حالة استهجان وغضب تعيشها فئة من سكان دار بوعزة ممن دخل الحزن بيوتهم عبر الطريق الجهوي 320، أو ما يعرف بطريق أزمور. راحل لن يعود، وجريح سيحمل ندوب الحادثة مابقي من عمره، وآخرون يتملكهم الخوف من ملاقاة أحد المصيرين. مشاهد قاسية تختزلها ذاكرة المقربين من الضحايا، أو الشهود الذين عاينوا بعضا من هذه الحوادث التي أصبحت عبئا إضافيا على سكان المنطقة الذين يعانون من مظاهر إستغلال الملك العمومي، وغياب الأمن داخل بعض الدواوير، وضعف البنية التحتية… تبدو الأمور على مايرام، أو هكذا يتخيل العابر لطريق أزمور الذي يستمتع برتابة المشهد المؤثت ببضع شباب يعرضون بضاعتهم ذات السمات الصيفية، من ألعاب بحرية خاصة بالأطفال، وأطواق نجاة، وألواح لركوب الموج. ينتاب الزائر نوعا من الفضول وهو يطالع الممرات الفرعية الأشبه بشرايين عشوائية تربط الدواوير بالتجزئات السكنية والفيلات الشاطئية، حيث يضطر سكان الدوواير إلى المرور عبر طريق أزمور.. الوقوف أمام معمل النسيج فيلمار، أو " أوزين الخيط" كما يطلق عليه سكان المنطقة، يذكر أن العبور لا يكون دائما آمنا، حيث تشربت الطريق المحاذية للمصنع دماء شاب عرف بطيبوبته بين سكان المنطقة، مما خلق بينهم حالة من الإستنكار عقب وفاته. أرملة تعيش على المهدئات.. وتنتظر من ينصفها استنكار وتعاطف لن يعيد الراحل كما تشير أرملته بشرى، الشابة العشرينية التي تعذر اللقاء المباشر بها، بعد دخولها في حالة انهيار عقب سماعها بخبر وفاة الزوج، « لقد ألزمتني الصدمة الفراش .. لا يمكنني النوم إلا بعد تناول المهدئات، وأنا الآن ببيت والداي بواد زم» تقول بشرى بصوت متقطع خلال اتصال هاتفي أجرته مع الأحداث المغربية، بعد أن تعذر اللقاء بها داخل بيتها الذي كانت تكتريه رفقة زوجها داخل دوار الحصيري، بسبب وضعها الصحي. «ربما لن أتمكن من البقاء في ذلك البيت، لأنه لا معيل لي بعد المرحوم، وأنا الآن أم لرضيع في شهره السادس» تقول أرملة عبد الله التي حاولت لملمت كلماتها بصعوبة بسبب تأثير الصدمة، « حتى الحجر لا يمكنه الصمود أمام مثل هذه الصدمة، وقد زادت الإشاعات من تأزيم نفسيتي، حيث ادعى البعض أنه أقدم على الانتحار من أجل تبرئة الفاعل، والبعض يدعي أنني التقيت أسرة الجاني من أجل تسوية الملف مقابل تعويض مالي .. كل هذه الأمور عارية من الصحة .. لا شيء يمكنه تعويض غياب الراحل .. منقدرش نوصف لك باش كنحس» تقول الأرملة الشابة بحرقة تخنق كلامها وتدفعها للصمت للحظات.. ليسمع صوتها من جديد عبر الهاتف. لم تعتقد بشرى التي عاينت حادثتين مميتتين بنفس الطريق، أنها ستكون يوما طرفا في قصة دامية تعيد لذاكرتها تفاصيل ما سبق أن عاينته. «حياة الناس ماشي لعبة» عبارة تختصر بها الأرملة تأفف سكان المنطقة الذين انتفضوا عقب وفاة زوجها بسبب تردي الوضع الطرقي داخل بعض المناطق، أو عدم احترام قوانين السير داخل الطريق الجهوي، إضافة إلى تخاذل رجال الوقاية المدنية عن الوصول في الوقت المناسب، مع افتقار مستشفى مولاي الحسن بدار بوعزة للتجهيزات اللازمة لإستقبال الحالات الحرجة … معطيات ثابتة تجعل من السيناريو قابلا للتكرار في أي لحظة، مما يرفع من وتيرة تخوف السكان. ثغرات محضر الدرك تغضب ساكنة دار بوعزة كان من الصعب دفع بشرى إلى حث ذاكرتها على استحضار سيناريو الحادث من أجل الوقوف على مكمن الخلل داخل طريق أزمور، وذلك مراعاة لمشاعرها وحالتها النفسية المنهارة. التفاصيل الدقيقة عن