لا أحد يعلم إن كان من صميم الحظ السيء لعاشقي الرياضة في المغرب، أن لا يدوم استمتاعهم بظاهرة رائعة ومبدعة مثل حركة ‘‘الاولترا‘‘ إلا سنوات قليلة، لتسقط بغباوة شديدة في دوامة من العنف، لا ندري كيف تسلل إلى معانيها الرومانسية الجميلة. لكن الأكيد، أنه ليس فقط محبي كرة القدم ومتابعي المباريات الوطنية، بل المغاربة جميعا، يقفون هذه الأيام، على الأضرار الجسيمة التي يمكن أن تلحق بالعباد والبلاد، إذا ما أصر المحسوبون على الظاهرة على الاستمرار في التسلح بالسيوف عوض الألوان، والقرقوبي عوض الشعارات والتيفوات التي تختص بتشجيع الفرق المتنافسة. وقائع انحراف الظاهرة ليست وليدة اليوم. رجوع بسيط إلى حالات مؤسفة بدأت صغيرة، وانتهت بما صدم البيضاويين والمغاربة أمسية الخميس 11 أبريل الماضي، يكشف حقيقة الورم الخبيث الذي تسلل إلى الأنسجة المختلفة في جسد التشجيع الرياضي بالمغرب. صدى العنف الغريب والشديد الذي عاشته فضاءات ملاعب كبيرة مثل مركب محمد الخامس في الدرالبيضاء في مباراة الوداد البيضاوي والنادي القنيطري، ثم الوداد البيضاوي والجيش الملكي، السنة الماضية، مازال يتردد إلى اليوم. ماحدث في وجدة في مباراة المولودية ونهضة بركان برسم منافسات القسم الثاني للبطولة المغربية لا يقل بشاعة، وخطورة الإصابات التي تلقاها مشجعون قدموا من مراكش للبيضاء مباراة الرشاد البرنوصي والكوكب المراكشي هذا الموسم، مشهد آخر من مشاهد العنف المجاني، أو المدبر، الذي تعيشه كرتنا اليوم. العنف يكتسي أحيانا لباسا داخليا، ويتبادله مشجعو الفريق الواحد، ولعل عدسات الكاميرا وهي ترصد الهجومات التي مارسها مشجعون رجاويون بالعصي والقطع الحديدية، ضد مشجعين رجاويين في مباراة الجيش الملكي الأخيرة، رصد ثاني لهذا الواقع المريض. زيت فوق النار ‘‘ البلاك آرمي ‘‘ … ‘‘ اولترا عسكري‘‘ … ‘‘ الوينرز ‘‘ … ‘‘ الغرين بويز‘‘ …‘‘ حلالة بويز ‘‘ … ‘‘ الفاتال تايغرز ‘‘ … وغيرها، حركات لمناصري الفرق المغربية الكبرى، لكن أيضا صفحات على الانترنيت والمواقع الاجتماعية كالفايس بوك. المجال الافتراضي الحر، فسح لها مجالا واسعا للتعبير عن ذاتها عبر إبداعات المشرفين على صفحاتها، ومساهمات المتعاطفين من مختلف المستويات الثقافية والفكرية والاجتماعية. وجب التذكير أن الأولترا كحركة تشجيعية، ليست كيانا ماديا واضحا، فهي لا تتوفر على مقرات ولا تحدد تراتبية معينة بين مكوناتها، فيما يجتمع أفرادها ويتفرقون بشكل هلامي لا يخضع لأي عرف مكتوب. من هنا تأتي أهمية الانترنيت في التواصل لديها، وتمرير خطاباتها. الخطابات، التي تكتسي طابع الهدوء أو لا تخرج عن إطار الرياضة أو تحتمل القليل من الاستهزاء أو السخرية، ترتبط بالمباريات السهلة للفرق التي تتوفر على أولترات مؤثرة. لكن الملاحظ أن الأمور تأخذ منحى أكثر عنفا، على المستوى اللفظي أولا، حين تقترب المواجهات الكبرى بين الأندية الكبرى. هنا يمكن الحديث على أن تاريخ الزعامة الكروية في