فجأة انهالت هراوات الأمن على رأسي.. ضربات الأحذية انهالت بدورها على جسمي النحيل من كل جانب .. بعد لحظات سأفقد الوعي ولم أعد أرى سوى بصيصا من أضواء محج مولاي عبد الله، حيث نظمت وقفة احتجاجية لشباب حركة 20 فبراير. حوالي السابعة مساء، ومباشرة بعد مغادرتي مقر الجريدة بحي لاجيروند، توجهت كالعادة مشيا على الأقدام إلى مركز المدينة، حيث اعتدت شرب كأس قهوة أو الالتقاء بأصدقائي. لحظات اتصل بي صديق أخبرني أن وقفة ستنظم قرب مقهى «لاشوب» في المكان المسمى لدى البيضاويين «البرانس». لم أستفسره عن المنظمين ولا سبب تنظيم الوقفة، أخبرته أنني سألتحق به على الفور إلى هناك. تأكدت أن شيئا ما ليس على ما يرام. وأن وقفة ما سنتظم لا محالة في المكان ذاته. لمحت عيناي سيارات القوات المساعدة والشرطة في الأزقة الجانبية. في نفس الوقت رأيت وجوها ألفتها من رجال الأمن بزي مدني من مختلف الأجهزة. إلى حدود السابعة كان المشهد عاديا. الراجلون يمشون جيئة وذهابا دون أن يظهر أثر للمتظاهرين. وقفت بساحة 11 نونبر ، بعدها جلست قرب نافورة الساحة أتبادل أطراف الحديث مع صديقي. بعد حوالي نصف ساعة سيلتحق بعض الشبان، عرفت فيما بعد أنهم من حركة 20 فبراير. حرصت أشد الحرص على البقاء بعيدا ولأمتار. لم أكن وسط دائرة الوقفة ولا في أطرافها. بقيت واقفا أشاهد ما يدور حولي. التحق بي زميل كنت قضيت معه نهاية الأسبوع في عاصمة التمور «أرفود»، استعدنا بعضا من الذكريات في رمال مرزوكة وسهرة جميلة رفقة زملاء آخرين من مختلف المنابر الإعلامية بعد يومين من العمل في المعرض الدولي للتمور. انصرف زميلي الصحافي، والتحق بأطراف الوقفة الاحتجاجية لجمع المعطيات، لكنني حرصت على البقاء بعيدا لأمتار. بالكاد كنت أسمع الشعارات التي يرفعها شبان حركة 20 فبراير لكني لم أسمع كلمات بعض منهم. لم أشاهد حتى اللافتة التي رفعها المحتجون ولم أتبين حتى الوجوه التي ألفت رؤيتها في تغطياتي لمسيرات حركة 20 فبراير طيلة السنة المنصرمة. لم أكن أتصور أن رقم 13 مشؤوم في حياتي. في مثل هذا اليوم من شهر مارس من سنة 2011 كنت ضحية اعتداء من طرف عناصر الاستعلامات العامة وعناصر الأمن بالقرب من نافورة ساحة الحمام بعد تفريق محتجين كانوا ينوون تنظيم وقفة ضد «الفساد والاستبداد». ولم أنتبه قط أنه يوم يحمل نفس الرقم، وأنه تنتظرني هراوات الأمن لأتذوق مرارتها مرة أخرى، وإن كنت قد تذوقتها منذ أسابيع فقط بحديقة محكمة الاستئئاف بالدار البيضاء بعد تفريق اعتصام كتاب الضبط داخلها. لم تمر غير لحظات، بدأ خلالها شبان حركة 20 فبراير يرددون شعارات كثيرة اعتدت سماعها منذ أشهر. لكن شعارات أول أمس كانت تركز على المعتقلين السياسيين ويطالبون بإطلاق سراحهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة. لحظات بدؤوا يرددون