لاحظ علماء النفس ان الاشاعة تعد من بين احدى الادوات الرئيسية في التضليل الاعلامي بل ومن اهمها في استهداف او التلاعب بعقول الناس وتوجيه الراي العام. وتنمو الاشاعة وتتكاثر خصوصا في الظروف التي تسود فيها الاضطرابات والحروب والصراعات ولهذا تعد احدى ادوات الحرب الحديثة او ما يسمى ب(الجيل الرابع) من الحروب اذ انه بعد الحرب العالمية الثانية اشتدت الاشاعات والحروب النفسية على الدول والشعوب والجماعات حتى اصبحت الاشاعة وسيلة هامة من وسائل الحرب النفسية يلجا مستعملوها الى زعزعة نفسية الشعوب المقهورة عن طريق زرع الشك في معتقداتها ونظامها السياسي والاقتصادي والامني واستهداف نخبها الثقافية والدينية والسياسية حتى يستطيعون بفعل التأثير النفسي والسيكولوجي للإشاعة من زعزعة الاستقرار والامن السياسي والاقتصادي والقدرة على انتاج وعي زائف لا يقدر ان يستوعب الشروط الفعلية للحياة القائمة وعندئذ لن تستطيع الامة او القوة الحية في البلد على اتخاذ قرارات او تدابير سياسية واجتماعية بديلة. ان الاشاعات تثير الهلع وتحدث الخوف في نفوس افراد المجتمع، الخوف على حياتهم وممتلكاتهم واوطانهم وهم يفتحون اذانهم لالتقاط الاشاعات التي قد يطلقها اناس ابرياء او جماعة من العملاء والمخربين والخونة. الاشاعة في وسطنا الاجتماعي تقوم بوظيفة مزدوجة فهي من ناحية تفسر التوترات الانفعالية التي يستشعرها الافراد ومن ناحية اخرى تنفس عنها. ومعلوم ان التنفيس يسبب تراخي التوتر ويقوده الى الشعور بالراحة ولو كان في لباس من التضليل والشائعات الكاذبة. وتقوم العديد من البحوث النفسية الحديثة على مسلمة مؤداها ان "السلوك معرفي المنشأ" اي ان الفرد يتصرف في ضوء المعلومات المتاحة له ولو كانت اشاعات او شائعات كاذبة، وحين "يبتلع" الفرد هذه الشائعات الكاذبة فانه يسهل التحكم في سلوكه وافكاره وانفعالاته عبر التحكم في المعلومات/الاشاعات التي تعرض عليه، ولذا يلعب الاعلام المعاصر –رضينا ام ابينا- دورا اساسيا في المجتمع كوسيلة لجعل سلوك الافراد سلوكا مرغوبا فيه اجتماعيا عن طريق التحكم في نشر المعلومة الاعلامية او الاخبارية حقيقية كانت ام اشاعة. ويكشف (شيللر) اساليب هيئات الاعلام ووسائل التواصل المعاصرة في السيطرة على الاخرين وتضليلهم من خلال السيطرة على عملية تداول المعلومات خدمة لأهداف خاصة او لأجل الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية. لا يختلف اثنان ان للإعلام ووسائل التواصل الحديثة اثارا ايجابية على الفرد والمجتمع لأنها وسائل وضعت اصلا لجعل سلوك الافراد سلوكا مرغوبا فيه اجتماعيا ولعل من اهم الوظائف التي تقوم بها انها تكسب الافراد الخبرات سواء ثم نقلها عبر المجتمعات المختلفة او ثم نقلها عبر اجيال المجتمع الواحد وهذه الخبرات ضرورية لتنمية قدرات الافراد ومهارتهم في التفكير والتدبير الا انه مع عصر الثورة الرقمية اصبح كل فرد يبث ما يبث من اشاعات واخبار زائفة وفقا لقناعاته ورؤيته ومن دون التحقق من مصادر المعلومة حتى اصبحت الاشاعة عالمية عبر وسائل الاتصال الكونية وهي الان في خدمة الاشاعة اكثر من خدمة