تتنوع أساليب المجرمين في مجال السرقة باختلاف الأزمنة والأمكنة، فاللص في أيامنا هذه لايشبه اللص في السبعينيات وما قبلها، كما أن عصابات السرقة في بلادنا تختلف عن غيرها في أوروبا وأميركا. "" وحسب علماء الإجرام، فإن السارق أو المجرم بصفة عامة يتكيف مع الظروف والمستجدات التي تحيط به، لأن من مهاهم الأساسية استطلاع الواقع الذي يعيش فيه وإجراء دراسة بالمحسوس والمعلوم عن الموانع والحواجز التي تقف بينه وبين هدفه، من شرطة وأمن وسكان ومارة بالإضافة إلى جغرافية المكان ونفسية الأشخاص ومستوى فضولهم. فاللص ليس رجلا عاديا وإن كان يشتغل بمفرده وخارج أي عصابة، لا بد أن يستخدم كل حواسه ويجري العديد من التحريات ويتسلح بالحذر ويتدرب على استعمال السلاح وتكون لديه خبرة واسعة لاستطلاع جغرافية المكان وكل هذه مهام ليست بالهينة، رغم أنها بديهية بالنسبة لكل اللصوص عبر العالم، وتختلف وسائل تنفيذها بحسب اختلاف الأمكنة والإمكانيات، ففي أميركا يستعملون الأسلحة من بنادق ومسدسات ومتفجرات ويستهدفون المؤسسات المالية الكبرى والكازينوهات وصناديق حلبات سباق الخيول وفي المغرب يلجأون إلى خفة اليد والسلاح الأبيض، ويستهدفون المارة في الشوارع والزقاق وركاب الحافلات والبيوت والأسواق ويكثفون أنشطتهم في المواسم الدينية والأعياد . وكلما تطور المجتمع وحصل تقدم على مستوى التشريعات الجنائية والأنظمة الأمنية، كلما اضطر اللصوص إلى تطوير مهاراتهم والرفع من قدراتهم وتوسيع حقل عملهم ففي بلادنا تطور اللص بشكل عجيب مقارنة بما كان عليه الأمر خلال العقود الماضية إذ تراوح مجال السرقة في الماضي بين نشل حقائب النقود للمارة، ومحاصرة النساء وسلبهن مجوهراتهن ومتاعهن، واقتحام البيوت في غياب أهلها وسرقة محتوياتها، وكذلك سرقة المواشي والحبوب والفواكه والخضر والمحركات المستخدمة في سقي المزارع في البوادي . ومع تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ظل تزايد البطالة واتساع الفوارق الطبقية وتفكك العلاقات الأسرية، ظهرت للوجود نماذج جديدة من اللصوص عمت المدن والبوادي على حد سواء، وأضافت إلى مجالات السرقة الكلاسيكية أهدافا أخرى، مستخدمة وسائل وطرق حديثة من أجل تحقيق غاياتها ففي المدن تطورت وسائل السرقة وتمكن اللصوص من تكوين عصابات متخصصة بدل العمل بشكل انفرادي ووصلت أيدي هذه العصابات إلى مهاجمة الأبناك والشبابيك الأوتوماتيكية وسرقة السيارات واقتحام المعامل وهي مجالات كانت مستبعدة في العقود الماضية كما تجرأ اللصوص على سرقة ممتلكات الدولة من معدات منقولة مثل تلك المستخدمة في الأشغال العمومية من حفارات وجرافات وعربات نقل الأزبال وسيارات البريد والاسعاف، وكذلك ممتلكات تابعة للمكتب الوطني للسكك الحديدية الذي تحول إلى هدف سمين للصوص في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى شبكات التهريب والهجرة السرية والدعارة، وكلها نشاطات ممنوعة تعتمد على مهارة العصابة وعلاقاتها المتشعبة في الداخل والخارج . ولم تتوقف يد اللصوص في الوقت الحاضر عند هذه الأهداف، بل وصلت خبرتهم لاستخدام تكنولوجيا المعلومات في اقتحام قاعدات البيانات الخاصة بالأبناك والمؤسسات المالية والتجارية داخل المغرب وخارجه وجرى تحويل أموال من حسابات أشخاص وشركات في الأبناك لفائدة أشخاص آخرين . كما تمكن اللصوص الذين يستخدمون الانترنيت من ابتزاز رجال ونساء من مختلف الطبقات والمراكز الاجتماعية مستخدمين معلومات وصور ضدهم يهددونهم بنشرها وتضاعفت كذلك وسائل الخداع لسرقة الناس في واضحة النهار وأمام أعين العموم وانخرطت الفتيات الجميلات في المهنة بهمة عالية، مثلما حصل في إحدى المدارس الخصوصية قبل بضعة أسابيع عندما دخل شاب وسيم وبرفقته فتاة جميلة يرتديان بدلة تحيل إلى أنهما يشتغلان في اتصالات المغرب. وطلبا من مدير المدرسة أن يرافقهما في عملية رسمية لجمع هواتف التلاميذ وإجراء مسابقة لهم في وقت لاحق مستخدمين وثائق ولوائح ولم يكونا في واقع الأمر سوى لصين أنيقين مثقفين سرقا الهواتف المحمولة التي كانت مع التلاميذ في ذلك اليوم . كما تطورت وسائل السرقة في البوادي بدورها، ولم يعد اللص البدوي يكتفي بسرقة الدجاج والمواشي بالطريقة التي كانت تجري بها الأمور في السابق بل يلجأ إلى الخدع الغريبة ويعمد سرا إلى إطعام أغنام وأبقار الهدف بمواد ضارة تثير في يومها الأول علامات الانهيار عليها، وفي ما بعد يتصل بصاحب الماشية الذي يضطر لبيعها بأثمان بخسة خشية موتها، فيما يكون اللص هم على علم بالمضادات البيولوجية والكيماوية التي تعيد للماشية صحتها بعد شرائها من مالكها ناهيك عن فرق أخرى تجوب الدواوير بسيارات الدفع الرباعي منتحلة صفة موظفي مكتبي الماء والكهرباء، مزودين بوثائق وكشوفات وأسماء وعناوين وخواتم، استطاعوا أن يسرقوا أعدادا كبيرة من المواطنين في القرى.