المغرب، يغذي لدى بعض صغار العقول أو المصرين على التحريض، هذه النار المستعرة على الانترنيت. يبتدأ كل شيء ببوست صغير ومعبر لأحدي المشرفين على صفحة واحدة منها على الفايس بوك، لتنتشر على الفور، الأعمال الانتقامية الافتراضية. دوامة متسارعة من العنف والعنف اللفظي المضاد، غالبا لا تنتهي إلا بانتهاء المباراة فعليا على أرض الملعب. أحيانا تستمر المشاحنات إلى أبعد من ذلك. مباراة الرجاء والجيش الأخيرة نموذج مثالي للكوارث التي يمكن أن تلحق بالفضاء المشترك الذي نتقاسمه في هذا البلد، والتي يتسبب فيها هذا النوع من التهييج المتبادل. لأسبوع كامل، توعد القادمون من الرباط نظرائهم البيضاويين بكل أنواع الأذى الممكن. أكثر من ذلك، يومين قبل اللقاء، فجر مشجعو الفريق العسكري مفاجأة من العيار الثقيل، حين عمموا على صفحة أولترا ‘‘ البلاك آرمي ‘‘ على الفايس بوك، فيديو يظهر ما سمي بعملية ‘‘ احتلال الدارالبيضاء ‘‘. وقدم الفيديو مشاهد لملثمين من جمهور الفريق العسكري وقد حلو بمنطقة عين البرجة بالبيضاء، وشرعوا في تدوين مخطوطات على الجدران، تمجد الهجوم الليلي الرباطي على المدينة. صب الزيت على النار عبر الفايس بوك، شكل أول من أشكال التهييج المتبادل لمناصري الفرق المغربية. وإذا كان المشرفون على الصفحات يحاولون ما أمكن تهدئة ‘‘ السعار ‘‘ الذي قد يتسلل من خلال بعض التعليقات، فإنه لا يكون بمقدورهم مراقبة كل المتدخلين على خط النقاشات الساخنة. أحيانا، يكفي تعليق بسيط، بسخرية لاذعة أو عنف مجاني، في إشعال نار حقد متبادل، قد لا تبدد إلا بالتصعيد الفعلي عند المواجهة. العنف لإثبات التفوق التصور الثابت لدى المنتمين لمجموعات المناصرين بالزعامة أو الريادة، تبدو أوضح في مدينة الدارالبيضاء من غيرها في باقي المدن. الكثافة السكانية للمدينة انعكست منذ زمن بعيد على أعداد المناصرين لأكبر ناديين فيها : الرجاء والوداد. إذا أضفنا لكل هذا، الصراع الرياضي التاريخي بين الناديين، والحيثيات التاريخية في تأسيسهما ومنافستهما الأبدية، يصبح من البديهي ملامسة هذا الصراع على مستوى التشجيع أيضا. شهر فبراير الماضي وصل مستوى الصراع بين مناصري الناديين إلى خطورة غير مسبوقة، تهدد النسيج الاجتماعي للمدينة. فبعد أسابيع من الشحن والتهييج المضادين، اتفقت مجموعات من مناصري الناديين، بينهم عناصر تنتمي لاولترات الفريقين، على تجسيد الصراع على أرض الواقع بضرب موعد واضح، للالتقاء وتصفية المشاكل بينهما بالقوة. وهو ما حدث بالفعل في عدة مناطق من الدارالبيضاء، كالمعاريف ودرب السلطان ودرب غلف ووسط المدينة. تراشق بالحجارة … ضرب وجرح باستعمال العصي والقطع الحديدية والأسلحة البيضاء، أدى إلى إصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة، وانتهى باعتقال أعداد كبيرة من الطرفين. خروج المجموعات المتناحرة من أنصار الناديين لتصفية حساباتها في الشارع، ليس دليلا على ما وصلت إليه مؤشرات الكره ورفض الآخر لدى