تثاقلت عقارب الساعة في الدوران وتوقف نبض الشارعين البيضاوي والرباطي في انتظار الاعلان عن بداية العرس الرياضي الذي شد أنظار محبي الغريمين التقليديين بشكل خاص ومتتبعي الشأن الكروي بشكل عام. كل بوادر الاستعداد للاحتفالية بالعرس الكروي بدت واضحة للعيان أسبوعا قبل الموعد المرتقب، قبل أن تبلغ أشدها يوم المواجهة، الذي كان استثنائيا بجميع المقاييس، على اعتبار أن كل توابل الإثارة موجودة وجميع شروط النجاح متوفرة. «المساء» تنقلكم من خلال هذا الروبورتاج لمعرفة كل ما رافق النهائي، بدءا بتوافد أنصار الرجاء وقيامهم بما يعرف داخل أوساط « الإلتراس» ب «الكورطيج» مرورا بأجواء الملعب، وانتهاء بما عاشته المحطة الطرقية «القامرة» بعد المباراة. مد أخضر خلال الساعات الأولى من صباح المواجهة بدأت تتقاطر أفواج الجماهير الخضراء من كل حدب وصوب طالما أن الهدف الرئيسي يبقى تسجيل الحضور والمساهمة في فوز « النسور» بلقب غالي تتمناه جماهير الفريق أن يكون فاتحة خير وأولى ثمار الموسم الجاري بعد عودة الفريق إلى سابق توهجه. ولأن الغاية تبرر الوسيلة وجميع الطرق تؤدي إلى المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله لم يكن للتغيب عن الموعد عذر ولا لتضييع فرصة حضور طابق كروي حجة، وهو ما يفسر التنقل الكبير لأنصار الفريق «الأخضر»، سيارات من كل الألوان والأشكال، حافلات وسيارات نقل البضائع وقطارات، الكل مسخر لحضور النهائي الذي طال انتظاره. مع توالي الساعات وقرب موعد «الموقعة» اكتست الطريق السيار الرابطة بين الرباطوالبيضاء الألوان الخضراء مزينة ب «لوغوات النسور» التي تعتبر رمز الفريق في ما يشبه الاستعداد للانقضاض على لقب طال انتظاره. إصرار رغم سوء الأحوال لم تكن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على مختلف ربوع المملكة، وتحديدا محور الرباطالبيضاء، كافية للحيلولة دون تسجيل تنقل جماهيري كبير لأنصار الرجاء طالما أنهم متسلحون بعشق الخضراء ومتيمون بحبها وعلى الظفر باللقب عازمون، مشجعون من مختلف الأعمار والأجناس أعدوا العدة وشدوا الحزم للانتقال صوب العاصمة دون أن يأبهوا للحرب الكلامية التي تصدرت بعض الصفحات على المواقع الإلكترونية بينها موقع « فايسبوك» الشهير، ولا إلى الاشتباكات المحتملة مع أنصار العاصمة في مشهد بات مألوفا ويتكرر في جميع المواجهات التي يكون طرفاها فريقي العاصمتين الادارية والاقتصادية. أمواج بشرية ارتدت أوشحة خضراء وبيضاء واتشحت أعلام الفريق شقت طريقها في مسيرة «النصر» عن طريق « كورطيج» ترجلا من المحطة إلى غاية البوابة المخصصة لهت لولوج الملعب من المدخل الشمالي، مسيرة شهدت مشاركة الآلاف من المشجعين لكنها لم تسلم من بعض الاشتباكات مع جماهير العاصمة التي سعت لإفشال «الكورطيج» مما تسبب في تعرض مجموعة من المشجعين إلى إصابات متفاوتة الخطورة نتيجة تراشق الأحجار، خصوصا على مستوى القنطرة المحادية للملعب، وهي العملية التي نتج عنها تهشيم الواجهات الزجاجية للعديد من السيارات، التي ارتأت التوقف في انتظار مرور « الكورطيج» بسلام حتى تواصل سيرها في اتجاه الملعب خوفا من بطش قد يطالها أو اعتداء يحول بحثها عن الفرجة إلى حسرة على حب « الجلدة». استنفار أمني أمام قيمة الحدث ومكانة الكأس الفضية وحضور الأمير مولاي رشيد ومشاركة جماهير الجيش والرجاء كان لا بد أن يبلغ الاستنفار الأمني أعلى درجاته طالما أن المهمة لن تكون سهلة في ظل الاصطدامات المرتقبة للجمهورين، سيما بعدما تناهى إلى الأسماع توجه جماهير الرجاء نحو القيام ب «كورطيج». جندت