إعداد خالد أبو شكري يحمل لوكوموا بندقية كلاشنكوف من نوع (أك47) وهو يتطلع إلى الأفق لرصد لصوص ماشية محتملين, وفي الأسفل يتدرب إبنيه على رمي السهام, دون أن يغفلا مراقبة القطيع. ويعد حمل السلاح جزء من ثقافة المجتمعات التي تعتمد في معيشتها على الرعي وقطعان الماشية في غرب كينيا. فقد أصبح السلاح "رمزا للسلطة" يرغب كل شخص في امتلاكه لحماية قطيعه وأسرته, بحيث تحولت هذه الرغبة إلى ما يشبه الخوف المرضي اكتسح الجميع, خصوصا مع العدد الكبير للقتلى الذي يخلفه كل هجوم. وفي منتصف شتنبر الماضي, أصبحت نيبول (الأرض البيضاء بلهجة سامبورو), التي كانت, بما توفره من مراعي ومياه وقت اشتداد الجفاف, "واحة أمل" بالنسبة لهؤلاء الرحل, فجأة مرتعا لأعمال العنف بسبب مهاجمين من قرية بوكو, الذين لم يتوقعوا أدنى مقاومة, فخلفوا ورائهم 35 جثة من بين الذين حاولوا التصدي لهم, ونحو 40 رأسا من الماشية تم قتلهم بشكل أعمى. ويقول لوكومو أن امتلاك بندقية كلاشنكوف أمر غير قانوني, إلا أن هذا السلاح, الذي يستعمل للهجوم كما للدفاع في منطقة تعد فيها سرقة المواشي نمط حياة, هو "أداة" لا غنى عنها, بل أنها شرط اساسي يجب توفره قبل امتلاك أي قطيع ماشية. وبالنسبة لليبلي, وهو شيخ من البلدة, فإن الزمن قد تغير كثيرا, ففي الماضي كان القوس والسهام هو سلاحهم الوحيد, غير أن رياح التطور هبت عليهم, جالبة معها تسلحا يحدث أكبر قدر من الخسائر في صفوف "العدو", وأظهرت معلومات لم تؤكدها مصالح الأمن أن القنابل اليدوية هي أقل ما يستعمل في عملية هجوم. وذكر إيكوانا ليليكينا أنه لم يكن مسموحا في ثقافة الغارات والهجومات الانتقامية المورثة من الأجداد, باستهداف الأطفال والنساء, غير أن الأمور قد تغيرت اليوم حيث أصبحوا هم أيضا ضحايا, مستنكرا في هذا السياق "عدم وجود احترام للقواعد". ويوضح ديكوا ميني (من قبيلة توركانا), وهو يمشي مستندا إلى عكازين ويحكي بفخر كيف نجا من الموت رغم إصابته بعشر رصاصات, أن الطفل يتعلم في سن الخامسة كفية حراسة قطيع المشية, وفي سن العاشرة يلقنه محارب محنك استعمال السلاح والشجاعة والثبات في مواجهة الخطر والمقاومة ويؤكد أنه لا يجب على المحارب أن يتراجع مهما كان عدد المهاجمين كبيرا, وأنه عليه أن يستمت في الدفاع عن قطيعه إلى آخر نفس. ذات التوجهات تجدها لدى "نغوروكوس" أو المحاربين من قبيلة بوكو. فعندما يتم التخطيط لهجوم, فإن ال`"نغوروكوس" , الذين يمكن أن يقطعوا مسافة 200 كلم مشيا الأقدام من أجل الإستيلاء على طيع ماشية, يتزودون بحصتهم من الماء والعسل, ويطلقوا العنان لخطاهم في اتجاه هدفهم. وعلى مدى الحقب, كانت ضفتي نهر تركويل التي تعد بمثابة حدود طبيعية بين قبيلتي توركانا وبوكو, مسرحا للغارات. ولليوم لم تتغير الأمور. ويتزود أفراد القبلتين بالسلاح من أوغندا المجاورة حيث يقوم أبناء عمومتهم في الجهة الأخرى بمدهم بكل ما يحتاجون إليه. وتشن قوات الأمن بالبلدين, بشكل ظرفي, عمليات لنزع الأسلحة, غير أنها لم تستطيع تخليص هذه المناطق منها, لأن "المحاربين" حينها إما أنهم يختبؤون عند أبناء عمومتهم متسللين عبر الحدود, أو أنهم يسلمون, عندما يتم القبض عليهم, أسحلة لم تعد صالحة للاستعمال. ولا يخفي لوكوموا سلاحه, الذي يعرضه بفخر أمام الزائرين. وقد أوضح, بواسطة مترجم, أنه انتظر, بتأني وصبر, لمدة أسبوعين في غابة على الحدود الأوغندية قبل أن يحصل على هذا السلاح مقابل 20 ألف شلن (حوالي 300 دولار), وهو مبلغ معقول, لأن سعر مثل هذا السلاح كان يساوي ثلاث اضعافه قبل خمس سنوات. وأمام نقص السيولة, يمكن الرجوع إلى أيام المقايضة, حيث أن رأسين من الماشية يمكن أن يفيا بالغرض. وأوضح أشابا ليكورير أنه يتم الإحتفاظ بالقطيع المسروق ليومين أو ثلاثة بالبلدة بعد عميلة الهجوم, قبل أن توزع الغنيمة على المشاركين في هذه الغارة, حيث يأخذ زعيمهم حصة الأسد, ويوزع ما تبقى بالتساوي بين باقي أعضاء المجموعة, مضيفا أنه في حالة إذ ما كانت الغنائم أقل من عدد المهاجمين, فإنهم يقومون باقتسام رأس ماشية بين شخصين أو أكثر. وذكر ج. غيشورو مهندس بوزارة الطرق, في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء, أن قبيلة السامبورو التي تعتاش ايضا على الرعي وقطعان الماشية, أجبرت مقاولا على على وقف تشييد طريق تربط, على مدى 136 كلم, بين إيسيلو (وسط) ومويال (شمال), والتي كانت ستسهل مسألة تزويدهم بالماء.وكان المهندس يحاول إقناع السامبورو بالسماح باستئناف أشغال ترصيف الطريق المتوقفة منذ خمسة أشهر بسبب الحواجز التي أقامها السكان المقيمين على طول مقطع الطريق المذكور..