الحقيقة بل وصف اللغوي الامريكي والسياسي العتيد امبرتو ايكو هؤلاء الفرسان الجدد للإشاعة المعولمة بمجموعة المعتوهين الذين نقلوا دردشاتهم من الحانات الى الفضاء الازرق . لقد باتت وسائل التواصل الحديثة والمواقع الالكترونية احدى الادوات والقنوات التي يتم استخدامها بشكل سلبي في نشر الشائعات والاضاليل الكاذبة بدليل ان معدلات نشر الشائعات تتناسب طرديا مع التقدم في تكنولوجيا الاتصال وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين افراد المجتمع، ويلجا مستخدمو المواقع الالكترونية الى التخفي واستعمال هويات غير حقيقية في نشر الشائعات والاخبار الزائفة حتى تجد لها رواجا في سوق التداول الاعلامي والمعلوماتي وخاصة اذا ما تم الأخذ في عين الاعتبار ان سيكولوجية الشائعات تزيح الفوارق الثقافية بين المتلقين عند تداول الشائعة وانتشارها بل الخطير ان الشائعات تنتشر بسهولة ليس لتكاثر مستخدمي المواقع الالكترونية فقط وانما لان الاحداث والتطورات المتصاعدة التي يشهدها العالم من حولنا تجعل من الأكاذيب بيئة خصبة للنمو والتكاثر .. فمن الشائعات من توظف لقتل الاخر (القتل الرمزي) ومنها من توظف لتصفية الحسابات السياسية والثقافية ومنها من تستعمل للدعاية والاشهار او التشهير والفضح.. والاشاعة اشاعات منها ما يصنع في "مختبرات" المخابرات او في مختبرات الادوية او في دواليب ومكاتب الشركات والمؤسسات العملاقة.. * -اشاعة امتلاك العراق للأسلحة الكيماوية والنووية اعطى لحلفاء الولاياتالمتحدة مبرر الحرب ضدها. * -نشر معلومات مضللة عن اوضاع حقوق الانسان والحريات العامة وايصالها الى المنظمات الدولية يعطي للغرب مبررات فرض الحصار الاقتصادي والمالي على الكيانات والدول التي لا تدور في فلكها. ان العالم شهد ويشهد تغيرات واسعة وحراكا سياسيا واجتماعيا مزلزلا ادى الى سقوط الكثير من الانظمة السياسية للحكم(تونس- مصر- ليبيا- اليمن-..) بفعل وجود تدخل خارجي عبر الوسائط الاعلامية من جهة وتزايد الاختراق المرن للأمن الداخلي من جهة ثانية. وعليه فالأنظمة السياسية الحالية تعرف مدى اهمية تكنولوجيات الاتصال والاعلام الاجتماعي بطابعه الشبكي الذي اصبح يشكل نمطا جديدا من اشكال التنظيم الجماعي لأنه يساهم في تشكيل فضاء يمارس من خلاله كل الافراد اشكال النقد الموجه ضد الاخر او ضد كل اشكال السلطة ولكن يبقى لعلاقة الفضاء الالكتروني بالأجندات السياسية والجيوسياسية والجيواقتصادية للحكومات والشركات المتعددة الجنسيات خطرا محدقا على امن الدول المستقرة. يقال انه كلما انتشرت الشائعات في مجتمع ما زاد معدل الجهل والسطحية في المجتمع لأننا امام كثلة بشرية عريضة ومستخدمين كثر لهذه الوسائل وكلهم غير متجانسين اومتباينين من حيث المصالح والاهتمامات والقدرات يتعاملون مع وسائل الاعلام بروتينية شديدة وتتدنى قدرات الكثير منهم عن الدخول في علاقة اتصالية متكافئة مع هذه الوسائل حتى تتيح لهم القدرة على التقييم والنقد والحكم على مصداقية او عدم مصداقية ما يداع او ينشر عبر هذه الوسائل. – لقد اشيع فيما سبق ان فيروس كورونا صنع في احدى المختبر