بعد أن ابتلينا بنوع من الفكر الديني، يوزع الكفر يمينا وشمالا، ويعتبر كل مخالف له في الرأي خارجا عن إجماع الأمة حسب تعبيره، بدأنا نشهد نفس الفكر الديني، يتهم مخالفيه في وطنيتهم، ويريد توزيع الوطنية على الناس كما كان يوزع التكفير، قبل المراجعات. فهل أصبح لدينا شيوخ صكوك الغفران، يوزعون الوطنية كما كان يوزع قساوسة الكنيسة "المغفرة" في القرون الوسطى؟ بعد أن امتدت أيادي الغدر لاغتيال الشهيد حسن نصر الله، طغى في وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل غريب وغير مفهوم مَن وراءَه، نقاش يغرف من بئر الطائفية، ويريد إقحام بلدنا بقوة، في صراع الشيعة والسنة. فامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي، بشيوخ لا يناقشون إلا شيئا واحدا، هو تكفير الشيعة والنهي عن الترحم عن حسن نصر الله. يقومون بذلك في عز حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني المتضامن مع طوفان الأقصى. وكأن لسان حالهم يقول إن تكفير الشيعة من العقيدة، والدفاع عن المسجد الأقصى ليس من العقيدة في شيء. ثم ظهر شيخ يصول ويجول، يخلق الجدال مع الجميع، ويتهم كل مخالف له في وطنيته. فبعد أن كان يوزع الكفر بالجملة قبل المراجعات، أصبح يوزع الخيانة بالجملة بعد المراجعات. يقدم هذا الرجل نفسه، في مشهد سريالي، أنه داعية إسلامي، ويحشر نفسه مع الدعاة التقاة الذين اعتدنا في ثقافتنا "تمغربيت" أن نحترمهم، ونكن لهم كل التقدير، لأننا نشهد فيهم القدوة الصالحة، قبل علمهم وفقههم. كان الأحرى بهذا الشيخ أن يستفيد من سيرة الفيلسوف جون جاك روسو، الذي ألف كتاب "اعترافات" يعترف فيه بكل ما قام به من أعمال سيئة ندم عنها. كان عليه وهو في سن السبعين، أن يقدم اعترافات عن ثلة من الشباب، كان من الفروض أن يساهموا في الحركة التنموية في بلادهم، لكنه انحرف بهم نحو التكفير، وتركهم في حالة ضياع شارد بين السجون، وعدم القدرة على الاندماج من جديد، في حركة المجتمع. إذا كانت سيئات روسو التي اعترف بندمه عليها تخص تقصيره في رعاية أبنائه فقط، حين ضاقت به سبل العيش، وتركهم في ملجأ اليتامى… فإن أخطاء الشيخ تتعلق بجيل من الشباب، يشكلون جزأ من الوطن، كان من المفروض أن يشكلوا قيمة مضافة في الدينامية التي تشهدها البلاد. الغريب، هو أن هذا الشيخ، كل همه هو تكفير الشيعة، ولا ينبس إلا ببنت شفة حين يتعلق الأمر بجرائم الاحتلال. ويطعن المتضامنين مع الأقصى والشعب الفلسطيني، بجهدهم ومالهم وفق استطاعتهم، في وطنيتهم ويتهمهم بخيانة وحدة بلادهم الترابية. ونحن نعرف ثقافة الشيخ، لا تتحدث عن الصحراء المغربية من منطلق تفسيرها وتوضيحها والإسهام في التدافع مع الخصوم، وإنما يذكر الشيخ قضية وحدتنا الترابية فقط حين يتحدث عن فتنة الصراع بين السنة والشيعة. والواقع يقول إن اهتمامنا بوحدتنا الترابية، يجب أن يكون دائما ومتواصلا في الزمان والمكان، وليس فقط حين يتم ربطها بموضوع يريد الشيخ إقحام بلادنا فيه، ونحن في مأمن ومنأى عته.. نلاحظ كذلك، غياب الشيخ ومن يسير على منواله، في نشر الوعي بوحدتنا الترابية لدى أتباعهم. كما أننا لا نجد في أدبياتهم، أي إنتاجات متعلقة بوحدتنا الترابية، وبالمخاطر