ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف ضد المرأة.. شهادات صادمة عن نساء اخترن الانتحار سبيلا ل«الخلاص»
منهن من شنقت نفسها أو ابتلعت السم أو أحرقت جسدها للنجاة من بطش الزوج
نشر في المساء يوم 02 - 08 - 2012

في سبيل نبذ العنف الذي يمارسه الرجال وحماية النساء منه، نظمت فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة وقفة احتجاجية
في ال12 من الشهر الجاري في ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء تنديدا ب»صمت المسؤولين» أمام تزايد حالات النساء ضحايا العنف. وقد سبقت الوقفة ندوة صحافية قدمت خلالها «شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع» تقريرا تضمّنَ معطيات إحصائية حول العنف لسنة 2010 و2011، كما تضمنت شهادات صادمة عن تجربة نساء كن ضحايا عنف الأزواج فاخترن الموت خلاصا لهن، وأخريات ما زلن يكافحن من أجل الانعتاق من بطش زوج لا يرحم...
في الوقت الذي تفضل عائلات وأسر كثيرة «الصمت» عن حالات الانتحار التي تُقْدم عليها بعض النساء هروبا من جحيم غطرسة أزواجهن الذين يمارسون عليهن مختلف أشكال القهر والظلم، من عنف جسدي وجنسي ولفظي، حتى يشعرن باليأس ويشتهين كأس الموت ومرارته.. نجد عائلات أخرى كسرت جدار الصمت وكشفت المستور وعرّت واقعاً مرا تعيشه نساء لا حول لهنّ ولا قوة رُحن ضحايا لقسوة العائلة والمجتمع والقانون..
شهادات جعلت العائلات يشاركن بقوة في الاحتجاج الذي نظمته فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة من أجل صياغة قانون إطار يُجرّم العنف ضد النساء ويؤسس لعدالة تحميهن وتحمي أطفالهن من بطش بعض الرجال، الذين خرّب الخمر والحشيش عقولهم فحولوا حياة أسرهم إلى جهنم لا يطاق العيش فيها.
للصبر حدود
لالاتهم حليم، التي فارقت الحياة بعدما أقدمت على الانتحار بسبب العنف والضرب الذي كانت تتلقاه من طرف زوجها، تاركة وراءها خمسة أطفال وطفلا رضيعا.. والمسلسل الذي عاشته عائلتها من أجل الحصول على نتيجة التشريح الطبي لخير دليل على تلك المعاناة الزوجية، معاناة شرحها بوشتى، أخ الضحية في اتصال هاتفي أجرته معه «المساء»، حيث حكى كثيرا عن الوضع الذي عاشته أخته، التي تزوجت في سنة العشرين في دوار بوتبات، دائرة القرية، جماعة الولجة..
بعد أن رزقت بابنتها الأولى، ثم الولد الثاني، ازدادت حدة الخلافات بينها وبين الزوج وأسرته، فعادت إلى بيت جدها لمدة عامين هروبا من المعاملة السيّئة، بعد أن وضعت طلبا بالطلاق في المحكمة، غير أن عائلة الزوج تدخلت وأعادتها إلى زوجها بعد إقناعها بضرورة الصلح «لأجل الأبناء».. لتدخل في دوامة من الصراع، حسب بوشتى.
وخلال تلك السنوات، رزقت لالاتهم حليم بثلاثة أطفال، تحملت مشاق الحياة وصعابها من أجل تربيتهم. في يوم الواقعة، ضربها زوجها لأنها لم تعمل عل طبخ اللحم الذي جلبه من السوق، فأعلم الأولاد أعمامَهم فهمّوا مسرعين لإصلاح الوضع ليفاجؤوا في الثالثة صباحاً بخبر انتحارها، بعد أن تم إخبارهم أنها قامت بشنق نفسها. وفي حديثه، شكك بوشتى في انتحار أخته، معتبرا أنها لو أرادت ذلك لكانت قد أقدمت عليه منذ مدة، لكنها تحبّ أبناءها ولا تستيطيع فراقهم، مطالبا بإخراج نتائج التشريح الطبي الذي تمت إعادته بجهد جهيد، بعد أن قام به طبيب شكّكت العائلة في مؤهلاته، لتقوم العائلة، وبمساندة من حقوقيين، بتقديم طلب آخر لتشريح الجثة، متكبدة مشاق التنقل من تاونات حتى مدينتي تمارة والرباط دون أن تتمكن وإلى حد كتابة هذه السطور من التعرف على نتيجة التشريح الطبي..
