أَشْهُرًا بعد تعيين الملك محمد السادس لحكومة عبد الإله بن كيران والانطلاقة الفعلية لتجربة حكومية جديدة أتت بعد الدستور الجديد ل2011، وشروع وزراء أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية في مهامهم، بدأ بن كيران يحس، حسب ما يقول، بأكثر من عصا توضع في عجلة "الإصلاح" التي يحركها، هذه العصي هي التي أدخل بسببها بن كيران مصطلحات جديدة للقاموس السياسي المغربي تمزج بين الواقعي والأسطوري، يعد أكثرها شهرة "التماسيح والعفاريت". هي تعابير من قاموس "الغرابة" ليقول رئيس الحكومة بالإشارة التي قد يفهمها اللبيب أن الحكومة الجديدة إن كان عملها يتأخر وأوراشها الكثيرة تتعطل ف "لأن هناك جهات ليس في مصلحتها أن تتقدم". وهي المصطلحات ذاتها التي ألهمت الكثيرين من المؤيدين والمعارضين، بل حتى الفنانين، مثل الرابور إلياس الخريسي المعروف ب "الشيخ سار" الذي ذكر العفاريت والتماسيح في أغنيته "واهيا بنكيران"، ورسامي الكاريكاتير وأيضا مصصمي الصور. كما تجولت على ألسن الكثير من قيادات حزب المصباح، ثم عبر الصفحات الفيسبوكية وغيرها. وأصبحت ذات زمن حديث كل لسان، حتى أن جامع كلحسن الصحافي بالقناة الثانية، "دوزيم" جمع في حلقة من برنامجه "مباشرة معكم" سياسيين ومحليين لتشريح ظاهرة إقحام المصطلحات الغرائبية في الخطاب السياسي، فهاجم أغلب ضيوفه الظاهرة في حين غاب مبدعها عن بلاطو الحوار. وحتى الأحزاب المعارضة طلبت أكثر من مرة من رئيس الحكومة الكشف عن هؤلاء الذين يسميهم بالعفاريت والتماسيح الذين يعكرون صفو "الإصلاح" الذي يقوده، معتبرين ذلك مجرد "اختباء" وراء هذه المسميات ل" إخفاء عجزه" عن المساس بالملفات الحساسة والتي جعلها حزب المصباح ضمن برنامجه الانتخابي. فهل يعرف المغاربة عفاريت وتماسيح بن كيران؟ الأكيد أن عبد الإله بن كيران عندما أدخل العفاريت والتماسيح في خطابه السياسي لم يكن لمجرد التنكيت أو الفرجة بل لإيصال رسائل لمن يهمهم الأمر من هؤلاء الذين نعتهم بهذه النعوت من جهة، وللمغاربة كافة حتى يفهم حقيقة ما يجري من جهة ثانية. بعض اللغويين يرون أن استعمال بن كيران ل "التمساح" دلالة على لوبيات الفساد التي تفتح أفواهها أكثر من اللازم لتلتهم الأخضر واليابس، واستعمال هذا الحيوان "الواقعي" فيه إشارة إلى أنها معروفة ومكشوفة ويمكن مواجهتها، وربما جزء من المتورطين فيها معروضة ملفاتهم على بعض محاكم المملكة. أما استعماله ل "العفاريت"، وهي كائنات لا وجود لها في الواقع، وإنما توجد في الأساطير ومخيلة مؤلفي القصص والروايات الغرائبية، فيرجعه اللغويون للدلالة على "تلك الأيادي الخفية، التي ربما حتى بن كيران لا يراها ولا يعرفها، والتي تحرك خيوط اللعبة السياسية في المغرب ضدا على الإصلاح". أما بالنسبة لعامة الناس، فقد سألت "الرأي" بعض من التقتهم، بالإضافة إلى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فمنهم من اعترف بعدم معرفته بما يقصده عبد الإله بن كيران ب "الفاريت والتماسيح"، ومنهم من قال أنها "لوبيات الفساد"، وجزء آخر أشار إلى أن المقصود منها هي "الشخصيات النافذة"، في حين أجاب البعض الآخر بأن المقصود بها "أحزاب سياسية بعينها"، وسمى حزبين فقط، أما آخرون فيعتبرون أن توظيف بن كيران لهذه المصطلحات مجرد "هروب إلى الأمام وإخفاء لعجزه عن الوفاء بوعوده". ياسين، 23 سنة، متدرب بالتكوين المهني، قال أنه "لا يعرف ماذا يقصده بن كيران بالعفاريت والتماسيح"، مضيفا "إن على رئيس الحكومة أن يسمي لنا الأشياء بمسمياتها حتى يعرفها المغاربة"، نفس الشيء عبرت عنه خديجة، 19 سنة، طالبة جامعية، قائلة باختصار "لا أعرفها"، وكذلك قال الطالب سليمان، 22 سنة. فيما يرى الطلاب محمد وسي محمد وإبراهيم، أن الذي يقصده بن كيران بالعفاريت والتماسيح هم بعض الأحزاب السياسية "المخزنية والإدارية، خاصة واحد جوج ديال الأحزاب، لا داعي لذكرها". من جهتهم، قال الأساتذة اسماعيل ومحمد وعبده وإلهام ل "الرأي" أن المقصوص بالعفاريت والتماسيح هو "لوبيات الفساد التي تلتهم ميزانيات الدولة دون وجه حق"، وهم أيضا "أولئك الأشخاص النافذون الذين لا تستطيع يد العدالة أن تمتد إليهم". وذهب الطالب الجامعي محسن، 23 سنة، إلى أن التماسيح و العفاريت هي "العقلية المغربية التي تعتمد على الفساد و لفكر المبني على "القوالب"، موضحا "في السبيطار كاينين التماسيح هما لي كيخدموا بالرشوة، في التعليم كاينين التماسيح هما لي كايخدموا بالزبونية، في التجهيز كاينين التماسيح هما لي خدامين بالتدوير،. في الجماعات كاينين التماسيح هما لي خدامين بباك صاحبي وأنت ديالنا..."، مستنتجا "الحاصول مفهوم التماسيح والعفاريت كاين في العقلية المغربية، نهار تاخد بلاصة واحد آخر بالقوالب راك وليتي من التماسيح". أما "أسمون"، طالب جامعي، وغزلان، موظفة، ومهدي، رجل تعليم، فقد اعتبروا أن "بن كيران مني لقا راسو حصل بغا يسبيها فعفاريت وتماسيح لا توجد سوى في مخيلته"، ودعوا بن كيران إلى "الكشف عنها إن كانت موجودة فعلا ليبرهن عن شجاعته في مواجهة الفساد والاستبداد كما يدعي"، وفقا للمتحدثين ذاتهم.