فجأة طفوا على السطح. لم يقطر بهم السقف كما في التعبير الشعبي المسكوك، وإنما انفلتوا من عقال الوصاية والحجر ليعلنوا عن أنفسهم ملء القوة والعنف: انتبهوا، نحن هنا. كأنما ولدوا مكتملين، بلباسهم المميز وحلاقتهم المستفزة واستعراضيتهم المتحدية، والأهم السيوف التي يشهرونها في وجه المجتمع بوقاحة كما أشهر بطل الطيب صالح في تحفته الروائية "موسم الهجرة إلى الشمال" سيفه في وجه الغرب المتقدم. سلاح الضعيف؟ ربما. * أنا "مشرمل" هاهم اليوم يحملون وسم "التشرميل" كما يحمل الواحد وزر مجتمع بأكمله. يلتصق الانحراف والإجرام بهم كالمرض المعدي. وينشطون في الواقع وعلى الويب معا. يروعون الرأي العام، ويستنفرون أجهزة الأمن، ويلفتون انتباه الباحثين والمثقفين وأهل الرأي. ومع ذلك، ثمة من يرى أنهم مجرد جعجعة ليس إلا. "ضخم الإعلام كثيرا من حجمها". ذلك أن "الانحراف واستخدام العنف بالسيوف والأسلحة البيضاء لم يولد اليوم بل كان قائما، ويعيش بيننا منذ زمان» يقول النفساني الشهير عبد الله زيوزيو. لا أحد فعلا بإمكانه أن ينكر هذا الارتفاع المهول في نسبة الجرائم في المجتمع. يكفي مطالعة الجرائد اليومية لتبين هذه الحقيقة التي لا تحتاج إلى برهنة. ويرى زيوزيو أن الإحصائيات والبحوث العلمية المدققة تقول إن ارتفاع عدد السكان داخل رقعة جغرافية ما، يفضى آليا إلى ارتفاع نسب الجرائم والانحرافات. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك باتت المعلومة الإجرامية تنتشر بشكل سريع. و"التشرميل" نفسه استفاد من هذا الفضاء أولا، قبل أن ينسلخ من جلده الافتراضي، ويكشف عن وجهه الإجرامي واقعيا. «يمكن أن تكون الظاهرة مرتبطة بالحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلد» يقول مدير مارستان برشيد السابق.. ويتساءل: ألا تغذي الزيادات المتسارعة في الأسعار مثل هذه النزوعات؟.. القدرة الشرائية تنهار يوما بعد آخر منذ اعتلاء البيجيدي بقيادة عبد الإله بن كيران دفة التسيير الحكومي. هذا الضنك يولد وضعا اجتماعيا متوترا، قابلا للانفجار في أي لحظة « فوق هذا، حينما لا تمتلك الحكومة جوابا، تتعمق الأزمة أكثر. حقيقة الناس باتوا يشعرون بالرعب والخوف". * أبحث عن هوية إذا كان زيوزيو يرى أن الإعلام نفخ في جمر الظاهرة، وألبسها ثوبا أكبر من مقاسها، فإن الناشط الحقوقي والباحث الجامعي خالد بكاري يصفها الظاهرة ب «العابرة التي لا تحمل وعيا متقدما كما كان شأن حركة الهيبيزم مثلا، أو حركات أخرى عبرت عن نفسها من خلال موسيقى الشارع، وكانت تحمل وعيا بما يسمى ثقافة هذا الشارع». ظاهرة التشرميل «تعببر اجتماعي» يضيف الناشط الحقوقي، ينم عن رفض وليس احتجاجا «لواقع مأزوم من الناحيتين الاجتماعية والمادية. وهي كذلك بحث عن انتماء إلى مجموعة معينة»، بعد ما افتقد «المشرملون» إحساس الانتماء لقيم أسرهم ولما سعت المدرسة لغرسه بدواخلهم ،فباءت كل محاولاتها بالفشل. « لهذا هم في حالة بحث دؤوب عن الانضمام لأحضان جماعة معينة، ويجدون في لباسهم الخاص وأشكال الحلاقة والتفاخر بأمور أخرى، تعد في عين المجتمع