"العداء" الكبير الذي بات يميز العلاقة التي تربط بين جمهوري الرجاء الرياضي والجيش الملكي لكرة القدم، ليس وليد هذا الموسم، بل يعود لسنوات طويلة، انطلقت شرارته الأولى في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. غير أن هذا التوتر في العلاقة لم يصل إلى "الحروب" التي باتت تؤثث مباريات الفريقين في السنوات القليلة الماضية، بل كانت تتبلور فقط في المدرجات على شكل هتافات تمجد أبناء المدينة ونبلهم وشهامتهم، وترمي أبناء المدينة الأخرى بكل أنواع السباب والألفاظ النابية. لكن الأمور تطورت بتطور وسائل الاتصال، ودخول الإنترنت إلى الأحياء الشعبية في العاصمتين الإدارية والاقتصادية، ليجد مشجعو الفرق ضالتهم في ممارسة هواية الحط من قدر الفريق المنافس وجمهوره، عبر شبكة الانترنيت وغرف الدردشة والمواقع الاجتماعية وعلى رأسها الفايسبوك، واليوتيوب، ليصنعوا من أنفسهم نجوما يظهرون ملثمين في الصور والفيديوهات يتوعدون بعضهم البعض قبل موعد المباريات. حينئذ يخرج الصراع من "خيوط الشبكة العنكبوتية" إلى محيط الملعب والشوارع القريبة منه التي تتحول إلى ساحات لحروب حقيقية تستعمل خلالها الحجارة والقنينات الزجاجية والسلاح الأبيض، والماء الحارق..في مشهد مقتطف من أفلام حرب العصابات في شوارع نيويورك في ستينات القرن الماضي. القداحة التي أشعلت فتيل "العداوة" "الدورة 30...السواطر والما القاطع..واللي راجاوي يهضر !.. "..هذه هي العبارة التي كان يرددها الجمهور العسكري، في العام 2005، خلال مسيرة محمية من طرف رجال الأمن "كورطيج" نظمها انطلاقا من محطة لوازيس إلى غاية ملعب المجمع الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء، في مباراة كانت حاسمة للطرفين. إذ كان الفريق البيضاوي يحتاج لتعادل فقط ليضمن لقب البطولة، بينما كان الجيش الملكي يحتاج لانتزاع ثلاث نقاط من قلب ملعب محمد الخامس، لينتزع الدرع، بعد المباراة التي فاز بها الفريق العسكري بهدفين دون رد، إثرها خرج جمهور الرجاء حانقا على ما حدث، سيما أنها جاءت لتحتفل باللقب مع الفريق، خصوصا أن مسؤولي الرجاء أشعروا الجميع أن الدرع في "الجيب" وذلك بإعداد حافلة مكشوفة لكي يركبها اللاعبون وتجوب بهم شوارع البيضاء. غير أن العساكر "ريبو الحفلة"، ونغصوا الفرحة فبدأ الجمهور الرجاوي في تكسير الكراسي والرمي بها على أرضية الملعب، وخرجوا ينتظرون الجمهور العسكري للإنتقام منه، غير أن يقظة رجال الأمن ومنعهم الجمهور العسكري من مغادرة الملعب إلا بعد مرور أزيد من ساعة على نهاية المباراة، ساهم في عدم وقوع ما لا يحمد عقباه، اللهم تبادل التراشق بالحجارة بين الطرفين في أماكن متفرقة خارج الملعب. صراع الفصائل لم يزعج الجمهور الرجاوي ضياع اللقب بقدر ما أزعجه تنظيم الجمهور العسكري مسيرة مشيا على الأقدام من المحطة إلى الملعب، وهو ما يصطلح عليه في عالم الجماهير ب"الكورطيج"، إذ يعد تنظيمه إهانه في حق الجمهور المنافس، سيما أن المسيرة غالبا ما تشهد هتافات ضد جمهور المدينة المستضيفة وهو ما لم يستسغه الجمهور الأخضر الذي كان مستعدا لنسيان الأمر لو انتزع النسور اللقب. غير ان الصفعة كانت مزدوجة من أبناء العاصمة، "سرقة اللقب" من قلب ملعب محمد الخامس وتنظيم "كورطيج" في قلب البيضاء...