قبل ظهور الهاتف النقال، وخاصة الجيل الثالث الذي جعل كل مواطن مغربي يضع في جيبه هاتفا لإجراء المكالمات وللربط بالأنترنيت، كان ولوج المغاربة للشبكة العنكبوتية عسيرا ومكلِّفا رغم إقبالهم الكثيف على هذه الخدمة. ولمعالجة الأمر، قامت سلطات الوصاية بالترخيص لما كان يعرف بمقاهي الأنترنيت. فما حكاية هذه المقاهي؟ وما علاقة القهوة بالأنترنيت؟ الأنترنيت كأي منتوج جديد يُطرح في الأسواق تكون تكلفته مرتفعة. كذلك كان حال هذا المنتوج العالمي في بدايته حيث لم يكن بمقدور الكثير من المهتمين بهذا المولود الجديد الاشتراك في خدمة الشبكة العنكبوتية. لكن أمام الحاجة الكبيرة التي تميز بها سوق الأنترنيت في المغرب، ولِدمقرطة الولوج للشبكة بجعله متاحا لشريحة واسعة من المهتمين، قام الفاعل الوحيد آنذاك في مجال الاتصالات، بتشجيع مقاهي الأنترنيت عبر عروض تجارية مشجعة ومغرية لمن أراد الاستثمار في هذا المجال. مقاهي الأنترنيت هذه، تذكرنا بالمخادع الهاتفية التي انتشرت في وقت سابق كان فيه ولوج خدمة الهاتف غير متاح للجميع. كما أن حرص المغرب على تحسين مناج الأعمال ودخوله المنافسة العالمية، جعله حريصا على تعميم الخدمات التي توفرها شبكة الأنترنيت لتشمل شريحة واسعة من المواطنين، فكانت مقاهي الأنترنيت. مع بروز هذه الشبكة أدخلت منظمة الأممالمتحدة مؤشر النسبة المئوية لمستعملي الأنترنيت في قياس مستوى التنمية في أي بلد. فقد دخل إلى قاموس هذه المؤشرات مصطلح جديد وهو مجتمعات المعلومات (Les Sociétés d'information). هكذا إذا انتشرت مقاهي الأنترنيت في كل دروب المدن المغربية في تعايش رومانسي مع التيليبوتيك. ولكي تتميز مقاهي الأنترنيت عن التيليوتيك، كانت توفر القهوة وبعض المشروبات، وهو ما ينسجم مع الوقت الطويل الذي يقضيه الزبون في الإبحار في الأنترنيت، والباحث في الشبكة العنكبوتية غالبا ما يحتاج لمشروب القهوة لإعداد بحثه في ظروف جيدة. لكن تطور تقنيات الأنترنيت بظهور خدمة ADSL وظهور الهاتف النقال، كلها عوامل ساهمت في طي صفحة التنقل إلى مقاهي الأنترنيت لاستعمال الشبكة. إلا أنها تبقى من الناحية التاريخية، صفحة مشرقة لدى الرواد الأوائل الذين عاشوا هذه المرحلة. وتبقى صفحة تنضاف لصفحات طواها الزمان كآلة التصوير بولارويد والوولك مان والآيبود…. ومع دخول المغرب عالم التحول الرقمي، أصبحت الخدمات الرقمية تتسع بشكل متسارع. الأمر الذي جعل مقاهي الأنترنيت تعود من جديد لكن بصيغة أخرى. وهي محلات تقوم بالخدمات الرقمية لمن لم يستطع دخول عالم الرقمنة، كاستخلاص الفواتير وأداء الضرائب على رأسها ضريبة السيارات والتسجيل في الحج وأخذ موعد في المستشفى وإيداع ملف الحصول على الفيزا وغيرها من الخدمات التي أدخلتنا مكرهين إلى العالم الرقمي. انقرضت التيليبوتيك بعد أن أصبح الهاتف في جيب كل مواطن، كما انقرضت مقاهي الأنترنيت بعد أم أصبح كل هاتف مرتبط بالأنترنيت. سعيد الغماز