في موسم الحدث الرياضي الأوروبي بمناسبة كأس الأمم الأوروبية في فرنسا، اتجهت أعين العالم العربي إلى أوروبا تتابع بشغف يوميات المباريات وأخبار نجومها. ومن قلب ذلك المشهد تصاعد اهتمام الرأي العام العربي بالاستفتاء في بريطانيا، بصفته مناسبة إخبارية أكثر من كونه حدثا يطاله مباشرة. وما أفادت به وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي أظهر اهتماما بنتائج الاستفتاء وعبّر عن تفاعل نشط في هذا المضمار. ورأى البعض من المراقبين أن الهجرة العربية إلى أوروبا رفعت من مستوى اهتمام العائلات العربية بمصير أوروبا، وفق الميول التي صدرت عن المهاجرين، لا سيما أن الجالية العربية في بريطانيا أظهرت انقساما حادا في شأن التصويت لصالح "البقاء" أو "الخروج". واللافت أن ردود الفعل العامة في العالم العربي تفاوتت ما بين "الصدمة" جراء قرار الصناديق و"الشماتة" المتأسسة على شعبوية أيديولوجية أو دينية ضد الآخر أي آخر. لكن النخب السياسية العربية، لا سيما تلك القريبة من مصادر القرار، لم تجد فارقا كبيرا بالإمكان استشرافه في واقع العلاقات السياسية بين بريطانيا والعالم العربي. ويعتقد باحثون في تاريخ هذه العلاقات أن لندن لطالما كانت ملتزمة بالسياسة الغربية والأوروبية في كافة الملفات المتعلقة بالعالم العربي، وأن موقف لندن لم يكن مغايرا لذلك الأوروبي في المسائل التي تعلّقت بشؤون النزاع العربي الإسرائيلي أو في الشأن المتعلق بالصراع مع العراق منذ احتلال الكويت أو بذلك المرتبط بنتائج "الربيع العربي" ومقاربة تداعياته. لكن البعض من المراقبين يرون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيحرر لندن من سياسة أوروبا الخارجية، لا سيما في العالم العربي، وأن لندن ستحاول بصعوبة رسم سياستها العربية بمعزل عن التوجهات الأوروبية، وربما على نحو منافس مع بلدان مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في مسائل الاستثمار والتبادل التجاري وسوق الأسلحة. ويلفت دبلوماسيون عرب إلى أن مواقف بريطانيا لطالما كانت قريبة من مواقف الإدارات الأميركية في العالم العربي، وأن بريطانيا انصاعت لقرار واشنطن في غزو العراق عام 2003 رغم التحفّظات الأوروبية ورفض فرنسا المشاركة في تلك الحملة. وتضيف هذه المصادر أن ابتعاد لندن عن القرار الأوروبي سيرفع عنها حرج التصاقها بسياسات واشنطن في كافة الملفات، خصوصا تلك المتّصلة بشؤون المنطقة. لكن مراقبين بريطانيين يرون أن العالم العربي لم يكن بعيدا عن مضامين الحملات التي سبقت الاستفتاء، وأن البراكين التي أحدثها "الربيع العربي" وما قذفه إلى أوروبا من لاجئين وظواهر إرهاب ضربت قلب القارة الأوروبية، قد يكون وراء ارتفاع نسب الخوف لدى المجتمع البريطاني واقترابه من أطروحات الداعين إلى عزل "الجزيرة" البريطانية وحمايتها من الأخطار الاقتصادية والأمنية التي تتيحها سياسة الحدود المفتوحة التي تفرضها معاهدات الاتحاد.