يعود الإعلامي محمد البوعناني المعروف بارتباط اسمه بالبحر إلى شاشة القناة الأولى ببرنامج بحري جديد اختار له عنانا ” مجلة البحر”. البوعناني في الحوار التالي يبسط لقراد “الأحداث المغربية” جديد برنامجه والدوافع التي حفزته علي العودة إلي الشاشة وهو في سن الثالثة والثمانين وتفاصيل أخري عن مجلته البحرية. * بعد غياب طويل عن الشاشة يعود محمد البوعناني ب”مجلة البحر”. ما الجديد الذي يحمله البرنامج للمشاهد؟ ** الجديد هو البحر ذاته. هذا المغربي الممتد على مسافة 3600 كلم، والدائر حولنا كمنطقة اقتصادية من ذهب في 100 كلم مربع. لكم أهملناه وأدرنا له ظهرنا في الماضي والحاضر، وركزنا اهتمامنا فقط على “الوطا” والأراضي التي تمنحنا الزرع، مع العلم أن كل التهديدات تاريخيا والمصائب التي ألمّت بالمغرب جاءتنا من البحر، وكل ما حققناه من شهرة وامتدادات حضارية كان عن طريق البحر. فهو ليس فقط الوسيلة الكبرى لانفتاحنا على العالم والتواصل معه، بل هو أيضا مصدر ثرائنا من ناحية الثروة السمكية التي يدخرها ومن الناحية السياحية كذلك. البحر هو الرئة التي يتنفس منها المغرب، ويمنحنا الإمكانيات التي تساعدنا على الازدهار السياحي. كل ما هو متعلق بالسياحة عندنا فهو متعلق بالبحر أكثر. والبحر الأبيض المتوسط اليوم هو أكثر بحار العالم مرضا واعتلالا في العالم كله. لم يعد هذا البحر الجميل كما كان من قبل. ارتفعت نسبة الملوحة فيه، وبدأ يكتسح المناطق البرية، ويلتهم الأراضي الزراعية. وصار مستهدفا بالصيد العشوائي. وهنا أقولها والدموع ملء عيني. هذه السنة فقط عاينا في الأسواق أن السمك الذي يباع هو من الحجم الصغير جدا. هذا التهافت على السمك الصغير قبل أن يلد ويفرخ يهدد ثروتنا البحرية بشكل مباشر ودرامي، لأننا بصيد الأسماك من هذا الحجم الصغير نقضي على مستقبل العديد من الأنواع في بحارنا. وهذه مشكلة كبيرة قائمة الآن. لذلك جاء البرنامج ليملأ أولا فراغا في برامج البحر علي قنواتنا ويلعب دور الساطة بين البحارة والمشاهدين، وليدق بقوة ناقوس الخطر، ويدعو إلى ضرورة الاستفادة من المعاهد العلمية والاستثمارات الشراكات الدولية واستزراع الأنواع السمكية المهددة عندنا بالانقراض وتربيتها وفق مخطط استراتيجي. وما أكثر الأنواع المهددة بالانقراض بدءا من الشابل ووصولا إلى السردين ولانشوفا. فالبحر حياتنا ولزاما علينا أن نوليه الحق الذي يستحقه. * بخصوص المعاهد التي أشرت إليها، يُلاحظ على البرنامج عدم اكتفائه بالتصوير في عرض البحر فقط كما كان أمر برامجك السابقة، “المغرب البحري” و”لو يحكي البحر”، بل اقتحم هذه المعاهد العلمية الوطنية ونقل للمشاهد أعمالها المختبرية.. ** تماما. وهذا نابع من أرضية التكوين المهني. نعلم أن المغرب انخرط بقوة في التكوين المهني منذ سنوات، وتكرس الأمر مع تدشين جلالة الملك لعدد مهم من المعاهد في كل جهات المغرب. وقد شرعت هذه