صرخة أنثى
قصة حياة سعدية جلون، التي أقدمت على الانتحار في أربعاء العونات في إقليم الجديدة بشرب مادة سامة، رواها والدها أمام الحضور، في الندوة التي سبق أن نظمتها فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في الدار البيضاء في يوليوز الأخير. كانت سعدية، الأم لطفلين، تواجه العنف منذ بداية زواجها بطريقة وصفها أبوها بالتعسفية، من ضرب وركل وشتم.. دون أن تجد من يحميها من بطش الزوج، الذي سبق أن اعتدى عليها بسكين فتم إيقافه من طرف مصالح الدرك الملكي في المنطقة، غير أن تدخلات العائلة جعلت الزوجة تتنازل عن حقها في متابعته..
في كل مرة كانت السعدية تُعنَّف، تُجبَر على التنازل عن حقوقها صبرا على تربية أبنائها واحتراما لرغبات الأهل وخوفا من القيل والقال.. أكد الأب أن ابنته انتحرت لأنها يئست من الوضع الذي تعيشه، فلا يكاد يمضي يوم دون أن تتلقى «نصيبها» من الضرب والعنف.. قبل انتحارها بيوم واحد، زارت أباها في بيته، الذي يبعد كيلومترات عن مسكنها، وعند عودتها وبّخها الزوج عن التأخير، فصبرت وطلبت من ابنها في اليوم التالي الذهاب لإخباره بالأمر، فصادف والده الذي أشبعه ضربا.. وعندما تدخلت، انهال عليها بالضرب بوحشية.. ويتابع الأب المكلوم قائلا إنها ذهبت مسرعة إلى السم (وكان عبارة عن مبيذ فلاحي) فتناولته.. عند وصوله إلى بيتها وجدها غائبة عن الوعي.. حاول إيجاد سيارة تُسعفها فلا أحد وافق على نقلها في تلك «الحالة»، فاضطر إلى نقلها بعربة عربة مجرورة حوالي سبعة كيلومترات على طريق غير معبّدة، قبل أن تصرخ صرختها الأخيرة..
صرخة ما زالت تتردد في أذنَي الجيلالي جلون، الذي صار، كما يُظهر ذلك الفيلمُ الذي عرضته الرابطة، في حالة نفسية سيئة بسبب الظلم الذي تجرّعته ابنته، التي ظُلمت في حياتها وبعد وفاتها، لأن المعتدي الذي دفعها إلى الانتحار ما يزال حُرّا طليقا، مطالبا بإعادة البحث وتشديد العقوبة على الزوج الذي دفع ابنته إلى الانتحار.
وليس العنف المادي الذي يمارسه بعض الأزواج على زوجاتهم هو الدافع إلى الانتحار، بل هناك نوع آخر من العنف غير ملموس تشعر به المتزوجة وتحترق بناره في صمت، وهو عنف الخيانة الزوجية.. وهي الحالة التي بسببها أحرقت سيدة تبلغ من العمر 55 سنة مؤخرا، جسدها في الصباح الباكر، في مشهد مأساوي، في حي المعاريف في الدار البيضاء، عندما سكبت على جسدها البنزين وتركت النيران تلتهم جسدها، غير آبهة بالألم الذي تشعر به، لأنّ «النار» التي في داخلها أحرّ بكثير من حرارة تلك النيران التي جعلت منها جثة متفحمة بعد حين..
