خمسة وثمانون سنة مضت، أكثر من خمسين ألف شهيد، ومئات الآلاف من الضحايا منهم من قضى نحبه، ومنهم من مازال ينتظر بألم شديد. كل ذلك حدث ذات ربيع من سنة 1925، بمنطقة الريف حينما اشتد وطيس المقاومة، فما كان من الإستعمار الإسباني إلا أن استعمل، أسلوبا حربيا قذرا للغاية، فأطلق العنان لطائراته لقذف المقاومة، بالغازات السامة على مساحة شاسعة من الريف المغربي. مخلفا وراءه الدمار الشامل، وجراح لم تندمل آثارها حتى بعد مرور الثمانين سنة. كل ذلك دفع بفعاليات جمعوية، وعلى رأسها جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، لتخليد الذكرى بألم، وتنظيم وقفة احتجاجية عند بوابة القنصلية الإسبانية بتطوان. فيما خلد العالم اليوم العالمي لضحايا الحروب الكيماوية، بمناطق مختلفة بشكل رسمي وغير رسمي. كانت تطوان مرة أخرى جزء من الحدث، حيث أشعلت الشموع ورددت شعارات مختلفة، كلها استنكار للصمت المطبق حول الموضوع، وغياب الموقف الرسمي، وغياب حتى الأحزاب السياسية عن متابعة الموضوع. فيما طالب المحتجون، الذين كانوا يقفون «رمزيا» عند بوابة القنصلية الإسبانية بتطوان، باعتذار رسمي من لدن الحكومة الإسبانية، وتعويض ضحايا هذه الحرب، وجبر الضرر الجماعي بالنسبة للمنطقة ككل، التي مازالت تعاني الآثار الجانبية لهذا القصف «الهمجي»، بواسطة الأسلحة الكيماوية، حيث مازالت تسجل أمراض وأعراض خبيثة ناتجة، عن استعمال تلك الغازات. في سنة 1925 عجزت الجيوش الإسبانية الاستعمارية، بقيادة الجنرال سيلفستر، عن اقتحام أحصنة المقاوم عبد الكريم الخطابي، وخاصة بعد معركة أنوال الخالدة، التي حققت فيها المقاومة المغربية انتصارات مهمة. كل ذلك دفع بمخططي حرب الريف، لاستعمال أساليب أخرى عن طريق قصف الأسواق والتجمعات السكنية، بالغازات السامة، كالفوسيجين والخردل والكلوريل، التي زودت بها من ألمانيا، ومن المعامل التي أنشأتها لهذا الغرض بمدريد ومليلية المحتلة، حيث ترتب عن هاته الحرب، ما لا يقل عن 50 ألف قتيل، أي حوالي %10 من ساكنة منطقة الريف، بالإضافة إلى تلويث البيئة البرية البحرية. حرب الكيماويات التي خاضتها، السلطات الاستعمارية الإسبانية في ذلك الوقت، لم تنته بعد، مادامت آثارها مازالت حاضرة ومازالت تقتل، فالتقارير الطبية والدراسات المنجزة بالمنطقة، تؤكد أ نحوالي %60 من الإصابات بداء السرطان بالمغرب، تسجل في مناطق الريف، والتي نتجت «علميا»، عن الغازات السامة، بالإضافة للعديد من الأضرار المختلفة، والمعروفة وغير المعروفة. بل أن المصادر التاريخية تؤكد استعمال هاته الغازات «مع سبق الإصرار والترصد»، خاصة وأن إسبانيا بعد عدم قدرتها إخضاع المقاومة، عمدت إلى بناء مصانع لهاته المواد، بتعاون مع ألمانيا التي لها خبرة كبيرة في هذا المجال. المناسبة التي خلدها الشارع التطواني، بدعوة من جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، طالب خلالها المتظاهرون بالاعتراف بالجريمة، التي ارتكبتها، وبالإعتذار رسميا لضحايا الغازات الكيماوية، وتعويضهم ماديا ومعنويا. وأدانت الشعارات المرفوعة ما أسمته «الجريمة النكراء»، التي اقترفتها القوات الإسبانية الاستعمارية، مع التنديد بالموقف الرسمي المغربي «الجامد». فيما طالب بيان الجمعية بنقطة مهمة، تتجلى بالكشف عن جميع وثائق الأرشيف العسكري الإسباني، خاصة منها المتعلقة باستعمال الغازات السامة بالريف. وفيما كان استعمال الإسبان لهاته الأسلحة، قد خلف ردود فعل متباينة، فالمهتمون بالتاريخ العسكري للمنطقة، مغاربة، إسبان وفرنسيون، أكدوا استعمال هاته الأسلحة المحظورة في حرب الريف. ومن تم نجد الدكتور محمد خرشيش، يؤكد، في حوار سابق، هذا الأمر، حينما يقول إنه عند اطلاعه على وثائق وزارة الدفاع الفرنسية والوثائق الديبلوماسية، استرعى انتباهه الأعداد الضخمة من الضحايا الواردة أسماؤهم، في بعض الوثائق، ومن ذلك ما يقوله قائد سلاح الجو الفرنسي بالمغرب، في تقرير له حينما يقدم بدقة، ما أسفرت عنه ضربة جوية واحدة في بني زروال يوم 9 ماي 1925، وفي ظرف وجيز لا يتعدى دقيقة واحدة، ما يناهز 800 ضحية.