شعارات قوية، فتحركت دراجات الصقور لتحيط بالوقفة من كل جانب، وتحرك معها رجال الأمن بهراواتهم، واتجهوا مباشرة صوب المنظمين الرئيسيين للوقفة واقتادوا بالقوة أحد الشبان إلى سيارة الشرطة. بدأت الهراوات تنهال على أجساد الآخرين، فيما هرول المشاركون في الوقفة والفضوليون من عين المكان، كل منهم في اتجاه. أخرجت هاتفي النقالين لتصوير المشهد، وأنا واقف في مكاني. لحظات طلبت من مرافقي التحرك لمغادرة المكان. على بعد أمتار رأيت رجال الأمن يضربون المحتجين. لم يكتفوا بذلك، بل انتزعوا آلات التصوير من مصورين صحافيين. رأيتهم يعتقلون مصورا صحفيا يرتدي سترة بها عبارة «صحافي»، لم أتردد في الاقتراب منه، وسألته من يكون وفي أية مؤسسة يشتغل. أجابني أنه من وكالة « أيس برس»، و سلم علي بيديه، وناولني خفية بطاقة تخزين الصور، حينها انهالت علي هراوة على الرأس. سمعت أحدهم يقول: اضربوه لقد أعطاه شيئا ما. ضربات بالأحذية تنهال على أطرافي، أياد كثيرة امتدت لشل حركتي.. لا أسمع سمعت اضربوه، اضربوه. لم تشفع صيحاتي وإخبارهم أنني صحافي، لكنهم كانوا مصرين على ضربي أيما إصرار، ولم لا فزميلي المصور الصحافي يحمل آلة تصوير ويرتدي سترة مميزة لكنه لم يسلم من الرفس والسب والقذف، فما بالي أنا الذي أخبرتهم فقط شفويا أنني صحافي. تلقفتني أيادي عدد منهم وجرجروني في اتجاه سيارة الأمن، قبل أن يتدخل رجل سلطة يعرفني منذ أشهر ويتركوني، حينها بدأت أفقد وعيي شيئا فشيئا، لم أعد أرى جيدا، ولا أسمع سوى قليل من الأصوات. وسقطت أرضا.. بقيت على تلك الحال. سمعت أحدهم يقول «إنه يتظاهر بالإغماء»، حين حاولت تمالك أنفاسي رغم إحساسي بدوخة، خاطبت ضابط أمن من الاستعلامات أعرفه جيدا «أنت ضابط شرطة، وتعرف أن القانون يفرض عليك تقديم المساعدة لشخص في خطر»، وواصلت بأعلى صوتي : أحضروا سيارة إسعاف.. أحضروا سيارة إسعاف». بقيت ملقى على الأرض، إلى أن طلبوا مني النهوض. لم أستطع ذلك، فحملوني على متن نقالة إلى السيارة. رافقني صديقي إلى أن وصلت إلى المستعجلات. طيلة المسافة بين مسرح الاعتداء ومستعجلات ابن رشد بدأ رأسي ينتفخ شيئا فشيئا، وبدأ الألم يزداد ويزداد، لكنني كنت حريصا على الصبر والمقاومة كعادتي. حضر بعض من زملائي. بعدها لم أعد أتذكر شيئا. بين الفينة والأخرى كنت أحاول جاهدا مقاومة «الدوخة» التي انتابتني، لكن دون جدوى. فحصتني طبيبة، وطلبت مني إجراء فحص بالأشعة على وجه السرعة.. ليقرر جراح الدماغ الذي فحص نتائج «السكانير» أن يمنحني فترة راحة أسبوعا كاملا. … لن أرتاح أبدا وسأبكي وأبتسم، فقدري أنني أوجد دائما في أماكن لا يراد لي أن أكون شاهدا فيها على تجاوزات السلطة وشططها اتجاه المواطنين، لذلك لا بأس إن تذوقت بدوري بعضا من آلام هذا الشعب الذي له الحق في المعلومة. أوسيموح لحسن