أعرب خبير سياسي مغربي عن خشيته من تأثير انضمام كل من الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي على جامعة الدول العربية ، وتساءل "هل تشكل هذه المبادرة التفافا على مشاريع الجامعة العربية، وهل تمثل نعيا لهذه المنظمة؟"، معربا عن تخوف البعض من تحول مجلس التعاون إلى حلف أو نادٍ للأنظمة الملكية العربية في سياق إعادة رسم خريطة سياسية جديدة للعالم العربي. تأتي هذه التصريحات بعد أيام من دعوة مجلس التعاون الخليجي في ختام قمته التشاورية بالعاصمة السعودية الرياض المغرب للانضمام إلى المجلس وموافقته على طلب أردني للانضمام، وقالت الخارجية المغربية في بيان رسمي أصدرته عقب هذه الدعوة أن الحكومة ستتعامل مع العرض الخليجي "وفق ما يلزم من جدية واهتمام بالغين". الخلفيات والمكتسبات وقال الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أن الدعوة التي وجهتها دول مجلس التعاون الخليجي للمغرب للانضمام للمجلس، تطرح مجموعة من الأسئلة والإشكالات في علاقتها بتوقيت المبادرة وخلفياتها وأهدافها، ومدى انعكاسها على الطرفين، ومدى توافر مقومات اجتماعية وجغرافية وثقافية بين الدول المبادرة والمدعوة تدعمها. ولفت لكريني أنها دعوة تأتي في ظروف إقليمية عربية تتسم بتنامي الاحتجاجات التي لم تستثن دول الخليج، كما أنها تأتي أيضا في أجواء تصاعد الصراع داخل البحرين وتنامي الدور الإقليمي الإيراني وتأزم الأوضاع في اليمن. وقال لكريني إنه يمكن أن نقرأ في جانب من هذا القرار محاولة للحد من الانتشار الإيراني في المنطقة، والبحث عن قوى إقليمية داعمة لأمن دول الخليج، خاصة أن تطور الأحداث في مصر وتونس أفقدها حليفا مهما هو النظام المصري السابق، وكشف نسبية المراهنة على الدعم الأوروبي والأمريكي أمام تنامي الاحتجاجات الشعبية. وبخصوص مكاسب الطرفين في سياق استحضار منطق الربح والخسارة عند اتخاذ قرارات حاسمة وكبرى من هذا القبيل، يرى المحلل المغربي أن انضمام المغرب سيتيح له الاستفادة من الفرص والإمكانيات الاقتصادية التي تزخر بها هذه الدول على مستوى دعم الاستثمار واستقبال العمالة المغربية، واستيراد مختلف المنتجات المغربية، بما سيسهم في الحد من معضلات اقتصادية واجتماعية بالبلاد لكن المردودية السياسية تظل غير مضمونة ويطرح بصددها أكثر من سؤال. وتابع: وفي الجانب السياسي، يطرح السؤال حول مردودية الانضمام لاتحاد المجلس على مسار الإصلاحات السياسية بالمغرب إذا استحضرنا الأوضاع السياسية للدول الخليجية، خاصة وأن سيرة الاتحاد الأوروبي مثلا تبرز أنه استفاد في تطوره من الأجواء الديمقراطية التي شهدتها مختلف الأقطار الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، قبل أن يسهم من جانبه في تعزيز هذا المسلسل الديمقراطي في مناطق عدة من أوروبا الغربية والشرقية، خاصة أن الانضمام إلى هذا الاتحاد ظل مشروطا بوجود أنظمة تؤمن بالديمقراطية وتطبقها وفي هذا السياق، تساءل لكريني : "هل المغرب في حال انضمامه للمجلس سيعطي الأولوية للإصلاحات الاقتصادية على حساب دعم الإصلاحات السياسية الداعمة لانتقال حقيقي نحو الديمقراطية؟، وهل ستكون له القدرة على التأثير في مسار دول المجلس سياسيا وتحفيزها نحو مزيد من الإصلاحات؟