لتنطلق حكاية العداوة بين جمهور الفريقين.. بعد هذه المباراة، اشتد الصراع بين أنصار الفريقين، سيما أن جمهور الجيش الملكي تفنن في التهكم على أنصار الفريق الأخضر، وأسس فصيل "إلترا عسكري"، وفي السنة نفسها أسس الرجاويون ''غرين بويز"، وتنازع الطرفان حول من السباق إلى "حركية الفصائل" الالترات، بعدها سيطر الفريق العسكري على جل المواجهات، وأطلق العسكريون ألقابا عديدة على الجماهير الرجاوية بعد التفوق الحاصل والعقدة التي بات يشكلها الجيش للرجاء. ولم تخل مباريات الفريقين، سواء بالرباط أو بالبيضاء، من مناوشات وأحداث شغب وتبادل التراشق بالحجارة، إلى درجة تجد فيها الجمهور العسكري يحضر مباريات الفتح الرياضي التي يستقبل فيها الرجاء خصيصا لتشجيع الفتح والتعرض لجمهور الرجاء خارج الملعب، تماما كما كان يفعل الرجاويون، الذين ينتظرون قدوم العساكر ويحضرون مباريات الوداد البيضاوي ضد الجيش للغرض ذاته. وأصبح الطرفان يتعرضان لبعضهما البعض حتى في الأنواع الرياضية الأخرى ككرة السلة، التي يكون فيها أحد الفريقين طرفا زائرا في مدينة أحد الجمهورين.. تهديدات متبادلة مرة أخرى، يحرم الجيش الملكي جمهور الرجاء من التلذذ بطعم اللقب، لكن هذه المرة لم يتوج به العساكر، لأنه في ذلك الموسم لم يكن أحد الأطراف المنافسة على اللقب، لكنه فاز في آخر دورة على الفريق الأخضر الذي كان يمني النفس برد الدين وانتزاع اللقب من قلب الرباط، ولو لم يكن الجيش الملكي مرشحا له. وكان يلزم الرجاء الفوز بغض النظر عن أي نتيجة يحققها الوداد في مباراته أمام الفتح، الفريق الرباطي الآخر الذي انهزم أمام الفريق الأحمر وكأن فريقي العاصمة تآمرا على الرجاء لإهداء اللقب لغريم الرجاء، الوداد الرياضي.. ليزيد كره أنصار الرجاء الرياضي للفريق العسكري ولجمهوره الذي وجد الفرصة سانحة "للتشفي " أكثر في غريمه الجمهور الأخضر، ويزيد من درجة تهكمه عليه، ما أجج مشاعر الكراهية بين الطرفين، غذتها المواقع الاجتماعية التي يتوعد من خلالها كل طرف الطرف الآخر قبل كل مواجهة بين الرجاء والجيش بالرباط أو بالبيضاء. الأحداث التي وقعت الموسم الجاري كانت فعلا تنذر باقتراب وقوع الأسوأ، فكل المعطيات كانت تشير إلى حصول الكارثة، في ظل ارتفاع حدة التوتر بين الجمهورين، فخلال مؤجل الدورة التاسعة الموسم الجاري، تعرضت حافلة فريق الرجاء البيضاوي إلى التكسير الكامل لزجاج جهتها اليمنى، بسبب تعرضها للرشق الكثيف بالحجارة من قبل جماهير محسوبة على فريق الجيش الملكي، ما كاد يعرض أحد لاعبي الخضر لإصابة خطيرة. وفي المباراة ذاتها اشتعلت حرب من نوع آخر في مدرجات فريقي الرجاء والجيش الملكي عقب المباراة بعدما رفعت جماهير