الحادثة التي أججت حالة الاستنكار تم تجميعها من شهادة أحد الأصدقاء المقربين للراحل، « محاولة إقحام سيناريو الانتحار لا أساس لها من الصحة، لأن السبب المباشر في هذه الحادثة بالضبط هو عدم احترام قوانين السير، لأن الإنارة متوفرة في هذه النقطة، كما أن السرعة محددة في 60 كلم» يقول صديق الراحل الذي حضر معه صلاة التراويح بمسجد الأمنية مساء الأربعاء 17 يوليوز 2013، ليتوجه الصديقين بعدها نحو مقهى محاذي لطريق أزمور. افترق الصديقين، وخلال اجتياز الراحل عبد الله الطريق من أجل العودة للبيته الصغير حيث تنتظره زوجته وطفله ذو الستة أشهر، توقف بنصف الطريق، ثم أكمل سيره بعد أن خففت سيارة قادمة من سرعتها لتسمح له بالمرور، إلا أن سيارة أخرى كانت قادمة بسرعة غير قانونية، اجتازت السيارة لتصدم عبد الله وتلوذ بالفرار. تولى أحد السائقين تعقب السيارة، بينما ظل عبد الله الذي أصيب بكسور ينزف على الطريق لمدة تقارب الساعة، «حتى أن كل من شاهد الحادث رأى كيف غطت دماؤه الطريق» يقول أحد أصدقاء الراحل الذي تم نقله إلى مستشفى مولاي الحسن مرفوقا ببعض المواطنين الذين عاينوا غياب الأجهزة اللازمة، وطالبوا بنقله نحو مستشفى آخر. بعد ربع ساعة من دخوله المستشفى، فارق عبد الله الحياة وسط استنكار المرافقين لتأخر تقديم الإسعافات للراحل، مع غياب التدخلات اللازمة التي من شأنها إجبار السيارات على احترام السرعة. تمكن أحد المواطنين من تدوين رقم السيارة، وتقديمه في ورقة لرجال الدرك. لم ترق الثغرات التي تضمنها المحضر الكثير من الساكنة الذين لم يستسيغوا إغفال فرار صاحب السيارة الذي سبق تورطه في حادثة اعتداء على رجل أمن، والسياقة بسرعة جنونية. خطر يتربص أطفال الدواوير المجاورة عاود المشهد الدموي الظهور على نفس الطريق، مما جعل أصوات من المنطقة تدعو إلى تنظيم وقفة احتجاجية تجنبا للحوادث التي عرفتها نفس الطريق بعد وفاة الشاب عبد الله، حيث توفيت سيدة في نفس الأسبوع، وفق شهادة بعض الساكنة الذين أشاروا إلى كون السيدة صدمت من طرف سائق كان يعبر الطريق بسرعة كبيرة داخل أحد النقاط السوداء التي لا يحترم فيها التشوير الطرقي، أو علامات تحديد السرعة، وحق الأسبقية، ويتعامل الكثير من السائقين بنوع من اللامبالاة مع المارة الذين يضطرون للمرور عبر طريق أزمور، قادمين من الدواوير المجاورة للإلتحاق بعملهم، أو لعرض بضاعاتهم على الطريق، أو لقضاء بعض الوقت على الشاطئ ، وهو ما جعل الكثير من الأصوات تنادي بإقامة قنطرة لحفظ الأرواح، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يضطرون للإلتحاق بمدارسهم، أو اللهو على الشاطئ، أو العمل خلال الصيف من أجل توفير مصاريف الدخول المدرسي… " الأربعاء الدامي" .. يتهدد السكان من جديد الكبار كما الصغار ليسوا في مأمن من الخطر الذي يتعقبهم عند كل مرور اضطراري عبر هذه الطريق، حتى في حالات الحذر الشديد بسبب تجاوز السيارات للسرعة المسموح بها حسب شهادات السكان المتضررين، والذين أنشؤوا ما يشبه الأرشيف لحصر الأضرار التي يتعرض لها سكان الدواوير المنتشرة بالمنطقة، حيث أشار العديد من الشهود إلى أن الصدفة عملت على تكرار نفس السيناريو القاتل الذي وقعه سائق متهور مساء الأربعاء 17 يوليوز2013، والذي انتهي بموت النادل الشاب عبد الله، ليعمل متهور آخر على إزهاق روح رجل أربعيني من دوار الحصيري في نفس النقطة التي تشربت دماء الشاب عبد الله، وهو ما أثار غضب