في الصين ونقلت الجرثومة الى كل بلدان العالم لأجل التحكم في سكان الارض. وجاءت اشاعة مغايرة لتروج اشاعة كاذبة ان هذا الفيروس غير موجود اصلا وان السبب الحقيقي للتهويل الاعلامي والتخويف من المرض هو منع الهجرة او وضع نظام مراقبة جماعية على نطاق واسع لتستمر بعد ذلك الاشاعات تلو الاشاعات عن الفيروس وعن دوافع صنعه وانتشاره. وعرفت الاشاعة في المغرب انتشارا وذيوعا لا حدود له ومنها الاعلانات المجهولة المصدر المنتشرة كالنار في الهشيم وفي وقت قياسي على صفحات وجدران شبكات التواصل الاجتماعي في سنة 1918 حيث كانت العديد من الاعلانات تدعو الى مقاطعة عدد من المنتجات الاستهلاكية الاساسية ( الحليب- الماء المعدني – شركة متخصصة في بيع البنزين..) لدوافع واسباب متعددة مما اثر سلبا على العديد من الشركات الوطنية والاجنبية (الفرنسية خصوصا) وعلى اشخاص نافدين في الحكومة. * اشاعة اخبار عن الزيادة في فواتير الماء والكهرباء وتضمين رسوم اضافية (55درهما) موجهة الى دعم القنوات العمومية وكذا الزيادة في ثمن شراء قنينة غاز الطبخ والدقيق والزيت والسكر. * اشاعة اخبار زائفة عن قرب تعديل حكومي او عن غضبة ملكية ضد هذا الوزير او هذا المسؤول السامي …وتتزايد حدة هذه الاشاعات مع فترات خاصة تسبق الاستحقاقات الانتخابية او تتزامن مع الدخول الاجتماعي والسياسي في شهري شتنبر واكتوبر من كل سنة او خلال فترات اجتماعية(عيد العمال) اوبرلمانية ( المصادقة على الميزانية السنوية) ويلعب فيها الاعلام دورا حاسما. يرى العديد من المتتبعين للشأن للسياسي الوطني ان الاشاعة (بدأت تأخذ في السنوات الاخيرة في المغرب طابع الخبر الزائف الذي يروم التضليل الاعلامي او "تحريف" النقاش نحو قضايا هامشية لا تعني الراي العام ) كانتشار اخبار زائفة او تافهة لتغطي عن اخبار الاحتجاجات او الاضرابات او الاعتصامات في العديد من المناطق بسبب الغلاء او نقص في الخدمات الصحية والاجتماعية. وان هشاشة المجتمع تسمح بتداول الاشاعة. ولأجل محاربة هذه الظاهرة اللقيطة دخل قانون محاربة الاشاعة ونشر الاخبار الزائفة منذ2018 يعرض صاحبه للمساءلة القانونية والمتابعة القضائية لكن مع ذلك تضل مشكلة الحريات السياسية مؤشر اساسي من مؤشرات المواطنة الحقيقية وتواجد ادوات الردع القانوني هو مؤشر اساسي كذلك لتحقيق سيادة الدولة ويبقى الخلاف الاهم بين ما تراه السلطات العليا للدولة من صالح المواطنين وبين ما يراه المواطنين من حريات وحقوق ليس للدولة الحق في التدخل بها والدولة يكمن دورها في الدفاع عن امنها الوطني ضد الدعايات المغرضة ومحاولة زعزعة الاستقرار الداخلي للبلاد عبر شبكات الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي والعالم السبيراني. ان الاشاعة غالبا ما يتم ربطها في سياق حدث ما فتخترق المشهد الاعلامي للتلاعب بالعقول او تضليل الراي العام او تطويع مجموعة من الافراد او الجماعات او المجتمع قصد تحقيق اهداف خاصة تخدم مصالح "الجهة" التي اطلقت الاشاعة. الاشاعة اذن لا تقوم على مصداقية المصدر ولا مصداقية الرسالة الاعلامية انها مجرد بضاعة لقيطة ..ومقيتة.