أبدت دول مجلس التعاون الخليجي دعما واضحا وصريحا للمغرب في قضيته المركزية الصحراء المغربية. يأتي ذلك في وقت تشهد فيه العلاقة بين الرباطوالأممالمتحدة توترا على خلفية ما أسمته الحكومة المغربية انحياز المنظمة "غير المسبوق" لحركة البوليساريو وداعمتها الجزائر. وعبّر بيانٍ ختامي صدر عقب الاجتماع الوزاري المشترك الخامس بين وزراء خارجية دول الخليج، والأردن والمغرب، الأربعاء 9 مارس الجاري في العاصمة السعودية الرياض، عن تأكيد دعمهم ل"مبادرة الحكم الذاتي، الجديّة وذات المصداقية، التي تقدم بها المغرب، كأساس لأيّ حل تفاوضي لإنهاء النزاع الإقليمي حول إقليم الصحراء". وهذا الموقف الخليجي متوقع لإيمان دول مجلس التعاون بالطرح المغربي القائم على تمكين البوليساريو من حكم ذاتي موسّع تحت السيادة المغربية. وكان لدول الخليج وخصوصا السعودية ودولة الإمارات، الأثر الكبير في إبطال مشروع قرار في مجلس الأمن تقدمت به الولاياتالمتحدة في العام 2013 لتوسيع مهمة قوات الأممالمتحدة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار بالصحراء إلى مراقبة حقوق الإنسان، وهو أمر مرفوض بالنسبة إلى الرباط. وأكد سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين بأبو ظبي، في تصريحات ل"العرب"، أن دول الخليج من أكثر الدول العربية دعما للموقف المغربي من الصحراء. وأضاف الصديقي "على المستوى السياسي يحظى المغرب بمساندة غير مشروطة من حلفائه الخليجيين سواء في المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأممالمتحدة، إلى جانب المؤسسات العربية الإقليمية، أو على مستوى علاقات دول الخليج الثنائية مع الفاعلين الدوليين المؤثرين في الساحة الدولية من خلال التدخل لديها لدعم الموقف المغربي". وتربط المغرب ودول الخليج العربي، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية، علاقات استراتيجية، تدعّمت خلال السنوات الأخيرة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة. واعتبر المحلل السياسي المغربي محمد بودن، في تصريح ل"العرب"، أن دول الخليج بالنسبة إلى المغرب دائرة حيوية، وعلى الأخص المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، موضحا أن التقارب بين دول مجلس التعاون، والمغرب بات يأخذ بعدا فوق متطلبات الشراكة جعل المواقف تأخذ طابع العلنية بشأن مختلف القضايا المصيرية والاستراتيجية. وأكد بودن على أن فلسفة العلاقات بين الطرفين، خاضعة لمنطق دولتي، بالإضافة إلى العلاقات المتينة بين الأسر المالكة والأميرية، معتبرا أن هذا ترجمة لاستمرارية تطابق وجهات النظر بشأن عدة قضايا، وربط للماضي بالحاضر، وهنا يستحضر المشاركة المكثفة لدول الخليج في المسيرة الخضراء سنة 1975. ونظرا إلى أن لغة الاقتصاد وتدفق الاستثمارات تعدّ من وسائل القوة في العلاقات الدولية، فإن المملكة المغربية تعوّل على الاستثمارات الخليجية وخصوصا الإماراتية والسعودية للارتقاء ببعض القطاعات الحيوية في الأقاليم الجنوبية المغربية، خصوصا التصنيع وتوليد الطاقة والنقل الجوي للركاب والبضائع وصيد الأسماك والنفط والغاز الطبيعي. وفي إطار تلك العلاقات الممتازة وعلى عدة محاور والتي تجمع المغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة، قال محمد سيف السويدي المدير العام لصندوق أبوظبي للتنمية، بهذه المناسبة، إنّ تمويل مؤسسته لمشاريع تنموية بالمغرب يعد "ترجمة عملية للتأكيد على الروابط الوثيقة والعلاقة الممتدة التي تجمع بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية على كافة المستويات". من جهته عبّر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن رغبة بلاده بالاستثمار في الجنوب المغربي، وبأنها ستوجّه رجال أعمالها لاكتشاف المنطقة وضخ رؤوس أموالهم في مشاريع متنوعة، وهذا التوازي بين الدعم السياسي لقضية الصحراء المغربية والدعم الاقتصادي بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمغرب لم يرق للجزائريين الذين اعتبروا أن "السعودية تريد الاستثمار في مناطق متنازع عليها دوليا". ولكن يبدو أن السعودية لا تلقي بالا لما تقوله الجزائر فقامت ببعث وفد من رجال الأعمال السعوديين بقيادة محمد بن فهد الحمادي، رئيس مجلس الأعمال السعودي المغربي نحو الأقاليم الجنوبية المغربية في بحر هذا الأسبوع، للوقوف على الفرص الاستثمارية التي تقدمها المنطقة. واعتبر سعيد الصديقي، في حديثه ل"العرب"، أن الرأس المال الخليجي لا يميّز بين شمال المغرب وجنوبه، ولا يتحفظ كما تفعل بعض الشركات الدولية من الاستثمار في الأقاليم الصحراوية المغربية، وهذا في حد ذاته دعم مهم للمغرب. ولا يمكن إغفال الدور الإعلامي المهم والأساسي في إبراز مصداقية الموقف المغربي في سيادته على أرضه، وفي هذا الجانب المهم يقول سعيد الصديقي "إنه إذا استثنينا قناة الجزيرة التي تحاول أن تمسك العصا من الوسط، فإن مختلف وسائل الإعلام المؤثرة في المنطقة تعكس دوما وجهة النظر المساندة للتصور المغربي من قضية الصحراء". وفي إطار العلاقات المتميزة التي تربط دول الخليج بالمغرب، تم عقد اتفاقية شراكة جيواستراتيجية متنوعة، وذات أسس راسخة، منها اتفاقية الدفاع المشترك التي تهم الجانب الاستخباراتي، والجانب العسكري في مجال التدريب والمساعدة اللوجستيكية. واعتبر المحلّل السياسي، محمد بودن، أن المغرب ما فتئ يؤكد أن أمن الخليج، هو جزء من أمنه القومي، والعكس حاصل أيضا، وأن الدعم اللامشروط، ما هو إلا تكريس لأهمية العلاقات بين الطرفين.