أوضحت مصادر جمعوية أن وفاة السيدة قد يعود إلى الشكوك التي كانت تحوم حول ربط الزوج علاقة غرامية مع امرأة أخرى، الأمر الذي لم تتقبله الزوجة، فتشاجرت مع الزوج في تلك الليلة التي صارحته فيها بشكوكها، فقررت توديع أبنائها السبعة والانتحار أمام باب العمارة بعد أن أقنعتهم أنها ستذهب لدى أختها القاطنة في حي سباتة في الدار البيضاء..
محاولة قتل
ونحن نتحدث عن بعض حالات الانتحار التي أقدمت عليها نساء هروبا من «غطرسة» الزوج وعنفه، نعرف أن هذا العنف لم يعد يقتصر على الضرب أو الشتم فقط بل تعداهما إلى محاولات للتصفية الجسدية.. كما حدث مؤخرا في المحكمة الابتدائية في تازة، التي قضت بأربع سنوات سجنا نافذا في حق شخص اعتدى على زوجته داخل قاعة المحكمة، لأنه كان يشكّ في خيانة زوجته له، حيث أصابها بجروح خطيرة في الوجه بواسطة شفرة حلاقة.. نفس الأمر شهدته محكمة الأسرة في مدينة القنيطرة، حينما قام الزوج بالاعتداء على زوجته بواسطة سكين، إذ أقدم على طعنها حينما طالبته بالطلاق للشقاق، ف«انتقم» منها بطريقة بشِعة أمام أنظار القضاة.. ناشرا الذعر في صفوف المتقاضين وزوار المحكمة..
كانت الزوجة، التي أكدت مصادر مقربة أنها كانت على خلاف دائم مع زوجها رغم أن لديهما أطفالا، تريد الطلاق، لكنّ زوجها كان يرفض ذلك، غير أنها كانت مُصرّة على الطلاق، وهو ما جعله يفكر في الاعتداء عليها وتشويه وجهها حتى لا تتمكن من الزواج مرة ثانية!..
حالات كثيرة الضحية فيها هي المرأة، التي لا تجد -حسب الجمعويين- قانونا يحميها من العنف، ففي الغالب تظل المتابَعات في حق هؤلاء «الأزواج» مُخفَّفة ولا تردعهم عن أفعالهم بالشكل الذي يكونون معه عبرة لغيرهم.
كما حدث مع «ح. ب.»، التي تبلغ من العمر 29 سنة، والمتزوجة منذ يوليوز من السنة الماضية، كانت هذه السيدة تتعرض لجميع أنواع العنف من طرف زوجها، فاضطرت بسبب ذلك إلى تسجيل دعوى للطلاق، تنازلت فيها عن جميع حقوقها وانتقلت للعيش في منزل أختها قصد متابعة إجرءات الطلاق، إذ أدرِجت الدعوى في جلسة 11-01-2012، ما دفع الزوجَ إلى الاتصال بها هاتفيا ليخبرها أنه يريد مقابلتها لإطْلاعها على «مستجدّات» تتعلق بدعوى الطلاق، محددا مكان لقائهما قرب المحكمة.. لم تتردد الضحية في الخروج للقائه، فاستقلت سيارة أجرة لنقلها إلى عين المكان المحدد، حيث وجدته في انتظارها، وبدوره لم يتردد.. فما إن رآها حتة أجهز أجهز عليها وشرع في ضربها بواسطة آلة حادة في الرأس، مُسبّبا لها نزيفا حادا من أذنها وفمها وعينها.. إضافة إلى جروح بليغة في كافة مناطق جسدها..
نُقِلت الضحية، التي قام بالإعلام عن حالتها السائق الذي عاين الواقعة، إلى مستشفى محمد بن عبد الله في الصويرة. ولكون حالتها كانت جد حرجة فقد تم نقلها إلى مستشفى ابن طفيل في مراكش، لترقد في غيبوبة خرجت منها بعاهة مستديمة في الوجه وبنفسية مُدمَّرة.. أما «الزوج» فوُضع رهن الاعتقال في السجن المركزي لمدينة أسفي.