الساكنة من جديد. حالة من التشاؤم تتملك بعض المتتبعين لمسلسل الحوادث الدامي، وهو ما دفعهم للترقب من يوم الأربعاء، أو التخوف من نقاط عبور بعينها. لم يخلف "الأربعاء الدامي" موعده، حيث عرفت المنطقة حادثا آخر يوم الأربعاء 24 يوليوز 2013، في حدود الساعة العاشرة ليلا، وذلك بعد أن صدم شاب بسيارة تجاوزت السرعة المسموح بها، عندما كان يهم بعبور الطريق. لحسن الحظ لم يتعرض الشاب لإصابات خطيرة، وتم نقله نحو مستشفى الأمير مولاي الحسن. الطرق المظلمة تزيد من خطر الحوادث ويستمر مسلسل الحوادث على الطريق الجهوية 320، لينال شهر غشت نصيبه من "قرابين هذه الطريق"، حيث تعرض عبد الحق البالغ من العمر 44 عاما، إلى حادثة سير خلال عودته نحو الدوار الذي يقطن به. لم يكن الرجل الذي يمتهن بيع البيض، والذي اضطرته لقمة العيش إلى عرض بضاعته بعيدا عن محل سكناه دون اكتراث لعقارب الساعة التي لم تسعفه على تناول إفطار رمضان رفقة أسرته .. لم يكن يعلم أن اللحظات التي ستعقب ارتشافه لبعض الحليب ستكون دامية ومؤلمة. واصل الرجل السير بعربته وسط الطريق المظلم، قبل أن تفاجئه سيارة من نوع "مرسيدس"، رمادية اللون، لتتركه خلفها أشبه بالجثة الهامدة بعد أن صدمته بقوة، مما تسبب في ارتطام رأسه بالأرض، مع تعرضه لجرح غائر وكسر على مستوى الرجل. اندفع الحاضرون ممن تواجدوا بالصدفة في مكان الحادث، ليعاينوا الرجل الممدد، ويلتقطوا له صورا توثق للحرب التي تعيشها هذه النقطة، بعد أن فر السائق من المكان مخلفا مرآة المراقبة الخاصة بسيارته "ممددة" إلى جانب بائع البيض الذي لم يفلح في الوصول إلى بيته، لتصبح وجهته الجديدة نحو مستشفى مولاي الحسن، التي تشكل نقطة عبور أولية لضحايا الطريق، بانتظار نقلهم نحو مستشفيات أخرى لإجراء باقي الفحوصات التي تكشف حدة ما يتعرض له المصابون "المحظوظون".. لنجاتهم من الموت. النجاة بضربة حظ، يرفع من غضب بعض الساكنة الذين يرون أن إهمال بعض النقاط السوداء يشكل نوعا من اللامبالاة والإستخفاف بأرواح الساكنة المجبرين على المرور من طرق تفتقر للإنارة العمومية، وهو ما يدفع ببعضهم إلى التفكير في القيام ببعض الوقفات التي من شأنها إسماع صوت الساكنة للمسؤولين داخل المنطقة، بعد أن فشل أسلوب تقديم الشكايات في تحريك المسؤولين. السرعة المفرطة .. المتهم الأول لا تقتصر لائحة الضحايا على الراجلين فقط، خاصة في الحالات التي يتعلق الأمر بالسرعة المفرطة، حيث يدفع استهتار بعض السائقين الذين يفضلون عبور الطريق بسرعة جنونية، وخاصة منهم الشباب، حيث عاينت "الأحداث المغربية" خلال تواجدها بالمنطقة العديد من التجاوزات لشباب يتسابقون على الطريق، وآخرون يقودون سيارات رياضية متوجهة نحو الشواطئ الخاصة، أو بعض الأندية المتواجدة بالمنطقة دون احترام لقانون السير، خاصة فيما يتعلق بتحديد السرعة، وعملية التجاوز، وهو ما يعرض المارة، وكذا السائقين للخطر. وقد أشار أبناء المنطقة أن الكثير من الحوادث بين السيارات تكون بسبب تهور أحد السائقين، مما يجعل السائق الآخر ضحية لخطإ غيره، وأحيانا يكون التهور من الطرفين بسبب العناد بين السائقين. ويعمل أبناء المنطقة على توثيق مثل هذه الحوادث بهواتفهم النقالة، كما هو الحال بالنسبة لبعض الصور التي عاينتها الأحداث المغربية، والتي توثق لحادثة انقلاب شاحنة صغيرة ونجاة سائقها من الموت، بعد اصطدامها بسيارة صغيرة بسبب تجاوز السرعة المسموح بها. سكينة بنزين