كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة من صباح أول أمس الأحد حين قررنا القيام بجولة تفقدية لمحيط ساحة محمد الخامس ، والمنافذ المؤدية إليها لمعرفة إن كان الوضع سيتسم بالهدوء هذا اليوم على غرار الوقفات السابقة التي احتضنتها هذه الساحة والتي كانت تدعو لها تنسيقية الدارالبيضاء لحركة «شباب 20 فبراير»، أم أن الأمور ستتغير وستنهج مصالح وزارة الداخلية نهجا آخر خاصة بعد الخطاب الملكي ليوم الأربعاء 9 مارس، وبعد إعلانها عن منع أية وقفات أو مسيرات غير مرخصة قانونيا، تبين لنا بالفعل أن ملامح استثنائية بدت وتعزيزات أمنية لأول مرة حضرت في انتظار إشارة للتدخل، ونفس الأمر انطبق على الساحة ذاتها التي كانت جنباتها مؤثثة برجال الأمن بالزي المدني وبالصدريات وبالزي الرسمي، الذين ما أن قاربت الساعة العاشرة و 45 دقيقة حتى ولجوا جميعهم إلى داخلها وشرعوا في مطالبة بعض المواطنين الذين منهم من كان يتواجد بغرض النزهة والتجول بمغادرة المكان، قبل أن يصطدم بعضهم بأحد النقابيين الذي رفض الامتثال للأمر في الوهلة الأولى قبل أن ينصاع للأمر، هذا في الوقت الذي بدأ فيه العشرات من أعضاء جماعة العدل والإحسان في التوافد على الساحة بشكل جماعي صفّا صفا، آنذاك توجه المسؤولون الأمنيون وبعض ممثلي السلطة المحلية نحوهم من أجل إخبار القادمين بأن أية وقفة أو مسيرة هي ممنوعة لعدم التوفر على ترخيص قانوني بذلك، الأمر الذي استنكره المخاطبون الذين تعالت أصواتهم لاستنكار الأمر وترديد الشعارات من قبيل «التظاهر حق مشروع والمخزن مالو مخلوع» تلتها تكبيرات، ثم شعار «سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية»، أعقبتها محاولات للانفلات من الطوق الأمني، فشرع رجال الأمن في دفع المحتجين إلى الوراء الذين التحق بهم عدد من أعضاء النهج الديمقراطي، على مقربة من كشك خاص بالسياحة، حيث تراجعوا للحظات إلى أن استجمعوا قواهم وتقدموا في توقيت واحد هرولة فعدوا في اتجاه «النافورة»، وهو ما تمكن منه العديدون إذ تراجعت أمام اندفاعهم العناصر الأمنية، التي طلب مسؤولوها التعزيزات، قبل أن تحل عناصر أخرى مدججة بالهراوات المطاطية التي شرعت بدورها في دفع أعضاء الحركة إلى الوراء، قبل أن تندلع شرارة المواجهات بين الطرفين. ساحة محمد الخامس تحولت إلى مسرح للكر والفر والمطاردة، من أجل اعتقال كل من تواجد بها ولم يمتثل لأمر الانسحاب، وهو التوقيت الذي التحق فيه بعض أعضاء حركة «شباب 20 فبراير» بالمكان فوجدوا أن فصول المواجهة قد انطلقت قبل وصولهم، حيث «استقبلوا» بدورهم من طرف رجال الأمن الذين عملوا على اعتقال عدد منهم، كما طال الاعتداء الصحافيين والمراسلين والمصورين، حيث لم تفرق العناصر الأمنية بينهم وبين المحتجين، وهو ما أسفر عن اعتداء على الزميل أوسي موح لحسن ومحمد العدلاني وسعد الداليا من جريدة ««الأحداث المغربية»» أحمد نجيم من موقع «كود» وصلاح المعيزي من «نوفيل اوبسرفاتور»، في حين تكومت أرضا عدد من الأجساد وهي في حالة إغماء أو تصرخ طلبا للاستغاثة. مشهد الكر والفر، استمرت فصوله بساحة «بنك المغرب» وبشارع ادريس الحريزي وبممر الأمير مولاي عبد الله والجنبات المحيطة، وعلى مقربة من ثكنة الوقاية