مراراة «الصمت»
لم تكن كريمة الرجراجي، التي تقطن العاصمة الإدارية الرباط، تعلم يوما أن ذلك الشخص الذي أحبّته ووثقت فيه وتزوجته سيتحول إلى «وحش» كاسر وإلى «كابوس» مظلم يقضّ مضجعها ويجعلها تندم أشدّ الندم لأنها «عصت» أهلها ورفضت رأيهم في مسألة الارتباط، التي ستنقلب رأسا على عقب مباشرة بعد وفاة الوالدين، الدرع الذي كان يحميها من بطش الرجل وجبروته، كما تقول، وهي مثقلة ب«همّ» ثلاث بنات كنّ ثمرة زواج دام بضعة أعوام.
تغيَّرَ حال الزوج، الذي صار مدمنا على الكحول والحشيش، ما جعل كريمة تفكر مليا في الأمر، فهي لم تعد تتحمل تصرفاته من شتم وضرب، زيادة عن هذا وذاك فهي ملزمة ومُجبَرة -حسب تعبيرها- على تدبير مصروف المنزل ومنح زوجها النقود ليبتلع تلك السموم، والويل لها إن هي رفضت أو أبدت عدم استجابتها لطلبه..
ولم تتوقف معاناة كريمة عند هذا الحد، كما كانت تظن، فبمجرد حصولها على الطلاق، بدأ مسلسل آخر من المعاناة لم تجد له حلا، بعد تخلي عائلتها عنها وخاصة الإخوة.. تقول كريمة، في شهادتها، التي أبكت حضور الندوة التي نظمتها فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة: «خرجت من بيت الزوجية بملابسي التي على ظهري وببناتي الثلاث، وذهبت لكراء غرفة عند إحدى السيدات، هربا من جحيمه، تركت له كل شيء، بعد أن بلغ تعسفه مداه، ولكنْ مع ذلك، لم يتقبل فكرة الانفصال.. يتبعني أينما حللتُ وارتحلتُ رفقة بناتي، ويهدد الأشخاص الذين كنت أكتري غرفا في منازلهم، بالسلاح الأبيض، بعد أن يكون قد لوّث سمعتي أمامهم.. ليقوموا بطردي إلى الشارع قائلين «ما قادّين على مشاكل».. لأجد نفسي «لا حْنين لا رحيمْ».. كانْ كيضربني مْلي كنت مزوّجة بيه وكنت صابرة.. ملي طلقني ولا يضربني ضرب القتيلْ، بالموس وبأي حاجة ديال الحديد»..
لم تستسلم كريمة لتهديدات الزوج، الذي أصبحت تجده وراءها في الشارع، في العمل، وفي كل مكان، وحتى لما استقرت عند إخوتها لم يرحمها، بل كان يأتي أمام نوافذ البيت ويشبعها وعائلتها شتماً وسبّاً.. وبطبيعة الحال، كان أهلها يلومونها، لأنها هي التي قبلت الارتباط به عندما رفضوه..
مسؤولية كريمة كبيرة، بعد أن وجدت نفسها أمّاً لثلاث بنات يحتجن مصاريف كثيرة حتى يكبرن ويُعنَّها على غدر الزمان وغدر الزوج وظلم الأهل..
وإذا كان البعض يربط العنف بالجهل والأمية فهو خاطئ، لأن حالة لطيفة الصاعي، الأستاذة في سلك الثانوي -التأهيلي، تثبت العكس، فهذه السيدة، التي تنتمي إلى الأقاليم الجنوبية وبالضبط إلى مدينة كلميم، لم يشفع لها مستواها الثقافي في تجنيبها «نصيبَها» من الضرب والجرح من قِبل زوجها، الذي يشتغل إطارا في مصلحة تابعة لوزارة الصحة، والذي قالت الضحية إنه كان يحضر إلى المنزل في حالة سكر طافح ليعمل على شتمها وضربها، هي وأبناؤها.. «إيلى كان الزوج أمّي تْقدر تتقبلْ أنه يضرب ويشتم وتْقدر تلقى ليهْ العذرْ أما يكون مثقف وعندو مستوى عالي ويمارس العنف على مثقفة.. فهذا هو الذي لا يمكن تقبله»..
