«ما راعاتش شرع الله!» لفظة كررها كثيرا محمد (*)، لحظة إيقافه في مارس من سنة 2012 على يد أمن دائرة السراغنة بالدارالبيضاء، وهو يحيل على السبب الذي دفعه إلى الإجهاز على والدته بسكين ثم الاختفاء أزيد من أشهر بوجدة. كان محمد فارع الطول ونحيلا، وهو ما كان لا يعكس سنه الحقيقية التي وصلت الأربعين. كان يبدوا شابا في العشرينات. بطالته التي كانت تيمة تلازمه خلال شبابه، ومبعث تهكم وشماتة تارة من طرف الأخوة وتارة من طرف الأم حسب ما أفاد به خلال محاضر الاستماع. حالة البطالة المزمنة لمحمد لم تقف حائلا وراء تدخينه للحشيش. «بلية» مكلفة، سيما أنه لا دخل له، كان يسخر ما يجنيه من مال عبر مهن و «بريكولات» موسمية، وينزوي في غرفة بالسطح، وكانت عالمه الصغير، بعيدا عن الطوابق الثلاثة التي آوت أخوته وأخواته المتزوجين. سرعان ما تحول بيت الأسرة إلى مسكن دائم للإخوة بعد وفاة الأب المعيل الرئيسي للأسرة، بعد إلحاح من الأم وخوفها من الوحدة، ورغبة منها أن ترى أحفادها يكبرون أمام عينيها. أمام إنزال الإخوة وزوجاتهم وبنيهم في بيت الأسرة بدأت معاناة محمد. عمدت الأم إلى تقسيم الأدوار الثلاثة لبيت الأسرة على أبنائها المتزوجين، كما لو تقسم تركتها، الفرق فقط في أنها كانت حية ترزق. بعد تقسيم التركة، أصبح محمد شبه مهمش من طرف إخوته، أكثروا في تأليب الأم عليه، وحثها على منع الأكل عنه حتى يجبر على العمل، إذ رأوا فيه عالة على الأسرة، سيما الأخ الأكبر، الذي زاد في تقريعه وإهانته. أمام هذا التهميش لم يكن أمام محمد سوى اختلاق المشاكل تارة مع اخوته ومواجهتهم، أو رد الصاع لهم صاعين، قبل أن تراوده فكرة المطالبة بحقه في بيت الأسرة وأخذ «فْصيل» أسوة بباقي أخوته والتصرف فيه أو بيعه، ومن تم «كل غازي يقصد بلدو». بدأ في التسبب في مشاكل لا حصر لها للأسرة، تبتدئ بافتعال المشاجرات بينه وبين إخوته، وتنتهي بالعربدة تحت تأثير السكر والمخدرات خارج المنزل، وأمام أسماع الجيران بدرب الشرفاء. هذه «الشوهة»، لم تزد الإخوة إلى حقدا على أخيهم محمد ونبذه أكثر وتضييق الخناق عليه أكثر، إلى أن وقع مالم يكن في الحسبان: لعبت المخدرات برأس محمد بالإضافة إلى كمية من الخمور، كانت فتيلا لشجار بينه وبين إخوته، لم ينته إلا وهو يسدد لأمه طعنة على متسوى العنق، سقطت صريعة تقاوم سكرات الموت، كان سببا في انقضاء أجلها رغم اسعافها، فيما فر محمد إلى وجهة مجهولة وفتح تحقيق في الجريمة. الخوف من السجن، وعقدة الذنب أحاطت بمحمد من كل جانب، انتهى به الأمر إلى الاستقرار في وجدة، عمل هنالك بستانيا لدى إحدى الأسر، لكن لم يهنأ بالعيش، ظل يسترجع شريط حياته والأسباب التي جعلته يرتكب جريمته ويغادر مدينة البيضاء. لم يجد أحدا يستحق أن يدفع الثمن سوى الأخ الأكبر، ليقرر العودة إلى الدارالبيضاء، لقتل أخيه. شوهد بالحي من طرف بعض الجيران، فتطوعوا لاخبار دائرة السراغنة بالبيضاء، سيما أنه كان يتأبط تحت ملابسه سكينا من الحجم الكبير. في دقائق طوقت العناصر الأمنية الحي، واستطاعوا تصفيده وشل حركته، واقتياده إلى مقر الدائرة الأمنية. قبل أن يشرع في سرد تفاصيل الجريمة طلب من المحققين مده بسجارة، مجّها بعنف، ثم شرع في سرد تفاصيل جريمته، وكيف أن الدافع وراء قتله لأمه الذي كان سوى الاحساس بالغبن من جراء نبذه، وتفضيل الأم لباقي الأخوة عليه، لكنه ندم على فعلته وقرر العودة من منفاه الاختياري بوجدة، حيث رأى أن أحق شخص بالقتل هو الأخ الأكبر الذي كان حسب رأيه السبب الرئيسي في توتر العلاقة بينه وبين أمه. لكنه رغم ذلك حمل المسؤولية للأم التي «مارعاتش شرع الله» في التعامل معه أسوة بباقي إخوته. لفظة كررها محمد، وأجهش في البكاء أمام تأثر المحقيقين، قبل أن يسدل الستار على هذه المأساة باحالته على أنظار الشرطة القضائية لأمن الفداء، ثم شعبة الجنايات الابتدائية باستئنافية الدارالبيضاء، بتهمة القتل العمد ضد الأصول. أنس بن الضيف * اسم مستعار