مرة أخرى يغرف ابن كيران من نفس المعين. قبل أسبوع قال هذا الرجل في الندوة الوطنية حول البحث العلمي والابتكار كلاما حكيما، فسبحان مبدل الأحوال. قال أمام أساتذة جامعيين وباحثين ودكاترة «إن المسؤول على مستوى رئاسة الحكومة في الدولة أو على مستويات أخرى ليس دوره هو أن يقول أو يكرر ما يقوله الآخرون...». كلام عقلاء. لكن ماذا جرى بعد أسبوع، أين اختفت هذه الحكمة تاركة مكانها لسلاطة اللسان؟ لم يكتف ابن كيران أمام إخوانه في الحزب بتكرار ما يقوله الآخرون بل زاد عليه واجتهد مبتدعا أوصافا ونعوتا وخرافات...! في لقائه بالكتاب المجاليين لحزبه يوم الأحد الفارط لم يعد فقط لاجترار خطاب العفاريت والتماسيح لمدة ساعة، بل وضع لائحة بأسماء خصومه، سمى بعضهم ولمح لبعضهم الآخر، واضعا حزب الأصالة والمعاصرة على رأس اللائحة مضيفا إليها الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال الذي وصف زعيمه قبل يومين ب«الصكع» ثم انتقل إلى دوزيم والقناة الأولى ومواقع الكترونية إعلامية وجريدتي الصحراء ولوماتان وموقع هسبريس. والخلاصة أن قسم خصومه إلى قسمين: سياسيون وإعلاميون.. هذه المرة ضرب ابن كيران ثلاثة عصافير بحجر واحد: «المشوشون» و«المخلوضون»، و«المخربقون»، وذلك حين قال بأن وجود «المشوشين» أمر طبيعي لأنهم ألفوا أن يكونوا وحدهم في الساحة يأكلون ويشربون ويغطون على بعضهم البعض، وأن «المخلوضين» أصبحوا مسخرة، بسبب ما يروجونه من «تخربيق» لن يستمر لأن الحقيقة لا بد أن تظهر، ولا يمكن «للمخلوض» أن ينجح أو أن ينتصر. وكعادته في إغراق كلامه بالعموميات نعت بعض زعماء الأحزاب السياسية بالفساد دون أن يذكرهم بالاسم قائلا بأنهم »غارقين في الفساد.. وما يمكنش نسكتو». في هذا الركن لا ندافع عمن هاجمهم ابن كيران فأخطاؤهم وزلاتهم أكثر من حسناتهم، لكن بالمقابل لا نريد هذا المستوى الهابط من الخطاب، سيقول رئيس حكومتنا أنه وضع هذا القناع جانبا وكان يلبس قناع الأمين العام للحزب; وكان خطابه موجها لإخوانه في التنظيم، وهذا من حقه، إلا أنه في النهاية، المغاربة لا يريدون أن ينعتوا رئيس حكومتهم بانفصام الشخصية كما أنهم لا يعرفون سوى عبد الاله ابن كيران واحد. على امتداد الساعة ظل يهاجم شبحا ويخاطبه بصيغة الغائب، أما إخوانه في الحزب فقد وجه إليهم الكلام بصيغة المخاطب ضاخا فيهم شحنة عاطفية ونفسية، ألهبت حماسهم وتصفيقاتهم. وأخيرا كشف رئيس الحكومة سر التماسيح والعفاريت، وفضح سبب التسمية، حيث أن التشبيه الأول نابع من اختفائه تحت الماء والتهامه ما يطفو على السطح، أما العفاريت فهي التي تحرك حسب تعبيره البيادق. خطاب ابن كيران أمام جهازه الحزبي كان جديدا بحكم أنه آخر ما ألقاه لكن جاء قديما في مضمونه، هاجم من هاجم ودغدغ مشاعر الحاضرين، وسار فيه إلى النهاية، هو الذي قال لرئيس مجلس المستشارين في الأسبوع الماضي عندما طلب منه أن يتم كلامه، «غادي نكمل بلاجميل حد»..!