التي تأتينا من النظام الجزائري. سواء كانت تلك الانتاجات كتبا أو دراسات أو مقالات أو محاضرات أو خرجات في وسائل التواصل الاجتماعي. لكننا في المقابل، نلاحظ أن هذا الشيخ ومن يسير على منواله، يدرجون وحدتنا الترابية، فقط حين يتحدثون عن الشيعة والمجوس حسب تعبيرهم، حتى ألفنا خطابهم الذي يقرن وحدتنا الترابية بالخلاف العقائدي بين السنة والشيعة. ونكاد لا نجد لهم خرجات خاصة فقط عن الصحراء المغربية، يفضحون فيها ألاعيب خصومنا، ويساهمون في توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة مناورات من يريد تقسيم بلادنا. يتحدثون عن الصحراء المغربية، فقط حين يريدون إقحام بلدنا الآمن والموحد في عقيدته ومذهبه المالكي، في تاريخ قديم للصراع العقائدي بين السنة والشيعة، وهو صراع طائفي بعيد عنا. والغريب أن كل من خالفهم الرأي، وابتعد عن الثقافة الطائفية بين السنة والشيعة، يتحول إلى عدو للوحدة الترابية بل وخائن لوطنه، وربما ينعتونه بالتشيع. ونحن نعلم جميعا، أن ثقافة هؤلاء الشيوخ بعيدة عن الانخراط في جهد التعبئة الوطنية من أجل وحدتنا الترابية. وطبيعة اهتماماتهم شاهدة عليهم. ليس المشكل في الخلاف، لأن ثقافة تمغربيت علمتنا عن طريق علمائنا وأئمة مساجدنا الفضلاء، أن الاختلاف رحمة. هؤلاء العلماء، هم الذين أبعدوا وطننا عن الطائفية والخلافات المذهبية، وأصبح كل مغربي لا يحمل إلا مذهبا واحدا، وثقافته الدينية بعيدة عن التعصب المذهبي. المشكل يكمن في بعض الشيوخ، الذين يريدون فرض الرأي الواحد، باسم العقيدة. رأيهم في عدم جواز الترحم على نصر الله جعلوه من العقيدة، ومن خالفهم الرأي فهو خارج عن إجماعهم ومخالف للعقيدة. وحين تعوزهم الحجة، يتركون نقاش العقيدة، ليفتحوا صفحة التخوين والطعن في الوطنية، وحتى الاتهام بالتشيع. والغريب، هو تحدث هذا الشيخ ومن على شاكلته، عن علماني شيعي ويساري شيعي. وهو اتهام سريالي لا نجده حتى في الخيال العلمي. لقد آن الأوان أن نقول كفى من التخوين…كفى من الطعن في الوطنية…كل مغربي يدافع عن وحدة أرضه ووطنه…الوحدة الترابية هي قضية شعب قبل أن تكون قضية دولة. أبعدوا الوحدة الترابية للمملكة الشريفة، عن كل اختلاف في التقدير. وخير خدمة نقدمها لوحدتنا الترابية، هي إبعادها عن نقاش الآراء والاختلاف فيها، ونتشبث جميعا بالإجماع الوطني حول صحرائنا. كل واحد يعبر عن رأيه، ولا يحق لأحد فرض رأيه على الآخر، لا باسم العقيدة لأن ذاك فهم لا يخصه إلا هو، ولا باسم الدين، فللدين علمائه الذين نعرفهم جيدا، وهم مترفعون عن الخوض في هذا الجدال العقيم. لأنهم يؤمنون بصدق بالأقصى، ويعرفون متى يتحدثون. أخيرا نقول، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة دي ميستورا، يقترح تقسم الصحراء المغربية. هل سنواجهه بالصراع العقائدي بين السنة والشيعة؟ أم أن الطريق هو نشر أدبيات تتعلق بتاريخ الصحراء المغربية وأنها جزأ لا يتجزأ من المملكة الشريفة، وجعل أتباع هؤلاء الشيوخ يعرفون جيدا تاريخ بلدهم، لينخرطوا هم أيضا في الدفاع عن وحدتنا الترابية، في إطار الديبلوماسية الموازية التي تحدث عنها جلالة الملك في خطاب افتتاح الدورة التشريعية الجديدة. سعيد الغماز