، أم أن انضمامه سيبطئ الانتقال نحول الديمقراطية بالمغرب؟". الدلالات والتداعيات وبخصوص دلالات وتداعيات هذا القرار الهام الذي اتخذه مجلس التعاون الخليجي لانضمام المغرب إليه، يعتبر الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة فاس، أن هذه الدعوة تشير بشكل أولي إلى أن انفتاح مجلس التعاون الخليجي نحو كل من المغرب والأردن، لأنهما الدولتان العربيتان الأكثر استقرارا خارج الفضاء الخليجي، واللتان ظلتا ترتبطان بتعاون سياسي وثيق مع دول الخليج باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لما يسمى بمحور الاعتدال في المنطقة. وأوضح خبير العلاقات الدولية أن ما يجعل البعض غير متفائل بمستقبل هذه الخطوة، هو أن البنية السياسية في المغرب تختلف كليا عن ما هو سائد في دول الخليج، مشيرا إلى أن الإصلاحات التي أقدم عليها المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة، إضافة إلى الحراك السياسي الحالي، جعلته في وضع متقدم كثيرا عن الحالة في بعض دول الخليج العربي. لذلك - يضيف الصديقي - فإن الرغبة في ضمان حصانة ذاتية لهذه الأنظمة أمام ما أصبح يتهدد بعضها من حراك اجتماعي وسياسي جارف، ليس بعيدا عن أهم الدوافع الأساسية وراء هذه الخطوة، مردفا أن ما يفسر أهمية السياق السياسي الظرفي لهذه المبادرة، هو أنه لم يستجاب لطلبات الأردن والعراق واليمن التي ظلت تطرق باب مجلس التعاون الخليجي منذ سنوات. ويردف الصديقي أن تواضع حجم العلاقات التجارية البينية المغربية الخليجية - باستثناء السعودية التي يرتبط المغرب معها بعلاقات تقليدية متينة - يفضي إلى صعوبة توقع نتائج كبيرة لهذه الخطوة على الاقتصاد المحلي سواء في المغرب أو دول الخليج، ومن جهة ثانية إلى ترجيح الدوافع السياسية اللحظية لهذه المبادرة. تخوف وضغوط وعما إذا كان مجلس التعاون الخليجي في وضع يسمح له بضم أعضاء جدد، أجاب الصديقي: "في الواقع لم يحقق المجلس نجاحات كبيرة في مسار التكامل والاندماج الاقتصادي والمالي بين دوله، حيث لا يزال يعاني من عوائق جمة، ولم يصل بعد إلى مستوى متقدم ومتين يبرر له ضم دول جديد لها أنظمة سياسية واقتصادية وقانية غير متجانسة". وبين الصديقي أن الاتحاد الأوربي مثلا لم يتوسع إلى دول شرق أوروبا إلا بعد ما حقق نتائج مهمة في مسار الاندماج الاقتصادي والمالي، عكس مجلس التعاون الخليجي الذي لا يزال يعاني من ثغرات كثيرة تعيق عملية الاندماج. وقال الصديقي إنه كان على المجلس الخليجي أن يقوم على الأقل بخطوات حسن نية مثل إعفاء مواطني المغرب والأردن من تأشيرة الدخول إلى دول المجلس، مشيرا إلى أن الوحدة والتكامل لا تتحقق بقرارات سياسية، بل بإجراءات عملية مدروسة تتناسب ومستوى التجانس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول المعنية. ويخلص أستاذ العلاقات الدولية إلى أن كل هذه العوامل والدوافع تفسر إلى حد ما الحذر الذي اتسم به موقف المغرب، الذي عبر عن استعداده لإجراء مشاورات من أجل تحديد "إطار تعاون أمثل" مع دول مجلس التعاون الخليجي، مما يعني بأن الانضمام والحصول على العضوية في المجلس ليس هو الخيار الوحيد. وتوقع الخبير المغربي أنه يمكن للمغرب أن يقترح صيغة خاصة لتمتين علاقته بمجلس التعاون الخليجي وتنسجم مع إستراتيجيته في الفضاء المغاربي، من