أكثر مايثير الدهشة والاستغراب هذه الأيام أثناء تصفحي للعالم الأزرق هوأن يقف أحدهم بكل أنفةٍ واعتزاز وكأنه سيأتي بما لم تستطعه الأوائل ليلتقط لنفسه صورة مع أحد الفقراء أو المحتاجين وهو يناوله وجبة إفطار في هذا الشهر المبارك، وهو ينظر إلى عدسة الكاميرا في مشاهد استفزازية تتكرر بشكل ملحوظ وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في استخفاف كامل بمشاعر الفقراء والمحتاجين وكأن هؤلاء المعوزين منزوعو الكرامة معدومو المشاعر والأحاسيس . ففعل الخير هو غريزة في النفس الإنسانية الطبيعية وهو أمرٌ أمرنا الله به وأشكاله تتعدد فقد يكون في شكل صدقة أو حل مشكلةأو فك أزمة مالية أو تضامن 0000 وليست له صورة محددة لأنه يكون حسب الموقف والظروف حتى هنا الأمر عادي وطبيعي ومفهوم لنا جميعا؛ولكن ما أصبحنا نشاهده اليوم من تسابق وتهافث بعض الجمعيات والأشخاص للمشاركة في الأعمال الخيرية لا لفعل الخير والفوز بالأجر لكن لإلتقاط الصور والتباهي بعرضها على الشاشات الزرقاء كنوع من حب الظهور وهذا راجع لربما لمرض نفسي عند هؤلاء أو نقص في التركيبة النفسية لذيهم وبالتالي فظهورهم هذا في الواجهة الغرض من ذلك هو التباهي .. و ملاقاة استحسان ومدح المجتمع لهم وبالتالي إرضاء غريزتهم المرضية .. من الطبيعي أن نشعر بقيمة الإنجاز والراحة في فك أزمات الآخرين وحل مشاكلهم ولكن ليس من العدل ولا الذوق تعريض من نسدي لهم فعل الخير للإحراج0 تخيل نفسك لست بفاعل الخير؛ولكن الشخص الذي حُلّت مشكلته؛أو الذي سُدّد دينه؛أو فُكّت أزمته ويقوم من أسدى لك هذه الخدمة بالتباهي بها في المجتمع؛ترى كم سيكون حجم حرجك أو ضيقك كم هو محزن أن يتم استغلال حاجة هؤلاء الناس لإرضاء غرور أحدهم أو لإظهار بعض العقد النفسية الدفينة في نفوس البعض والمنطوية على حب التباهي والتفاخر ، والقيام بتصوير هؤلاء المحتاجين وتصوير مدى انكسارهم وضعفهم وهم يتلقون الصدقات من أيدي أولئك المتباهين. ورغم أن البعض قد يفسر هذا التصرف على أنه يأتي من باب الحث على الخير وتشجيع الآخرين على البذل والعطاء، ونسي أن ما يحدث الآن إنما هو استهتار بمشاعر المعوزين والمحتاجين وتشنيع بهم أمام الناس فكم من فقير متعفف وأسرة متعففة لا تريد أن يعلم أحد بحاجتها وفقرها ليأتي هؤلاء المتباهون بالصدقة فيفضحونهم على رؤوس الأشهاد وكأنهم يجهلون فضل صدقة السر ويتغافلون عن حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله حيث قال (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه). ومن يدري فقد تكون هذه التصرفات هي إحدى سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي وبرمجيات التقنية المتطورة والتي ساهمت بشكل كبير في إبراز بعض الجوانب الخفية في دواخلنا من حب التفاخر والتباهي بفعل الخير، وإثبات أننا أصحاب اليد الطولى في إغاثة الملهوف وإكرام ذي الحاجة، وساهمت كاميرات الهواتف الذكية – والتي لا تكاد تفارق أيدينا ولو لحظة واحدة – في انتشار مثل هذه الحالات لدرجة أن البعض أصبح يصور نفسه وهو يتصدق بماله كما أن البعض أصبح يمارس ذلك كنشاط يومي إما طمعاً في استجداء لايكات المتابعين أو للمفاخرة بهذه المشاهد أمام الأقران والأصدقاء. وقد لانجد غضاضة في أن نذكّر هؤلاء المستهترين بمشاعر الآخرين والمباهين بأعمالهم التطوعية بأن فعل الخير لأمر محمود وأجره عظيم لكن ليس بالصور والتباهي أمام أنظار العالم؛فمراعاة شعور الآخرين في فعل الخير يجعل أجرك أضعافا مضاعفة؛تصدق وأكرم المحتاج دون إحراجه وإعلام الملأ بما قمت به فالكتمان في هذه الأمور مستحب جدا وحقيقة من يقوم بفعل الخير .. لأنه يريد التباهي أو لأنه ينتظر الشكر على ماقام به أو لإيصال صورة إيجابية عن نفسه فإنه ليس بفاعل ٍ للخير البته .! فلهؤلاء المساكين كرامة يجب أن تحترم، ومشاعر يجب أن تصان وأن احترام كرامة الإنسان مهما كان وضعه الاجتماعي والاقتصادي يعتبر واجباً دينياً وخلقاً إسلامياً قبل أن يكون شيمة كريمة من شيم العرب وعرفاً اجتماعياً حميداً تسعى إليه النفوس السليمة وترغّب في التحلي بفضائله.