يصعب على المتتبع للشأن السياسي الوطني أن يمسك بالخيط الناظم لمواقف ومنظور حزب العدالة والتنمية للمستجدات التي يعج بها المشهد السياسي الوطني. و مبعث هذه الحيرة هو صعوبة التوصيف الدقيق للزاوية والقناعات التي تبني عليها قيادة هذا الحزب الحليف والمحترم مواقفها من الأزمة السياسية المتولدة عن قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بالانسحاب من الحكومة، وتفويضها للجنة التنفيذية للحزب صلاحية تصريف هذا القرار في حدود منطوق وجوهر الفصل 42 من الدستور . مبدئيا والى حد الساعة لم يصدر أي موقف رسمي للحزب الحاكم من القرار السيادي الذي أجمع عليه أعضاء برلمان ثاني مكونات التحالف الحكومي، وما سجل لحد الساعة يظل مجرد مواقف شخصية لبعض قادة العدالة والتنمية ينطبق عليها حكم بلاغ الأمين العام للحزب الذي أكد فيه بالبنط العريض أن أي تصريح لأي مسؤول او عضو في الحزب بخصوص موقف المجلس الوطني لحزب الاستقلال من الحكومة يعتبر موقفا شخصيا ولا يعبر عن الموقف الرسمي للحزب. لكن في انتظار الموقف الرسمي للاخوة في العدالة والتنمية،لا مفر أن نستحضر بعض الخرجات الاعلامية المثيرة وأحيانا الغريبة لقياديين في صفوفه وسنفتتح مهرجان ردود الفعل هذه بما صدر عن القيادي بذات الحزب وعضو فريقه النيابي عزيز أفتاتي الذي يصفه أمينه العام حرفيا في تدخل موثق أمام مناضلي الحزب بأنه «حالف يلعب الماتش بوحدو». عبد العزيز أفتاتي اللاعب الشارد في رقعة الأغلبية الحكومية شكك مباشرة بعد قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال في رواية أمينه العام حميد شباط، حول المكالمة الهاتفية، التي دارت بينه وبين جلالة الملك وقال بالحرف إن تبليغ شباط عن الملك لا يصح لأنه شخص غير موثوق قبل أن يتهم قرار المجلس الوطني بأنه غير واضح وليست فيه جرأة. رئيس فريق حزب «العدالة والتنمية» بمجلس النواب عبد الله بوانو اعتبر من جهته قرار حزب الاستقلال «تهديدا لاستقرار المؤسسات في البلاد»، ووصف الموقف السيادي للمجلس الوطني بأنه يبعث رسائل غير مطمئنة للمستثمرين قبل أن يهاجم الأمين العام للحزب الحليف، ويقول في شأنه إن «شباط يناور منذ دجنبر 2012 لاحتلال مكان رئيس الحكومة»_ مؤكدا أنه منذ ذلك الوقت وهو يهاجم الحكومة (بالصواريخ) من كل الاتجاهات» عبد العالي حامي الدين تجاوز أيضا تعليمات أمينه العام، وسمح لنفسه أن يمارس الوصاية الدستورية على ثاني أعلى هيئة تقريرية بحزب الاستقلال ، قال في حق حزب الاستقلال أنه يريد ان يرد المغاربة الى دستور ما قبل سنة 1996، باقحام الملك في الخلافات الحزبية عن طريق طلب تحكيمه ووصف ذلك بضرب للمؤسسات والدستور الجديد قبل أن يكون ضربا للأغلبية الحكومية ، من منطلق غريب مفاده ان قرار الانسحاب لا علاقة له بالفصل 42 من الدستور بل بالفقرة الخامسة من الفصل 47 . عمليا نحن هنا في سياق مفارقة سياسية فاضحة وغير مسبوقة بين زعيم حزب يتبرأ من تصريحات قياديين في حزبه، ويعتبرها أراء شخصية لا تعبرعن الموقف الرسمي لحزب المصباح، وبين أعضاء كتيبة السيد عبد الالاه بن كيران بالحزب تخبط خبط عشواء وتتنافس في ملء فراغ الموقف الرسمي لحزبها بخرجات إعلامية متتالية ومدروسة لا تنطلي على أحد المقاصد المعلنة والخفية من ورائها و التي تندرج ضمن موروث الخطاب السوقي الذي لا يستسيغه السيد حامي الدين و الذي يعبر عنه ببلاغة متناهية المثل الشعبي الدارج « شي يكوي شي يبخ « ولنعود الى الخطاب السوقي بمساوئه ومحاسنه ودلالاته العميقة والمتجلية في اللغة الشعبوية المغلفة بمسوح من الدين والرهبنة الذي يتفوق فيها على مريديه رئيس حكومتنا الموقرة. فبعد أن ظل الرأي العام الوطني يحبس أنفاسه طيلة أزيد من أسبوع، ليتعرف على موقف بن كيران مما يقع وسيقع اختار هذا الأخير عن