المعاهد في تخريج عدد من الأطر التي تقوم اليوم بتجارب علمية مهمة على الأسماك من شأنها أن تخدم هذا القطاع الحيوي وتحفظ أنواعنا من الانقراض إذا ما تم احترام ثرواتنا. والبرنامج اليوم يغتني فعلا بدخول هذه المعاهد ومراكز الاستزراع ونقل ما يُجرى فيها من تجارب وأبحاث على مختلف أنواعنا البحرية عبر عدسة الكاميرا إلى المشاهد المغربي لإثراء معلوماته ببحاره وبما تدخره من ثروات. لكن بدون تطبيق ما تتوصل إليه هذه المعاهد من نتائج بحثية وخلاصات علمية لن يكون لهذه الدراسات أي معنى. صحيح أن المعاهد تعمل على حفظ الصحة العامة في جزء مهم من أبحاثها لكن الأهم هو صيانة ثرواتنا للمستقبل وتطويرها نحو الأفضل. أعرف أن البحر كبير جدا، لذلك فميدان البحث فيه كبير هو الآخر ويتطلب تضافر المجهودات. وقد عاينت في هذه المعاهد أشياء واكتشافات من أروع ما يكون وهو ما يبشر بالخير. * الخروج إلى البحر والتصوير فيه يتطلب لوجيستيك ووسائل تقنية وفريق متخصص. كيف يتم التعامل مع هذه المعطيات؟ ** هناك مثل يقول “البحر كل نهار والفراجة واحد النهار”. أحيانا نخرج ونقطع مسافات طويلة ونظل اليوم كله في البحر لكن دون أن نظفر بصيد مهم يستحق البث. وأحيانا أخرى ما نكاد نتجاوز الشاطيء بمسافة قليلة حتى يحالفنا الحظ ونعثر على نواع من السمك لم تكن لتخطر لنا على البال، ونقدم مادة إعلامية عنها غنية جدا. أما الوسائل التقنية فإن الجانب المهني هو الأهم في العملية ككل. هناك من يستعمل كاميراتين، إحداهما في “فلوكة” والأخرى في مركب كبير، وفريق كبير من التقنيين. لكننا نحن نعتمد على كاميرامان ،واحد متعود على البحر ومخرج وتقني صوت وتقني إنارة بالإضافة إلى معد البرنامج. * كم دامت مدة تصويرك للبرنامج وعدد حلقاته؟ ** سيلاحظ النظارة الكرام أن تواريخ الحلقات تختلف. هناك ما يعود إلى 2009، السنة التي بدأنا فيها التصوير، وهناك ما يعود للسنة الفارطة. كل ما في الأمر أن المسألة تقنية وترتبط بإكراه البرمجة. ففي الوقت الذي كانت بعض الحلقات جاهزة للبث كانت الشبكة البرامجية محتشدة بالمواعيد والبرامج ولم يتسن لنا البث وقتها. لكن مع الهيكلة الجديدة سيعرف البرنامج انتظاما في البث بوتيرة أسبوعية. بل شاهدت مؤخرا أن وتيرة بث المجلة انتقلت من حلقة كل يوم أحد إلى حلقتين في الأسبوع وهو ما يحفزني على رفع إيقاع العمل والمزيد من تحمل المسؤولية مستقبلا. وأنا كما سبق لي أن قلت أوجد بين اثنين : الكاميرا على يميني والبحر على يساري. ربما أموت في هذا الوضع، ولكني سأموت وقتها وأنا أمارس العمل الذي أحبه. وما أتمناه هو أن يكون من سيخلفني في الاهتمام بالبحر إعلاميا أحسن مني. وقد طلبت مؤخرا من مسؤولي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أن يمدوني بصحافيين مبتدئين في قسم الأخبار أو البرامج ليخرجوا معي من أجل أن أنقل إليهم هذه العدوى الجميلة. ويتشبعوا بمعرفة البحر.