يشكل المطبخ الصحراوي ترجمة فعلية لارتباط سكان مناطق الجنوب بموروثهم الحضاري والثقافي، حيث تحضر التجمعات الحميمية حول أطباق مميزة قوامها لحوم الإبل، الحبوب وفي مقدمتها الشعير، والدهن.. بعيدا عن تكلف مطابخ الحواضر الكبرى. تحتفظ المناطق الصحراوية بمعايير خاصة حول جمال المرأة التي يشترط فيها أن تكون مكتنزة، وتلتزم النساء بعادات غذائية خاصة للحصول على هذه النتيجة، وهو ما يمكن الوقوف عليه من خلال مكونات الفطور الصحراوي الخاص بالنساء، أو “فطور العيالات” كما يصطلح عليه أهل المناطق الجنوبية، حيث تحرص النساء على الفطور بشكل جماعي داخل بيت إحدى السيدات، ويتم إعداد الفطور بالتناوب ويتكون عادة من الكبد ولحم الإبل المرفق بالخبز والشاي، ويترجم هذا الفطور جو الألفة والتواصل المستمر الذي يحرص عليه أهل الجنوب. “المرجن”.. لغلي “الرغيد” من أطباق الإفطار أيضا هناك ” الكلية”، وهي طبق الشعير الذي يتم إعداده من خلال مزجه مع حفنة من الرمل لإنضاجه فوق الجمر باستعمال إيناء من الطين مخصص لهذه العملية، وبعد الحصول على حبات من الشعير الأحمر، يتم نزع الرمل بواسطة الغربال، ثم يقدم مع” الدسم” وهو الدهن المصنوع من سنام الجمل، أو الزبدة. يدخل الشعير في إعداد الكثير من الأطباق الصحراوية، حيث يتم استعماله في إعداد طبق “الرغيد”، أو ما يصطلح عليه في مناطق أخرى العصيدة، ويتكون من “الدشيشة” وهي حبات الشعير المهروسة التي يتم وضعها في الماء المغلي داخل “المرجن”، وهو اسم الإيناء المخصص لإعداد هذه الوجبة، بعد نضج “الرغيد”، يضاف له الحليب، أو “الدسم”، أو زيت الزيتون المحدود الاستعمال داخل المطبخ الصحراوي. “الكدحة”.. لإعداد “بلغمان” و “لبسيس” تعمل النساء الصحراويات على استعمال الشعير بطرق مختلفة، حيث يستعن ب”الكدحة” وهي أداة أشبه بالمهراز الطويل الذي يستعمل لدق حبات الشعير التي سبق غسلها وتجفيفها فوق الجمر للحصول على “الشعير المكلي” الذي يصنع من دقيقه طبق “البلغمان”، وهو من الأطباق المعروفة داخل الأقاليم الصحراوية، حيث يتم إعداده خلال شهر رمضان، كما أنها تتصدر زاد المسافرين عبر الصحراء لما لها من قدرة على إبعاد الجوع والعطش، وللحصول على” بلغمان” مميز يتم مزج دقيق الشعير بالماء الساخن، السكر، الملح، ثم “الودك”، وهو الدهن المستخرج من سنام الجمل. ومن الأطباق التي تزين مائدة الإفطار الصحراوي، والمعدة من دقيق الشعير، نجد “لبسيس” الذي لا يتطلب تحضيره الكثير من الوقت، حيث يخلط دقيق الشعير بالقليل من الزبدة، الماء البارد، والسكر. “تيشطار” الممزوج ب”الودك” لا يمكن الحديث عن المطبخ الصحراوي دون ذكر لحوم الإبل التي تتقدم مكونات لائحة الأطباق الصحراوية، وتعد “طبيخة اللحم” من أكثر الوصفات التي تعبر عن مدى الترحيب الصحراوي بالضيف، ويتم إعدادها باللحم والزيت والملح دون إضافة أي مكون آخر، ويفضل إعدادها من لحم الكتف، أو أضلع الذبيحة. ومن الأطباق التي تقدم للضيوف نجد أيضا، “تيشطار” وهو عبارة عن لحم الإبل المقدد، الممزوج ب”الودك” السائل الذي يتم طبخه جيدا، ثم يطحن حتى يصبح لينا ويضاف له المرق الذي طبخ فيه ويقدم داخل آنية من الخشب مرفقا بخبز الفطير الصحراوي الذي يحتاج للمرق من أجل تليينه، حيث يعد من دقيق الشعير والماء فقط، دون إضافة ملح أو خميرة، ويتم إنضاجه على الطريقة الصحراوية التقليدية وذلك من خلال وضعه في حفرة رملية تغطى بالجمر، وبعد إخراج الفطير من تحت الرمل يتم تقطيعها ووضعها في صحن يرفق بالمرق المكون من لحم الإبل. “مريفيسة” يعد الأرز من أكثر المواد التي ترافق الأطباق الصحراوية الرئيسية، ويشتهر مطبخ الأقاليم الصحراوية بوجبة “مارو واللحم”، ويتم إعدادها من خلال وضع لحم الإبل داخل قدر خاص مع قليل من الزيت والملح والماء، بعد أن ينضج اللحم يزال من القدر ويوضع الأرز ليطبخ في مرق لحم الإبل ليتشرب نكهته المميزة. بعد نضج الأرز يوضع في صحن التقديم وتوضع فوقه قطع اللحم، ويعد هذا الطبق أيضا من المؤكولات الرئيسية التي تقدم خلال الولائم والمناسبات للاحتفاد بالضيوف. خلال الأيام العادية ومن باب التغيير تفضل بعض الأسر الابتعاد عن تناول لحم الإبل وذلك من خلال إعداد أطباق بسيطة، وفي مقدمتها أكلة “مريفيسة” التي تتسم ببساطتها وسهولة إعدادها لتوفر مكوناتها داخل كل بيت صحراوي، وتتكون من خبز الفطير الذي يتم كسره لقطع صغيرة، ثم يسقى بمرق لحم الإبل الذي يحتفظ به بعد إعداد أطباق رئيسية مكونة من لحم الإبل. سكينة بنزين