المدنية وخلف القنصلية الفرنسية، حيث تدخلت العناصر الأمنية مرة أخرى وواصلت مطاردتها للمحتجين الذي حاولوا تنظيم صفوفهم للعودة إلى الاحتجاج من جديد، إلا أن الصرامة الأمنية حالت دون أن يحققوا مبتغاهم، فتفرقت الجموع وسط الأزقة إلى أن التقت في ما بينها من جديد أمام مقر حزب اليسار الاشتراكي الموحد، بإقامة «المارشال أمزيان»، وهناك احتشد العشرات وشرعوا في ترديد الشعارات من قبيل «خارجين زنكا زنكا» ، وأخرى تعلن عن رفضها لما اعتبرته دستورا ممنوحا مطالبة بالتغيير، وبإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة المتورطين في أعمال العنف. ظل الوضع على حاله على امتداد ساعات، حيث كانت تمر اللحظات وفي مرورها كان يلتحق آخرون بالتجمع الذي تحول إلى ساحة للمعتصم بعد التقدم نحو الشارع، وخلال لحظة من اللحظات خرج المناضل «بنسعيد أيت ايدر» رفقة الأمين العام لحزب اليسار الاشتراكي الموحد ومعهم بعض أطر الحزب الذين توجهوا صوب والي أمن الدارالبيضاء الذي خاطبه المناضل بنسعيد قائلا « أطلقوا سراح المعتقلين وإلا سنعتصم بدورنا»، فأجابه والي أمن الدارالبيضاء، بأن «الكل أخلي سبيلهم وبأن لا أحد يوجد رهن الاعتقال»، مناشدا إياهم التدخل من أجل فك المشكل وبأن يتصرف المحتجون بشكل عقلاني وحكيم عوض تفعيل ما يعتزمون القيام به من مسيرة لأن الأمر ليس قانونيا، مضيفا « راه تساهلنا نهار 20 فبراير ومن بعد، خلال كل الوقفات التي نظمت وذلك دون الحصول على تراخيص، ولكن راه مايمكنش الأمر يستمر بهذا الشكل»، قبل أن يتوجه مسؤولو الحزب نحو المحتجين حيث أخبرهم المناضل بنسعيد بقرار المجلس الوطني لحزبه. دارت عقارب الزمن قليلا ، فبدأ عدد من مناضلي حركة « شباب 20 فبراير» في الالتحاق بالمكان ومن بينهم «أسامة الخليفي» و «أحمد المدياني» عن الشبيبة الطليعية وعدد من أعضاء العدل والإحسان. وظل الوضع هادئا إلى أن شاهد جميع من تواجدوا بزنقة أكادير وبمحيطها عشرات من عناصر قوات التدخل السريع والقوات الخاصة بفك الاعتصامات، تتوجه راجلة إلى مدخل الزقاق الذي يقف في منتصفه المحتجون، قبل أن يتوجه مسؤول أمني توشح بوشاح باللونين الأحمر والأخضر لمطالبة المحتجين بفك الاعتصام ومغادرة المكان أو الدخول إلى مقر الحزب، وإلا سيتم المرور إلى مرحلة التدخل بالعنف، والذي ما كاد يكمل تحذيراته حتى طوقت باقي العناصر الأمنية المكان وشرعت في مهاجمة المحتجين الذين رصوا صفوفهم في مواجهتهم وتعالت أصواتهم بالشعارات المنددة والمؤكدة على الطابع السلمي لاحتجاجاتهم، إلا أن هذه الشعارات لم تحل دون استعمال الأجهزة الأمنية للقوة والعنف، حيث شرعت الهراوات تنزل على أجساد المحتجين وطالت حتى الصحافيين، حيث أصيبت على إثر ذلك رحاب حنان الصحافية بجريدة «الاحداث المغربية»» وعضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية والكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات بالعديد من الكدمات والرضوض بسائر أنحاء جسدها، نقلت على إثرها إلى مستعجلات إبن رشد لتلقي العلاجات الأولية ، كما تعرض للاعتداء كل حميد باجو عضو المجلس الوطني للحزب وعبد الرحيم مساعد، وعدد من الشابات والشبان. في حين احتمى مواطنون و مناضلو حزب اليسار