الإثنين الماضي، رحل الإذاعي أحمد الأزمي عن هذه الدنيا بعد سكتة قلبية مفاجئة عن سن 65 سنة. رحل بعد أن قضى ما يزيد عن أربعين سنة من العمل الإذاعي، وبعد أن ربط علاقة وطيدة بينه وبين مستمعي إذاعة فاس، التي اشتغل بها وحدها 35سنة فيما عمل بضع سنوات بالإذاعة الوطنية وبضع أخرى بإذاعة وجدة. الدموع، التي ذرفها عليه أبناؤه الستة (ثلاث بنات ومثل عددهن ذكور)، امتزجت بالأسى على فقد أب عزيز وحنون، وبكثير من الحسرة على أنه رحل دون أن ينال حظه من الاحتفاء. "في الواقع، هو دائما ظل يرفض التكريمات، التي كانت تُقترح عليه بسبب أن عزة نفسه كانت تمنعه من قبول أن يتم جمع المال باسمه... ما تيرضاش وكان يعتبر الأمر فيه الكثير من "الحكرة". يفضل كل ما له دلالات رمزية ومعنوية وإنسانية أكثر من بحثه عن الماديات في مثل هذه التظاهرات. لكن، مع ذلك، لابد من الإقرار أنه تم إجحافه حقه لما كان حيا. وموته المفاجئ رزأنا فيه وجعلنا ندرك حقيقة أنه تم بخسه حقه كإذاعي يُشهد له بالكفاءة والموهبة. لكن ما يحز في النفس هو أن رحيله مر في صمت ودون اهتمام من الجهات المسؤولة عن الإذاعة»، تقول ابنته ضحى، رئيسة قسم التواصل والإعلام بمسرح محمد الخامس وخريجة المعهد العالي للتنشيط المسرحي والثقافي، التي، مع ذلك، ترفض التوقف كثيرا عند هذه المسألة تحديدا موضحة أن الاحتفاء بالأشخاص لابد من أن يتم في حياتهم وليس عند أو بعد الوفاة. على الأقل، هكذا، يمكنهم أن يحملوا معهم إلى مثواهم الأخير ذكرى إنسانية جميلة... أحمد الأزمي، رحل. لكنه، خلف أكثر من ذكرى. الكثير من الذكريات والأشياء الجميلة، التي سيتذكره من خلالها، بطبيعة الحال ذويه ومعارفه وأصدقاؤه الحميميين، لكن كذلك، التي سيتذكره من خلالها جمهوره الوفي لأعماله الإذاعية الكثيرة والمتنوعة. إنتاجات توزعت بين البرامج الترفيهية والرياضية والمجلات الثقافية الشعبية... رجل إذاعة بالفطرة. صقل الموهبة بالعمل مما جعله يحظى بشعبية واسعة سيما مع تقديمه لبرنامجه الشهير "قالوا زمان"، الذي يُعنى بالتراث الشفهي الشعبي. كان حازما، لكن معروف بخفة الظل والقدرة على خلق النكتة. مثقف وواسع الاطلاع، هو الذي أنجز الكثير من الأبحاث والدراسات المتصلة بالأمثال الشعبية. لكن غير متعالم. لذلك، اتسمت برامجه بلغة بسيطة سيما، تلك التي يقدمها باللغة الفصحى. وكان ينحو إلى اختيار العامية لتقديم غالبية برامجه للوصول إلى أوسع شريحة من المستمعين. وله عادة، استهلال برامجه الثقافية أو الترفيهية إما بأمثال من الموروث الشعبي أو بقصائد زجلية أو بالشعر الفصيح... تعددت مواهبه، فهو شاعر وصحافي وكاتب. وتبدت كما تكرست قدرته الكبيرة على الارتجال. لذلك، يشهد له زملاؤه في العمل بأنه كان «إذاعيا موهوبا بل وفذا من حيث القدرة على الاشتغال والإنتاج والعطاء بشكل جيد مهما كانت الظروف». خصاله المميزة كثيرة وإيجابية كلها، لكن أبرزها، حسب تأكيدات بضع من عاشروه، القلق المستمر والصراحة الشديدة. «كان يقول رأيه بصراحة . صادقا يحب قول الحقيقة مهما كلفه ذلك. يمقت التملق والنفاق. وهذا كان يجلب له الكثير من الصعوبات في حياته . كان يؤمن أن النجاح لايعكسه الثراء والمال وإنما القدرة على الثبات على المبادئ والقناعات» يؤكد رفيقه الوفي، الحاج محمد الإدريسي الحسني، مدير صحيفة "شؤون محلية" بفاس. "ضد التيار" ، هكذا كان والدها، تقول ضحى، التي تزيد موضحة :«كان يرفض الانضمام إلى جوقة المتملقين والمنافقين.صراحته الزائدة خلقت له خصوما سيما في المجال». خصوم، هذا أكيد، لكن ليس أعداء مثلما يوضح الحاج محمد الإدريسي :«مواقفه الثابتة والصارمة وصراحته الكبيرة، كانت تجعل منه شخصا مُهابا يحترمه الجميع، أصدقاؤه قبل خصومه. ولم يكن له أعداء بقدر ما كان له خصوم يختلف معهم في الرأي ولايتردد في أن يقول لهم حقيقة من هم بوضوح. قد تختلف معه في الرأي لكن لا يمكنك سوى الإقرار بأنه شخص مستقيم وذو أخلاق عالية. الكل يشهد بذلك». الأربعون سنة، التي قضاها أحمد الأزمي منتجا إذاعيا، لم تكن كلها سهلة. فقد عانى كثيرا لإثبات الذات، سيما في عصر الإذاعة الذهبي، حينما جايل عمالقة هذا الجهاز هو الصبي الغر حينها. كان يتعين عليه تحدي قدراته وصقل مواهبه كي يصنع لنفسه موطئ قدم. وهذا ما تحقق له بالصبر والاستماتة، تبعا لما تقوله ابنته ضحى وصديقه الحاج محمد الإدريسي. لقد رحل، بعد أن ترك في أرشيف الإذاعة العديد من البرامج الجميلة ذات الصدى الكبير قيد بثها، سواء كانت فنية أو رياضية، هو الذي يقدم برنامجا رياضيا على أثير إذاعة فاس. لقد رحل صاحب أغنية "باغيا فلاح "، التي منحتها غيثة بنعبدالسلام صوتها وضاهت حينها أغاني شرقية شعبية وخفيفة.