الرجاء لافتة "ميساج" تسب فيها الفريق وجمهوره، قبل أن يرد الفريق العسكري بلافتة مماثلة لا تقل سوءا عن نظيرتها الرجاوية. تخريب حافلة وإحراق دراجة.... اندلاع الحرب في نهاية كأس العرش، لم ينس الرجاويون ما فعله الجمهور العسكري بحافلة فريقهم، وبعد نهاية المباراة خرجت جماهير الرجاء منتشية بالفوز بلقب من قلب الرباط، وكأنها ردت إلى نفسها الاعتبار، وفي طريقها وجدت مشجعا للفريق العسكري على متن دراجته النارية، فحاصرته وأشبعته ضربا وأحرقت دراجته بالكامل، ولولا تدخل مناصرين لفريق الجيش الملكي، الذين انتبهوا للموضوع، للفظ مشجع الفريق العسكري أنفاسه، لتتجدد الاشتباكات والرشق بالحجارة، وتنتهي المواجهة بتدخل الأمن، وعدد كبير من الجرحى في صفوف الجمهورين. مع اقتراب مباراة العودة، هذا الموسم بين الرجاء والجيش، غادرت مجموعة محسوبة على الفريق الأخضر الدارالبيضاء في الرابعة صباحا، نحو مدينة الرباط، واستغلت نوم العاصمة، لتلطخ الرسومات الجدارية "طاك" الخاصة بالجمهور العسكري. وهي رسومات عملاقة يجسد من خلالها المشجعون تعلقهم بالفريق وبنجومه وألقابه ورموزه، والرد كان سريعا من طرف العساكر الذين غادروا بدورهم الرباط في اتجاه البيضاء، لكنهم ولكي يرفعوا التحدي، ذهبوا في واضحة النهار وردوا الدين ولطخوا رسومات الفريق الأخضر، غير أن الجديد في الموضوع أن كل هذه الأحداث حرص الطرفان على توثيقها عبر الفيديو ونشره بمواقع اليوتوب والفايسبوك، ليصنعوا من أنفسهم أبطالا ونجوما بين باقي الجماهير المغربية... لافتة حملها جمهور الرجاء في المباراة أمام العربي الكويتي أياما قبل "الخميس الأسود" زادت غضب الجمهور العسكري، سيما أن قناة تلفزية وطنية أظهرتها بالواضح ووقفت عندها طويلا، وشاهدها جميع متتبعي المباراة عبر العالم، كتب عليها ما معناه أن "على الجمهور العسكري متابعة المباراة عبر التلفاز للبقاء على قيد الحياة"، وهي لافتة فيها تهديد صريح بالقتل وتحريض على العنف كان حريا بالأمن أن يمنعها وكان على القناة التلفزية تجاهلها وعدم إشهارها بذلك الشكل الذي أثار الجمهور العسكري، الذي زاد إصراره على الذهاب للبيضاء مع ازدياد التهديدات على المواقع الاجتماعية التي عجت بعشرات جمل الوعيد والتهديد. وخصصت صفحات لهذا الموضوع على "الفايسبوك"، ولكي يظهر العسكريون أنهم لا يخشون التهديدات، أعادوا الكرة 48 ساعة قبل المواجهة، وتوجهوا إلى البيضاء مدججين بالسلاح الأبيض، كما أظهرهم التسجيل على اليوتوب، ولطخوا جدران المدينة بعبارات السب والشتم موجهة للجمهور الأخضر ولفريق الرجاء، في تحد واضح زاد من احتقان الأجواء توترا. ورد الرجاويين كان عبر شريط آخر، وهذه المرة من داخل قاعة رياضية لكمال الأجسام، يحذر أصحابه من ذوي العضلات المفتولة، جمهور الجيش من المجيء، فضلا عن عشرات الفيديوهات الأخرى التي شهدت انتشارا أقل من سابقاتها. وما زاد أيضا من شحن الأجواء مشكلة البرمجة التي زادت الطين بلة وزادت من حدة مواقف العداء..