قناعة خطاب القدرية وموقع الضحية المتباكي ليزف الى المغاربة وصفة فيها خليط غير متجانس من الوعظ والتهديد، وليمرر رسائل سياسية لم يكتمل فرط عقدها وهو يخاطب نهاية الأسبوع أطر حزبه المحلية. كنا ننتظر من السيد بن كيران أن يبدد مخاوف المغاربة ويظهر في صورة رئيس الحكومة القوي الذي يتوفر على ما يكفي من مواصفات رجل الدولة الذي لا ينحني للعواصف لكننا فوجئنا برجل صام أياما عن الكلام ورجع الينا متدثرا بجلباب الناسك. ما بين بن كيران رئيس الحكومة المغربية وعبد الالاه رئيس الحزب هناك بون واسع من الشعبوية المغرقة في التناقضات و الالتباسات التي تغمرنا أحيانا بشكوك مشروعة حول ما إذا كان الأمر يتعلق بثالث رجل في هرم الدولة يمكن أن نستأمنه على مصير مؤسساتها وحياة ملايين المغاربة. خرجة رئيس الحكومة المنتظرة على أحر من الجمر جاءت باهتة و مغمورة بالطلاسيم والألغاز الى الحد الذي عجزنا فيه عن ضبط إيقاعها وتصور تبعاتها وارتداداتها على وضع الأزمة الحكومية الذي نعيشه قبل أن يتطور الى أزمة دستورية . الرجل قال كل شيء ولم يقل شيئا اللهم كشكول عبارات وتقديرات لا تفي بالغرض. قد نتفهم الوضع الاعتباري لرئيس الحكومة والاكراهات التي تثقل كاهله بالمسؤولية وتفرض ربما عليه نوعا من التحفظ إحتراما للهرمية الدستورية التي تحكم منصبه ولكننا على الأقل كنا ننتظر رجل أكثر قوة وإفتقدنا للأسف الفصاحة والصراحة والبلاغة التي ميزت العديد من تدخلاته بغرفتي البرلمان . لنعد الى ما قاله بنكيران في حديثه وسنستنبط منه فقرات قد تفيد السياق السياسي للمرحلة. رئيس الحكومة يبشر المغاربة بأن حكومته فعلت أشياء كثيرة في العمق وحينما ندقق معه في ماهية هذه المنجزات سنخلص إلا أن الرجل يعتبر أن واحدة منها تشفع بل و تعادل قيمة الخمس سنوات من العمر الافتراضي للحكومة الحالية وهي قرار التوظيف بالمباريات وربط المسؤوليات العليا في الدولة بطلبات الترشيح ومعها إتمام التلاميذ لأول مرة حسب تعبيره لبرامجهم الدراسية قبل متم السنة التربوية. أي إنجاز أعظم من هذا في ميزان حسنات حكومتنا ولتخرس الألسنة ولتعمى أعين الحسد وأقلام الحقد التي تلوك النقائص في حقها والتي يقدر رئيس حكومتنا أنها مدفوعة وموحى اليها من شياطين الانس. غابت التماسيح والعفاريت لمرة في خطاب السيد بن كيران وحلت مكانها شياطين الانس المتربصة بحكومته السديدة التي لا يشق لها غبار في خدمة الشعب المغربي وضمان رفاهيته. لنترك الشياطين جانبا و نعود الى بيت القصيد و هو الأزمة الحكومية أو أزمة الأغلبية كما يحلو لقادة المصباح أن يصفوها ولنترك للرأي العام وللمغاربة أن يحكموا بالبصيرة والتعقل والحكمة على رئيس حكومتهم و هو يردد جهارا أنه لن يرد على مذكرة مرفوعة اليه بحكم أنها مشفوعة « بالشتم والسباب». من حقنا أن نستوضح السيد بن كيران ماذا يقصد بالضبط بالشتم والسباب، وما صلته بمذكرة مطالب سياسية مصاغة ومحررة وموقعة وتحمل أفكارا ومطالب سياسية واضحة وضوح الشمس؟ هل يحاول رئيس الحكومة أن يوهمنا بأنه يقفز على جوهر قرار سياسي لمكون رئيسي بالتحالف الحكومي بالتستر وراء ما يصفه بالشتم والسباب ويعطينا الانطباع الكارثي بأنه لن يتعامل مع مأزق سياسي وورطة حكومية حقيقية تهدد مصير البلاد ويمكن أن تكون لها إرتدادات دستورية فقط لأنه لا يحتمل ما ينعته بالسباب و الشتم إن وجد. ولماذا لا يعكس الآية في هذه النازلة ليتحفنا من مخزون حكمة الدراويش التي يكتنزها بماذا يصف نعت قيادي بحزبه لأمين عام حزب حليف له بالكذب وإختلاق موضوع مكالمة هاتفية جمعته بملك البلاد؟ في أي خانة سيضع السيد بن كيران تصريحا من هذا القبيل و بأي مكيال سياسي أو أخلاقي سيزنه وسيقدره حق تقديره ؟ لا يهم لنترك جانبا شياطين الانس والشتم ولنستعذ بالله من الشيطان الرجيم الذي يوسوس للنفس البشرية الأمارة بالسوء ولنعد الى كلام رئيس حكومتنا وهو يشدد بصيغة التهديد المبطن على أن إرباك التجربة الحالية هو رجوع بالمغرب الى أيدي ومنطق التحكم ودخول في مغامرة غير معروفة العواقب ؟؟؟ الرجوع لله آسي بن كيران هل إختلطت لديك المفاهيم وخانتك قفشاتك المعهودة والمحبوبة الى مستوى أضحيت ترهن مصير بلاد بمصير تجربة حزب؟ وهل كان في قدرنا أن نصطدم بخطاب رئيس حكومتنا بهذه النرجسية والذاتية المغرقة في «الشانطاج» والتحدي والشخصنة غير المقبولة في كل الأحوال من رجل دولة في مقامكم؟ وهل سنكون مجددا مضطرين الى تذكيركم بضرورة أخد المسافات الواجبة بين وضعكم كزعيم حزب و موقعكم كرئيس حكومة إئتلاف حتى لا تعاود السير لوحدك في الإتجاه الوحيد الذي أشرت اليه في مداخلتك؟ سنتفق معك أن ظريق الاصلاح طويل ومحفوف بالأشواك وسنترجم تقديراتك المتشائمة للوضع الاقتصادي لكننا لا نقبل منك أن تستنتج على طريقتك ومسؤوليتك أن الخط الأحمر الذي عبر عنه الأخ شباط الذي تتسائل عن صفته يتجلى حسب تعبيرك في وقوفه في وجه إصلاح صندوق المقاصة الذي يستنزف كما ذكرت 57 مليار من ميزانية الدولة وواقع الحال أن السيد شباط حدد الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية على المغاربة كخط أحمرغير قابل للتجاوز ولم يصدر عنه أو عنه أبدا ما يفيد أنه كان ضد إصلاح صندوق المقاصة كما تفضلت بادعائه؟؟؟ الهدور الخاوية وقدر الله اللذان لايستقيمان في منوال واحد سيدي رئيس الجكومة يفترض أن لا تخاطب المغاربة بلغة الأزمة وأرقامها لأنهم يدركونها ويكتوون بلهيبها، وهم غير معنيين إن كنت وحزبك المحترم تشعرون بالمسؤولية تجاهها وتجاه الاستقرار الاجتماعي المهدد بالبلاد . إنهم سيدي بنكيران ينتظرون أن تشمر عن ساعد الجد لترجمة برنامجك الانتخابي و برنامج حكومتك الموقرة، الى تدابير لضمان رفاهيتهم و عيشهم الكريم. وأنت مخطىء في تقديرك أن الشعب المغربي سيتحلى الى ما لا نهاية بفضيلة الصبر على المحن فقط لسواد عيون اللون السياسي لحكومتك و حزبك . لقد قلتها بعظمة لسانك سيدي الرئيس المغاربة يرفضون الآن التخويف و التهديد (intimadation )و نحن متفقون معك على طول لكن نفس المغاربة الذين تخاطبهم أو تتكلم نيابة عنهم ملوا وسئموا الوعود والهدور الخاوية وخطاب القدرية وينتظرون المنجزات والمشاريع ماثلة أمام أعينهم محسوسة في معيشهم اليومي لا مجردة في حكايا الشياطين والتماسيح و العفاريت. كان بودنا أن نسمع منك خطابا واقعيا وأجوبة سياسية رصينة ومحكمة حول أسئلة الشارع وحراك البلاد السياسي لكنك فاجئتنا بجرد لتاريخ حزبك مشوب بمواعظحتى كدنا نعتقد أننا في حضرة الخليفة عمر بن عبد العزيز وليس في محظرة السيد بن كيران رئيس حكومة المغرب. يؤسفنا السيد رئيس الحكومة أن نقولها لك بالفم «المليان» على حد تعبير إخوتنا المصريين لقد أخطأت مجددا الموعد مع المغاربة وتجاوزت أيضا حدود اللباقة بقصة الدجاجتين التي لقمها لك في حين غفلة علبة أسرارك والتي قد يسعفنا الوقت مستقبلا لتذكيرك بأن سياقها في كلامك لم يكن منتظرا ولا مقبولا من طرفك و أنه كان للجالس الى يسارك أن ينبهك الى حقيقة القصة وكيف وظفت من طرف أناس نتمنى صادقين أن لا يكونوا من وسطك الحزبي بشكل بوليسي، ومتآمر وتدليسي مفبرك للاساءة الى حليفك الرئيسي بالأغلبية . ومع حكاية الدجاج و«طبيق الملح اللي بات ما أصبح « نستودعك الله سيدي الرئيس ونتضرع اليه أن يكفي حكومتك الموقرة وحزبك المحترم شر المشوشين وعين الحاسدين ومكر المشوشين ونعرات البلطجية وتهافث شياطين الانس ووساوس العفاريت ودموع التماسيح ، ودمت في رعاية الله وهديه وصراطه السوي المستقيم والى موعد قريب نتمنى أن لا يكون بهذه القسوة والمزاج العكر والسلام على من إتبع الهدى.