ضمنها على سبيل المثال منح المغرب وضع "شريك متميز" في علاقته مع دول المجلس. ناد للأنظمة الملكية وحول تأثيرات انضمام المغرب للمجلس الخليجي على اتحاد المغرب العربي الذي ينتمي إليه، يرى الدكتور الصديقي أن الواقع يشهد بأن اتحاد المغرب العربي يعيش شللا تاما على مختلف المستويات، وقد وجد المغرب خلال العقدين الأخيرين صعوبات كبيرة في تفعيل الاتحاد وجعله نموذجا للتكامل والرفاهة الاقتصاديين، لأنه كان يواجه دائما بعوائق كثيرة وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية التي تعتبر عقبة أعاقت أي تقدم في مسار هذا المشروع الاندماجي الكبير. وبرأي الصديقي، فإن انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي لن يكون له أي تأثير يذكر خلال السنوات القادمة على الأقل، أولا بسبب حالة الشلل المطلق التي يعيشها الاتحاد، وثانيا للحركية السياسية والاجتماعية التي تشهدها بلدان الاتحاد لاسيما في تونس وليبيا والجزائر، الأمر الذي يجعل هذه البلدان تعطي الأولية الكبرى للشؤون الداخلية ولإعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويتوقع أن لا تستعيد عافيتها إلا بعد مرور سنوات. واستدرك الخبير المغربي بالقول :"إن السؤال الذي يجب أن يثار في الحقيقة، هو مدى تأثير هذه الخطوة على منظومة الجامعة العربية، هل تشكل هذه المبادرة التفافا على مشاريع الجامعة العربية، وهل تمثل نعيا لهذه المنظمة؟". وتابع إن ما يخشاه العديد من المراقبين هو تحول مجلس التعاون الخليجي إلى حلف أو نادٍ للأنظمة الملكية العربية في سياق إعادة رسم خريطة سياسية جديدة للعالم العربي، وبث روح جديدة لمحور دول الاعتدال من خلال ضم دول جديدة، لاسيما بعد الثورة المصرية التي أتت بنظام جديد لم يستقر على حاله بعد، والذي بالتأكيد لن يكون كمثيله في السابق في ما يتعلق بسياسته الخارجية، حيث بدا ذلك جليا من خلال تسريع عملية المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين وتقاربه مع إيران. تأثيرات إقليمية وإذا كان الصديقي يرى أن انضمام المغرب لمجلس التعاون لن يؤثر على اتحاد المغرب العربي، فإن الدكتور لكريني يجد أن هذا الالتحاق سيكون له الأثر الأكيد على هذا الإطار الإقليمي، بالرغم من المشاكل السياسية العويصة التي تعرقل عمله ونشاطه. وبين لكريني إن قيام اتحادات إقليمية فرعية، من قبيل اتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي، على أسس فعالة ومتينة سيدعم حتما تفعيل الإطار الإقليمي المركزي الذي هو جامعة الدول العربية، غير أن انضمام المغرب باعتباره طرفا أساسيا في النظام الإقليمي العربي وضمن الاتحاد المغاربي إلى تكتلات إقليمية متعددة سيؤثر بلا شك على مسار الاتحاد المغاربي. وزاد المتحدث بأن اتحاد المغرب العربي ينطوي على أولوية كبرى بالنظر للإمكانيات البشرية (حوالي 100 مليون نسمة)، والموضوعية المتاحة مثل اللغة، والدين، والتاريخ المشترك، والإمكانيات البشرية والجغرافية، والخيرات الطبيعية والموقع الاستراتيجي.. التي اجتمعت للأقطار المغاربية، وستسمح لها حتما بمواجهة مختلف التحديات التي تواجهها المنطقة داخليا على مستوى تحقيق التنمية، وخارجيا على مستوى مواجهة مختلف التهديدات في شتى أبعادها. * عن موقع إسلام أون لاين