سلبية، ملاذهم الوحيد للتعبير عن رفض ما هو سائد داخل كيان المجتمع» يضيف بكاري. نتيجة لفظ هذه الفئة الشابة من طرف المجتمع، وعدم إحساسها بأي انتماء إليه، تشق مسارا آخر باحثة عما يسميه الأستاذ بكاري صوغ انتماء معين بطرق مختلفة، تروم من خلاله لفت الانتباه، وتوجيه رسالة « مفادها إننا هنا. نحن نختلف معكم، ليس لأننا حاملون لقيم مختلفة عن قيم المجتمع. نحن نختلف عنكم لأنكم لم تستطيعوا إدماجنا واستيعابنا". فهل تصل الرسالة أن تبقى مجرد صيحة في واد؟ * بوصلة ثقافية بيد أن دحرجة الكرة إلى ملعب الإعلام للتخفيف من خطورة ظاهرة التشرميل بالقول إنها عابرة، قد يختزن موقفا تهوينيا، والحال أن الفاعلين داخل مشهدها شبان ومراهقون يعيشون على الهامش، ويحملون مواقف ساخطة على المجتمع بكل مؤسساته. خالد بكاري يزيل الغموض عن قوله السابق، ويحدد قصده قائلا «هي عابرة من حيث لباسها وطقوس تعبيرها»، وحينما تتبدد مظاهرها، وتغدو مع مرور الزمن عادية، ستولد من رحمها ظواهر أخرى شبيهة بها، لكن تختلف عنها من حيث الشكل. «أما الأسباب التي خلقتها فلن تموت، وستفرز ظواهر أخرى، وكلما صارت ظاهرة جديدة عادية، يجتهد المراهقون في البحث عن لون آخر غير اعتيادي". وكما قال بكاري بافتقاد أصحاب "التشرميل" لأي "بوصلة ثقافية" تنير لهم معالم الطريق، فإن عبد الله زيوزيو نزع عن سلوكاتهم الانحرافية صفة الاحتجاج بقوله : «هي ليست اجتجاجا بل تمييعا له». وضرب مثلا باحتجاج إلترات الوداد. إذ رفعت شعار ارحل ضد الرئيس أكرم منتزعة إياه من سياق ثوري آخر، ذي صلة بثورات الربيع العربي، وما ينم عما وصفه بالتمييع أن الشعار غزا كل أحياء المدينة كأن الدارالبيضاء لا تئن من وطأة مشاكل أكثر أهمية وخطورة من مجرد مشكل شخص واحد، قبل أن يتطور الأمر إلى هجوم مسلح على تداريب الفريق، «تبين في ما بعد أن بين عناصره شبان ينتمون إلى أحياء راقية وليس عامل الفقر والتهميش دائما يكون فاعلا» يؤكد زيوزيو. * البطالة.. أم المشاكل العامل الاقتصادي أو الفقر تحديدا، قد يكون بالفعل مهمازا يوقظ نيران هذه الظاهرة. إدريس الكراوي الباحث الاقتصادي، احتراما منه لتخصص الآخرين، نأى بنفسه عن الخوض في عباب ظاهرة تعد مجال نبش السوسيولوجيين بامتياز. كيف له أي يدلي برأيه في موضوع لم تسلط عليه بعد أضواء التحليل العلمي المتأني، وأي استنتاج لن يتجاوز عتبة الأحكام الانطباعية حسب قوله. ولكن هل يمكن أن يظل المعطى الإقتصادي بمنأى عن تغذية بزوغ مثل هذه الميولات الانحرافية؟ فالظاهرة يتناغل في دواخلها جمع من العوامل. وفي هذا الإطار يعتبر الكراوي أن "التشرميل" يندرج في نطاق الجيل الجديد من العنف الاجتماعي، وهو مرتبط بالإشكال الأم، البطالة.. فظاهرة مثل هاته تعبرعن إقصاء يرتبط في عمقه بهاته الإشكالية، وضرورة إيجاد فرص الشغل والإدماج الاجتماعي، وهو تعبير في بعض أوجهه عن سخط لذا يدعو إلى ضرورة الانتباه لمثل هذه الظواهر، ومعالجتها معالجة اجتماعية عن طريق إيجاد حلول لمعضلة البطالة، حتى لا يستفحل الإشكال أكثر، ولا نغدو قادرين على تطويق مثل هذا العنف الذي يفضي إلى انتعاش اقتصاد الجريمة. أمام غياب مراكز البحث الأنثروبولوجي والسوسيولوجي للانكباب على دراسة هذه السلوكات، كما سجل ذلك عبد الله زيوزيو، مبديا أسفه عن هذا الفراغ، يرتقع صوت المقاربة الأمنية حتى الآن، وهي سلاح ذو حدين، قد تولد عنفا مضادا لعنفها. هل تعد كافية وحدها لمواجهة خطر هذا المد الإجرامي والعنف بمختلف تجلياته؟ «الحملات الأمينة يمكن أن تحقق نتائج ظرفية، ولكن لن تحل الإشكال في العمق، بل قد تفضي لنتائج عكسية تماما». يقول زيوزيو. ما الحل إذا؟ هل ننتظر حتى تحتل هذه العصابات كبريات المدن؟ «المقاربة الأمنية والحملات التمشيطية أرى أنها إسبرين يسكن الألم، ولن يكون سلاحا ناجعا للقضاء على مظاهر الانحراف هاته» يجيب زيوزيو. لهذا يدعو إلى بلورة سياسة وقائية تقطع دابر "التشرميل" قبل أن يتطور ويتحول إلى غول يجوس دروب وأحياء ومدن البلد. ويذهب عبد الله زيوزيو أبعد من هذا، مطالبا بسن استراتيجية شاملة تشكل الثقافة نسغها، تحول دور الشباب إلى خلايا نحل تشتغل، كما كانت ذات زمن «الثقاقة كأداة لبناء الشخصية والتنشئة وليس لتزجية الوقت الثالث، لا بد من توسيع شبكة هذه الدور، حتى يجد الشباب فضاءات يفجر فيها طاقاته». * "حذاري" الرابور شحط مان أصدر أغنية موسومة ب «حذاري» عن التشرميل، دق فيها ناقوس الخطر عما يسود أحياء الميتروبول الاقتصادي من نقط سوداء، تتحول لبؤر إجرامية بمجرد أن يرخي الليل سدوله، وحذر من أن عدم الالتفات إليها، لإنهاء سيبة أمنية باتت هي شريعتها قد ينبئ بتطورات يصعب التحكم في مسارات تطوراتها لاحقا. ولاحظ وفق تصريحه أنه وقع انزياح في التعامل الأمني مع ظاهرة التشرميل «التعميم هو لي خايب وغير مقبول وبعض الشباب أصبحوا خائفين من النزول إلى الشارع» يقول شحط مان، إذ توصل من خلال لقاءاته المباشرة مع شباب ينحدر من المناطق المعروفة ب 04 بشكاوى عدم تمييز الحملات التمشيطية بين المشرملين الحقيقيين والمتشبهين بهم شكلا، إذ يتحول اللباس وطريقة تحليق الشعر إلى دليل اتهام مسبق. «لايمكن إلا أن نكون ضد مشاهد التشرميل المنتشرة عبر الفايسبوك.. سكاكين وسيوف وغنائم السطو، هذا فيه تحريض مباشر على الإجرام لكن ينبغي احترام الحرية الشخصية. لكل واحد أن يرتدي ما يشاء، ويحلق شعره كيف يشاء ما لم يثبت تورطه في أعمال التشرميل».. خالد بكاري يرى من الصعوبة بما كان الحديث في الظروف الحالية عن اجتثات أسباب الظاهرة من جذورها. ويبرر موقفه هذا بعديد أسباب. أولها يجب حل إشكال التعليم» الإقصاء داخل المدرسة، يولد شارعا يعج بالجرائم». ثائيا الوضعية الاجتماعية للأسر، يحول سوؤها دون الاضطلاع بدورها التربوي. ثالثا غياب فضاءات دور الشباب، بعدما كانت تقوم بدور حيوي داخل الأحياء الشعبية «وحتى الدولة في خطابها تعمد لنوع من التهوين والتقليل من خطورتها حينما يأتي مسؤول أمني ويصرح أمام التلفزة أن الأمر يهم مجموعة مراهقين وأن الظاهرة لا تتجاوز حدود الفضاء الافتراضي..» يقول الباحث مذكرا أن الربيع العربي انبجست عيونه الأولى من الفضاء الافتراضي، وكما تفجر منه بركان هذا الربيع، يمكن أن ينفجر منه شلال إجرام. ************************************* ثلاثة أسئلة إلى نور الدين الزاهي باحث اجتماعي * الاحتجاج انتحارا بحرق الجسد، العنف بعد نهاية مقابلات كرة القدم أو بعدها في إطار الالترات أو خارجها وخيرا وليس أخر ما بات يسمى بالتشرميل. كيف تقرأ ماهو ثاوي وراء هذا المشهد؟ ** أول شيء من المفترض وضعه بعين الإعتبار هو أن المجتمع المغربي عاش ولازال انتقالا ديموغرافيا ، مثله في ذلك مثل مجتمعات عربية أخرى ، أهله كي يكون مجتمعا يشغل فيه الشباب النسبة الغالبة . لذلك فمجموع الظواهر السلبية أو الإيجابية، التي يعرفها المجتمع يحتل فيها الشباب النسبة الكبرى . غلبة نسبة الشباب في المجتمع لا تحدث كل يوم أو سنة بل تفترض عقودا و عشريات من الزمن ، لذلك يسميها الديموغرافيون بالهبة أو الهدية الديموغرافية ، و التي إن استثمرها المجتمع جيدا بإمكانه التحرك نحو مستقبل تنموي آمن ، و إن لم يتمكن من دلك فستنقلب عليه بشكل درامي، و سيعيش ظواهر اجتماعية وتمردات نفسية و سياسية على كل المؤسسات . للأسف بالمغرب لم تستثمر هاته الهدية بشكل إيجابي، لهذا نعيش مع كل يوم ظواهر اجتماعية مفاجئة وصادمة : عنف قاتل تجاه الذات واتجاه الآخر، عنف ضد الأصول، اغتصابات جنسية للأطفال ، جرائم بالشارع العام، سرقات تحت التهديد، تفنن في صناعة الأسلحة البيضاء .اغتصابات وقتل… و الأخطر من كل دلك أصبحنا نتلقى مع كل يوم خبر الجرائم المجانية ( شباب تحت التخدير بالأقراص المهلوسة قتلوا و جرحوا أناسا بالشارع العام أو أمام محطة قطار من دون أن يسلبوهم أي شيء ، فقط هو العنف المجاني القاتل من دون أي مبرر .. ) أو شباب تابع مباراة في كرة القدم ولم يستسغ النتيجة، وتكون ردة فعله الضرب والجرح تجاه أناس لايعرفهم ، وإحراق السيارات و نهب المتاجر …أو شباب لم يرض بمسار فريقه الرياضي فيهاجمه في ملعب التدريب ويعنفه و يهينه.. أفعال عنف تطرح أكثر من سؤال حول مصير المجتمع المغربي : لم يحدث هذا ؟ و إلى أي مستقبل نحن سائرون كمجتمع ؟ لم يحدث كل هذا وبهاته الكيفية ؟ فرضيتان سوسيويولوجيتان تفسر ذلك : -بشكل موجز تتمثل الفرضية الأولى في كون المجتمع المغربي ولحدود الآن ، و على الرغم من كل الأوراش الكبرى التي انخرط فيها مند أكثر من 20 سنة ، لم يستطع أن يحيك نسيجا اجتماعيا يضمن لأفراده الحماية و الإعتراف، ومن ثم التعايش السلمي . يقوم النسيج الإجتماعي لكل مجتمع على التكامل والتفاعل بين الأسرة و المدرسة والشغل من جهة ( ما يضمن الحماية الإجتماعية للفرد) و تحقيق القدرة والحرية على الإختيار و تقرير المصير الفردي في الحياة الخاصة، والقدرة على المشاركة في الشأن العام المدني و السياسي من جهة أخرى ( ما يضمن الإعتراف الإجتماعي و السياسي بالفرد الإجتماعي ) . و يكفي في هذا السياق إدراك التفكك بين الأسرة و المدرسة و الطلاق الكامل بين المدرسة وسوق الشغل والضعف الكامل لتأطير المواطنين عموما والشباب خصوصا، وعزوفاتهم عن المشاركات السياسية العامة … للتحقق من غياب النسيج