس الحدة لو كانت المغتصَبَة أنثى؟ لست متأكدة من ذلك… بل قد يحملها البعض مسؤوليةَ اغتصابِها. وفي أحسن الأحوال، سيتم تزويجها لمغتصبها، لكي "يسترها" من فضيحتها. (هل سنفكر في تزويج هذا الطفل لمغتصبه؟ قد يبدو السؤال مستفزا، لكنه ليس أقل استفزازا من مجتمع يعتبر زواج الفتاة المغتَصَبة من مغتصِبها أمرا عاديا بل ومحبذا). السؤال الأخير الذي يفرض نفسه بشدة هو: في الواقع، وبالنظر لردة الفعل هذه، هل تدخّل الجيران لإنقاذ طفلٍ من الاغتصاب ومعاقبة الجاني، أم لإنقاذ الفحولة والذكورة، لا غير؟