الاشتراكي بمقرهم، هذا في الوقت الذي علا صراخ الشابات ونحيبهن، وشرع بعض الشبان في مهاجمة العناصر الأمنية بالشعارات المنددة، أمام باب مقر الحزب، قبل أن تطاردهم بعض العناصر إلى غاية المدخل. وخلال لحظات أخليت الساحة عن آخرها التي لم يتبق فيها غير عناصر الأمن وبعض الصحافيين ، هذا في الوقت الذي خرج فيها مناضلون من اليسار الاشتراكي الموحد للتعبير عن تنديدهم، فكان جواب الموزوني والي أمن البيضاء أنه لن يقبل بوجود «الشمكارة» للعبث بممتلكات المواطنين وترويع أمنهم كما وقع يوم 20 فبراير حين انسحب الجميع وتركوا الشارع العام عرضة للانفلات بعيدا عن أي تأطير. فصول أخرى من المواجهات كان أبطالها هذه المرة هم سكان الإقامة المجاورة لمقر الحزب الذين خرجوا بدورهم للاحتجاج على المحتجين صارخين في وجوههم « شوهتونا، وما بقيناش نعسو، فقدنا الراحة معكم» قبل أن يتطور الأمر إلى تبادل للسب والقذف، ومحاولات للاحتكاك أمام أعين رجال الأمن الذين تدخلوا لفض أي اشتباك محتمل بين الطرفين. وخلال التجمع الكبير الذي نظمه شباب «حركة 20 فبراير» بشارع بغداد (المتفرع عن شارع أكادير) ، ألقى شباب الحركة بيانا ذكروا فيه أن الحركة ستستمر في اعتصامها الى حين اطلاق سراح المعتقلين 123، الذين تم اقتيادهم إلى ولاية الأمن بالدارالبيضاء، والذين كان من ضمنهم العديد من المصابين إصابات خطيرة على مستوى الكتف والرجل. كما واكبت وقائع التدخلات العنيقة لرجال الأمن، والوقفة التي شهدها شارع بغداد (المقابل لمقر الحزب الاشتراكي الموحد) كاميراتان للقناة الأولى، فيما تم منع كاميرا القناة الثانية من تصوير الأجواء والحركة التي كان يعرفها مقر تجمع شباب الحركة، واكتفوا بتصوير ما كان يحدث خارج المقر. وإذا كان عدد المعتقلين، الذين تم إطلاق سراحهم فإن عدد الجرحى والمصابين بإصابات خطيرة لم تتمكن اللجنة التي شكلها شباب الحركة، من إحصائهم، وحسب بعض المصادر من وسط شباب «حركة 20 فبراير» ، تمكنا من التعرف على أن هناك 7 حالات تم ادخالها للمستشفى الجامعي ابن رشد لتلقي العلاجات، وحالة أخرى بإحدى المصحات الخاصة. العديد منها أصيب إصابات خطيرة على مستوى الكتف والرأس والأرجل. وأثناء فترة الاعتقال بمقر ولاية أمن الدارالبيضاء، أرغم العديد من المعتقلين على التوقيع على محاضر، على أساس متابعتهم قضائيا بدعوى أن الوقفة التي كانت ستنظم صدر في حقها قرار المنع. الاعتداءات التي تعرض لها شباب «حركة 20 فبراير»، لم يسلم منها كل من الفنان أحمد السنوسي، محمد دعيدعة، محمد الساسي، فاطمة الزهراء الشافعي، إلى جانب التعنيف الذي تعرض له العديد من الزملاء الصحافيين الذين كانوا يقومون بواجبهم المهني وقد أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بلاغا أدانت فيه العنف الذي يستهد الصحافيين أثناء قيامهم بمهامهم، كما وجهت رسائل الى كل من الوزير الاول، وزير الداخلية، العدل، الاتصال، تدعوهم فيها الى تحمل مسؤولياتهم تجاه هذه الانتهاكات الصارخة للقوانين الوطنية والمواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان وحرية التعبير.. كما أعلن الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد محمد مجاهد ، في ندوة صحفية عن