المصالح الأمنية قرابة سبعة آلاف عنصر من مختلف الأجهزة بغية تأمين المباراة والعبور بها إلى بر الأمان من خلال تعزيزات كبيرة شملت الاستعانة بقوات التدخل السريع وفرق الكلاب البوليسية ورجال الدرك بأزياء مدنية والصقور، فضلا عن القوات المساعدة والوقاية المدنية. تأمين المباراة لم يقتصر على الأمن بصيغة المذكر بعدما شهد التنظيم حضور الأمن النسوي، وهو ما فسر درجات الاستعداد ومستوى الترقب، بعدما بوشرت الاستعدادات لأمسية كروية ليست كباقي الأمسيات. المصالح الأمنية استهلت مهامها منذ الساعات الأولى من صباح يوم المباراة، وتحديدا منذ التاسعة، وهي العملية التي استمرت حتى ساعات متأخرة بعد نهاية المباراة بعد تأمين وصول الجماهير إلى محطات المغادرة في رحلة العودة إلى نقطة الانطلاقة. بين أوكرانيا والرباط استعدادات الجماهير العسكرية للعرس النهائي لم يكن أقل حدة من استعدادات نظيراتها الرجاوية، بعدما توافد على الملعب مناصرو فريق العاصمة منذ الساعات الأولى للصباح، أطفال وشبان، شابات وسيدات ورجال من مختلف الأعمار عقدوا العزم وشدوا الرحال صوب الملعب قادمين من مدن تمارة والصخيرات والرباطوسلا، بل منهم مناصرون قدموا من دول أوروبية بينها فرنسا لحضور النهائي، فضلا عن واحد من أشهر مشجعي الفريق بمدينة تمارة يدعى نبيل، الذي قدم من أوكرانيا خصيصا لمتابعة النهائي بعدما تابع في مناسبة سابقة رفقة زوجته الأوكرانية إحدى مباريات الجيش، بعدما تحولت بدورها من مناصرة لفريق دينامو كييف الشهير إلى مشجعة للفريق العسكري على غرار أمريكيات عشقن بدورهن الفريق الملكي وانخرطن في جمعية عشاق وأنصار الفريق العسكري بمدينة سلا، في قصص عشق تجاوزت كل الحدود. أناقة عسكرية وفرقة نحاسية كان الطاقم التقني ومسؤولو ولاعبو فريق الجيش الملكي أول من ولج أرضية الملعب مرتدين بدلا أنيقة تحمل شعار الفريق. المسؤولون والطاقم التقني للفريق العسكري ارتدوا بدلا رمادية اللون وأربطة عنق حمراء، في وقت ارتدى فيه اللاعبون بدلا سوداء وأربطة عنق من نفس اللون، قبل أن يقوموا بجولة في الملعب وإلقاء التحية على الأنصار فيما يشبه تطمينات مسبقة بالفوز باللقب مع بداية العد العكسي لانطلاق المواجهة. بعد الفريق العسكري دخل أفراد الفرقة النحاسية وأخذوا لأنفسهم مكانا قرب المدرجات الخاصة بجمهور الرجاء في انتظار ابتداء البروتوكول الرسمي للمباراة، والذي شهد خللا تنظيما أغضب الجهات المنظمة بعدما تأخر لاعبو الفريقين في ولوج أرضية الملعب بعد التحاق الأمير مولاي رشيد أولا، بل إن الفرقة النحاسية شرعت في عزف النشيد الوطني قبل التحاق اللاعبين، ما جعل مسؤولي الفريقين ينوبون عن اللاعبين الذين التحقوا فيما بعد، في وقت نشب فيه خلاف بين الرباطي وكريم عالم للسبب ذاته بعدما عمد الاخير إلى جر عميد الرجاء مطالبا اياه بالاسراع. مدرجات للتشجيع والسب شكلت مواجهة الجيش الملكي والرجاء الرياضي برسم نهائي كأس العرش مناسبة أخرى لتجسيد الصراع الكبير بين جماهير الفريقين بعدما تعدى الأمر التشجيع وامتد إلى غاية التنكيل والسب والشتم، في مشهد بات يؤرق الساهرين على تسيير شؤون اللعبة بالنظر لما للأمر من انعكاسات سلبية تتجاوز في كثير من الأحيان حدود رقعة الميدان، وتتحول، بعيدا عن القيم الرياضية والأخلاق، إلى عداوة كبيرة غالبا ما تكون لها تأثيرات سلبية وتساهم في الرفع من درجات الكره والاحتقان. اتخذت الجماهير العسكرية من المدرجات رقم 2 إلى غاية رقم 13 مكانا لها، قبل أن يضاف إليها المدرج رقم 14 بعد الحضور القوي لأنصار فريق العاصمة، في وقت