الإجتماعي و من ثم اللجوء الى اختيارت العنف لتحقيق الحماية و فرض الإعتراف الإجتماعي . -أما الفرضية الثانية فتكمن في ما يسميه السوسيولوجيون بالمصعد الإجتماعي ، الدي يكفل إمكانيات الترقي الإجتماعي والإقتصادي للأسر و الأبناء . المصعد الإجتماعي بالمغرب معطل ، وهو ما يقتل فكرة الطموح الإجتماعي والأمل في تحسن الوضع الإجتماعي ضمن غد قريب . قتل فكرة الأمل في الترقي الإجتماعي من أكبر منافد الجريمة و المخدرات و جميع أشكال الإنحراف الإجتماعي . * ما ذا يعكس ظهور ظاهرة التشرميل أخذا بعين الاعتبار معطى أساسيا أن فاعليها شباب ومراهقون؟ ** بخصوص ما تابعناه على الفايسبوك والجرائد و التلفزيون تحت ما ما سمي بمجموعة التشرميل التي أشهرت في وجه الكل هويتها الشبابية والمجرمة ، أقول إضافة الى ما سبق، أن مشكلة الشباب الأساسية الآن بالمغرب وخارج المغرب، هي مسألة الإعتراف المجتمعي بهم ككائنات اجتماعية لها قيم وأذواق ومطالب وكفاءات و قدرات فكرية و تدبيرية تفوق النخب التقلليدية أسرية كانت أو تربوية أو حزبية أو سياسية. و لأن مسألة الإعتراف المجتمعي غائبة بحكم غياب التمدرس الناجع المؤدي إلى الشغل المحقق للكرامة، فإن هذا الإعتراف المجتمعي الطبيعي يتم التعويض عنها بالرغبة المتوحشة في الظهور الإجتماعي العام و العمومي : عنف في المدرسة ، عنف ضد الأسرة، عنف ضد المجتمع، وإشهار هذا العنف بشكل عمومي عبر شبكات التواصل الإجتماعي ليراه المجتمع و العالم بكل قنواته الفضائية . إنه الفرض المتوحش للإعتراف والحل الأعمى أمام أنماط الإحتجاب التي يفرضها المجتمع بكل مؤسساته السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية عليهم كفئة اجتماعية.لذلك فإن مدخل الإعتراف الاجتماعي ( تمدرس و شغل يحفظ الكرامة ) والمشاركة في إنتاج القرارت السياسية (المشاركة المدنية و السياسية في السياسيات العمومية ) يبقى المدخل لتفكيك الميول المتوحش لفرض الظهور الإجتماعي . * هل المقاربة الأمنية تكفي؟ ** هل المقاربة الأمنية ناجعة في إسكات و إطفاء نار هاته الظواهر ؟ أقول لك بأن الأمن هو حق كل مو اطن على الدولة . لذلك فهو ضروري لضمان أمن وسلامة الحيوات و الممتلكات و الحريات . لكن حينما يصبح مقاربة مسيطرة و مهيمنة على المقاربات الإخرى هنا تكون المشكلة . الأمن هو عنف الدولة نحو المجتمع، ولكي يكون عنفا مشروعا، عليه أن يخضع كمقاربة لمقاربات أعلى قوة منه حتى لا يتحول إلى عنف متوحش و متسلط و قامع يحارب عنفا شبيها به . شرعية المقاربة الأمنية تتأتى من خضوعها للمقاربة الحقوقية ( السهر على أمن و سلامة الناس و كرامتهم طبقا للقانون و للحقوق )و ارتكازهما معا على المعرفة والعلم في تشخيص ظواهر المجتمع، ورصد تحولاته و انحرافاته ومواطن ضعفه، و هنا تحضر ضرورة المؤسسات و المراكز و المعاهد المختصة في علوم الإنسان و المجتمع. أننا الأن نعيش عالميا مجتمعات المعرفة. و المقصود بها أن كل أفعال المجتمع و الدولة إن لم ترتكز على رأسمال المعرفة و البشر فلن يكون أمامها سوى مصير الزوال الحافي . نور الدين زروري