«صبرت» لطيفة وتحملت ظلمه وضربه لتربية أبنائها ودرءا لكلام الناس واستجابة لما تمليه الأعراف والتقاليد في الجنوب.. لكن قدرتها على التحمل توقفت عندما توقف مصروفه على المنزل، حيث قالت إنه أصبح يأتي مثل «الضيف».. وفوق ذلك يضربها وأبناءها حتى بلغ به الأمر يوما أن قام بضربها بهيكل نافذة من زجاج ضربة كادت تودي بحياتها لولا لطف الأقدار وتدخل الجيران، حيث نُقِلت على وجه السرعة إلى المستشفى وأجريت لها عملية في الرأس واليد.. تتكلم لطيفة، وفي قلبها حرقة من غياب قانون يوقف مثل هؤلاء «الأزواج» عند حدهم، مؤكدة أن الكثيرات يعانين في صمت ولا يستطعن البوح بما يتعرضن له، فيكتمن ذلك في صدورهن إلى أن يرتكبن، في الأخير، جرائمَ في حق أنفسهم، بإقدامهن على الانتحار..
قانون يحمي
في سبيل نبذ العنف الذي يمارسه الرجال وحماية النساء منه، نظمت فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة وقفة احتجاجية في ال12 من شهر يوليوز في ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء تنديدا ب«صمت المسؤولين» أمام تزايد حالات النساء ضحايا العنف. وقد سبقت الوقفة ندوة صحافية قدمت خلالها «شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع» تقريرا تضمّنَ معطيات إحصائية حول العنف لسنة 2010 و2011، أوضح أن العنف الجسدي يأتي في المرتبة الثالثة، بنسبة 15.2 من مجموع أفعال العنف التي مورست على النساء، اللواتي زرن مراكز الشبكة بعد الاعتداء اللفظي والعنف الاقتصادي والاجتماعي عليهن، في الوقت الذي سجلت الشبكة وقوع 149 حالة اغتصاب زوجي. وقد جاءت الندوة والوقفة والمناظرة التي نظّمتها الرابطة بعد تكرار الاعتداءات، بأنواعها، على النساء، جسديا ونفسيا وجنسيا.
وفي هذا الصدد، طالبت فوزية العسولي، رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، بتعديل القانون الجنائي والمادة ال475 التي تسمح بتزويج المُغتصَبة من الجاني، والتي اعتبرتها مجرد مادة «تُشرّع الاغتصاب» وترمي بالمُغتصَبة، مرة ثانية، في مخالب الجاني. كما طالبت بتعديل الفصل ال20 من مدونة الأسرة، الذي يعطي للقاضي حق الإذن بتزويج القاصرات، مُعرِبة عن قلقها تجاه تنامي ظاهرة العنف الموجَّه ضد النساء، في ظل غياب أي رد فعل سياسي مؤسساتي، حكومي أو برلماني، من خلال وضع خطة إستراتيجية تحد من تنامي هذه الظاهرة.
يشار إلى أن وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، سبق أن صرّح في البرلمان أن وزارته لا ترى أي ضرورة لإصدار قانون خاص بالعنف ضد النساء، مؤكدا أن الحماية التي يوفّرها القانون الجنائي الحالي، إضافة إلى التعديلات المُدرَجة فيه، أشمل وأضمن، تعديلات أوضح الرميد أنه ستنضاف إليها تعديلات جديدة ستضمن للمرأة حماية أكثر، ومن ضمنها تجريم طرد الزوجة من بيت الزوجية ورفض إرجاعها إليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.