اتخذ أنصار الرجاء من المدرجات الممتدة من 16 إلى 24 مكانا لهم، في حين بقيت كراسي المدرجات رقم 15 فارغة بهدف الفصل بين جماهير الفريقين، التي كانت عبارات السب والشتم كافية لاختراق جميع الحواجز في منظر بات مألوفا في الملاعب المغربية دونما اكتراث لحضور العنصر النسوي أو الأطفال. مكر الصدف كانت دقائق المباراة بنفس قوة المباراة وارتقت لمستوى الحضور بعدما لم يمهل الرجاويين نظرائهم العسكريين الكثير من الوقت للقيام بأولى المحاولات، وهو ما قابله فريق العاصمة بمحاولات كانت أكثر خطورة لدرجة أن تضييعها ببشاعة أثار حفيظة المدرب الطوسي الذي لم يهدأ له بال، طالما أنه كان يمني النفس ويرغب بقوة في افتتاح سجل تتويجه مع الجيش بكأس فضية، ستضخ لا محال جرعات اضافية من الثقة في نفسيته قبل شد الرحال صوب جنوب افريقيا للمشاركة في نهائيات كأس أمم افريقيا، غير أنه لم يكن يدري أنه بصدد المرور بأسبوع أسود بعدما تلقى هزيمتين في ظرف أربعة أيام، ومن مكر الصدف أنهما كانتا الأولى له في مشواره سواء رفقة المنتخب أو الجيش الملكي. شهب وكراسي اعتاد المجمع الرياضي الأميري مولاي عبد الله أن يحصي خسائره بعد كل المباريات الكبيرة، إذ لا تكاد المواجهات القوية التي يحتضنها تمر دون أن تسجل خسائر كبيرة، خصوصا على مستوى الكراسي، ذلك أنه تم تخريب العديد منها بدءا بتلك المتواجدة في المدرجات التي خصصت لجماهير الرجاء بعد رفض الحكم هدف المهاجم بورزوق بداعي التسلل وانتهاء بتلك التي كسرها جمهور الجيش بعد ضياع اللقب. كراسي المجمع الأميري بالرباط باتت لا تسلم من أعمال التخريب بغض النظر عن هوية المنهزم، ما يجعلها مهددة في كل مرة تحتضن فيها مواجهة قوية على غرار ما يقع حينما يلتقي الجيش بالوداد الرياضي أو النادي القنيطري، الشيء الذي يجعل إدارة المركب تنتظر مغادرة الجماهير لإحصاء خسائرها. رد الدين اختلفت مشاعر الجماهير التي تابعت المباراة بعد حسم الرجاء أمر اللقب لصالحه، ففي الوقت الذي انخرطت فيه الجماهير الخضراء في الاحتفال بفوز من رحم المعاناة وبلقب هو الأول خلال الموسم الجاري، كانت مشاعر الاستياء والحزن بادية على أنصار فريق الجيش الملكي، الذين لم يتقبلوا أن يحرمهم « النسور» من لقب ثاني في النهائي الغالي بعد نكسة 1996، خصوصا أن تداعيات المواجهات بين الفريقين تمتد إلى ما بعد دقائق المباراة، إذ كثيرا ما تبقى راسخة في الأذهان رغم تعاقب السنوات. الفوز على الجيش، ولو بالضربات الترجيحية، اعتبرته جماهير الرجاء ردا لدين 2005 حينما حرم الجيش الرجاء من لقب البطولة بالبيضاء بعدما تغلب عليه بهدفين دون مقابل في وقت كان يكفي الرجاء وقتها التعادل للظفر باللقب، ومن المفارقات الغربية لتلك المباراة أن صانعي إنجاز اليوم، خالد العسكري وامحمد فاخر، هما من كانا وراء تلك النتيجة. اشتباك ومغادرة بعد يوم طويل مليء بالأحداث وحافل بالوقائع، استعدت العاصمة لتستعيد هدوءها مع مغادرة الأمواج البشرية الخضراء في رحلة العودة إلى البيضاء، غير أن العملية لم تمر دون أن تترك مخلفات بعدما شهد محور المحطة الطرقية «القامرة» اشتباكات بين بعض المحسوبين على جماهير الفريقين، وهو ما جعل العديد من أرباب المحلات التجارية يفضلون إغلاق محلاتهم عوض المجازفة بالاستمرار في فتحها، قبل أن يضاعف الأمن مجهوداته لتفريق الجمهورين، وتأمين عودة أنصار الرجاء ليسدل الستار على أمسية اختلطت فيها دموع الفرحة بالتتويج مع مرارة الحرمان من لقب آخر كان سيغني حتما خزانة العساكر، الذي لا زالوا يتربعون على عرش الفرق الأكثر تتويجا باللقب.