مشجعي الفريقين المتنافسين في العاصمة الاقتصادية فحسب، بل صورة مصغرة عن حرب الشوارع المفتوحة التي من الممكن أن تمتد للمدن الأخرى، في حال تبني تصور العنف المباشر كحل لنقاشات الزعامة بين مناصري الأندية الأخرى. الاقتراب من النقاشات المفضية على هذا الحل العنيف، يحيل على استبداد مراهقين أو شباب في سن يافعة بالقرار ضمن مجموعات المناصرين، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الدور الذي يلعبه مؤطرو هذه المجموعات، في تهدئة العناصر المتناحرة. استجواب المسؤولين عن حركات الاولترا المختلفة ينتهي دائما بإنكار أي تشجيع أو تحريض على العنف. وهو ما يعتبر صحيحا إلى حد ما، لأنه من الواضح أن هذه الأحداث تؤثر على صورتها الرياضية والاجتماعية. غير أن الأوضح، أن هذه الدعوات إلى العنف المباشر، تتم على صفحات هذه الحركات، من طرف مجموعات صغيرة من المناصرين، يخرجون عن طوق الضبط والمراقبة، ما يطرح أكثر من سؤال حول دوافعهم الحقيقية أو الجهات المختفية وراء تعليقاتهم المهيجة، من هذا الجانب أو ذاك. ردود أفعال انتقامية تتطور الأحداث بين جماهير الفرق الكروية، كردود أفعال انتقامية حول ما يعرف بالرسائل : ‘‘ المسياجات‘‘ في لغة الملاعب اليوم. غالبا ما تستعرض أثناء سير المباريات في صمت تام، وتوجه لجمهور الفريق المناسب. بطبيعة متعصبة أو بسخرية لاذعة تصل أحيانا إلى حدود التحقير، تشكل هذه الرسائل مادة لتهييج الجمهور المعني أو الفريق الآخر. الأخير يقرر بدوره الرد عليها، أحيانا عن طريق رسائل مضادة تحمل نفس الصبغة العدواني. لكن، وفي حالات أخرى يتقرر الانتقام من موجهي الرسائل بطريقة مباشرة، تصل إلى العنف. الجماهير التي تكون في وضع السفر، ‘‘ ديبلاصما‘‘ في لغة الجمهور اليوم، غالبا ما تقرر الانتقام لفحوى الرسائل التي حقرت من شأنها، عند استقبال جماهير الفريق المنافس. الحالة تتكرر في الصراع بين جماهير الرجاء والوداد والجيش الملكي، وبدرجة أقل جماهير القنيطرة وفاس ومراكش، عندما كان الفريق المراكشي يمارس ضمن أندية الصفوة. الرسائل المكتوبة في شكل لافتات على القماش، تستهدف الإذلال ما يمنحها وقعا سيئا في الجهة المقابلة. التاريخ الحديث لحركة ‘‘ الاولترا‘‘ يحفل بالعشرات منها، منها ما لايزال عالقا بالأذهان لقوة العبارات المستعملة. منها على سبيل المثال لا الحصر : ‘‘ الرجا ميردا ‘‘ لجمهور الجيش الملكي، و‘‘ الرجاوي عروبي جاي من الدوار ‘‘ لجمهور الوداد البيضاوي، و‘‘ 35 درهم للصندوق و15 درهم واقي جنسي لأختك‘‘ لجمهور الرجاء البيضاوي موجه للجماهير الحمراء خلال الديربي الأخير. يدخل الانتقام بين جماهير الفرق الكروية في دوامة عنف لا تتوقف، بعد عودة الجماهير المتنقلة إلى المدن الأخرى وتعرضها لأعمال عنف فيها. نقل ما وقع على أنه اعتداء وتنكيل وتعرض للسرقة وسلب الممتلكات والأموال، بالإضافة إلى كل معاني المعاملة السيئة، يذكي نار الانتقام في نفوس الذين ارتحلوا والذين لم يرتحلون.