تعليق أشغال المجلس الوطني للحزب إلى أجل غير مسمى. وأوضح مجاهد، بهذا الخصوص، أن هؤلاء الشباب «قاموا بتنظيم وقفة سلمية للإعلان عن مطالبهم»، موضحا أنهم «ليسوا في حاجة لترخيص مسبق، وأن قوات الأمن تدخلت بقوة لتفريقهم، بل لاحقتهم إلى داخل مقر الحزب وهذا مناف للقوانين .» كما نفى مجاهد أن يكون المتظاهرون قد قاموا بالاعتداء على رجال الأمن، موضحا «أن عناصر الأمن هم من بادر بالاعتداء، في لحظة كان فيها حوار مفتوح مع مسؤولين من رجال الأمن لإيجاد مخرج والإفراج عن الأشخاص الموقوفين». وعلى إثر كل هذه الوقائع ، عقدت لجنة قضايا الشباب التابعة للكتابة الجهوية للحزب بجهة الدارالبيضاء الكبرى اجتماعا عاجلا مساء الأحد ، وبعد وقوفها على جميع التداعيات فإنها: «تعلن رفضها القاطع لاستعمال العنف ضد المتظاهرين وتؤكد على حرية التظاهر السلمي، تتضامن مع كل الشباب الذين اعتقلوا لساعات والذين تعرضوا لاعتداءات بدنية من طرف قوى الأمن، وتحمل مصالح الأمن للدار البيضاء كل تداعيات هذا التدخل غير المبرر، كما تدين محاولات بعض القوى الركوب على حركة 20 فبراير باعتبارها حركة سياسية مطالبة بالتغيير وتحسين أوضاع الشعب المغربي، وتحيي مشاركة الشباب الاتحادي وتحثهم على المساهمة الفعالة إلى جانب الشباب مع احترام خصوصية الحركة وعدم فسح المجال لتوظيفها سياسيا من طرف أية جهة». من جهته أصدر المجلس الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بلاغا عن مجلسه الوطني الذي كان ملتئما أول أمس بالرباط ، أكد من خلاله أنه «يدين الحملة القمعية الشرسة الرامية الى مصادرة حرية التظاهر والاحتجاج والتضييق على الأحزاب المساندة لحركة 20 فبراير ، مما يطرح عدة تساؤلات حول رغبة المسؤولين في تحقيق إصلاح وتغيير حقيقيين مع استمرار نفس الأساليب القمعية والاستبدادية... كما أشار نفس البلاغ الى قمع عدة وقفات أخرى بكل من بركان، المحمديةخريبكة.. من جهته أدان المكتب الوطني للشبيبة الطليعية ما أسماه »القمع الوحشي لتظاهرات 13 مارس بكل من الدارالبيضاء ومجموعة من المدن». في السياق ذاته ، تعرض الأخ عبد الرحيم مساعد عضو مكتب فرع سيدي عثمان الى الضرب المبرح من طرف أمن الدارالبيضاء في جميع أنحاء أعضاء جسمه،نقل على إثره في حالة غيبوبة الى مستشفى ابن رشد . وإثر ذلك، قام مكتب الفرع بعقد إجتماع طارئ تطرق فيه إلى الموضوع بكل مسؤولية والى جميع الجوانب السياسية. من جهة أخرى نظمت التنسيقية المحلية المساندة لحركة 20 فبراير أول أمس الأحد، وقفة سلمية بالمحمدية تعرض منظموها إلى تدخل عنيف من قبل قوات الأمن التي اعتقلت عددا منهم . وقد التحق المتظاهرون بمقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث عقدوا تجمعا تعبويا في أجواء اتسمت بمعنويات عالية وخلصت نقاشاته إلى اتخاذ قرار الاعتصام بالمقر بشكل مفتوح إلى حين إطلاق سراح جميع المعتقلين. وهكذا شكلت لحظة الإفراج عن المعتقلين واستقبالهم بمقر الاعتصام، مناسبة لتأكيد الجميع على ضرورة مواصلة الصمود حتى تحقيق مطالب الشعب المغربي في الحرية والكرامة والديمقراطية. كما تم الاستماع لشهادات بعض المعتقلين الذين قدموا معطيات عن ظروف اعتقالهم وما مورس في حقهم من قمع وإهانة.