لعبت المؤسسة الحزبية دورا مهما في تاريخ المغرب السياسي، كانت المؤسسة التي تصنع النخب والمؤسسة التي تؤطر الشباب، كانت المؤسسة التي تنتج الأفكار حول الواقع وتوجه الرأي العام بل تصنع الرأي العام حول القضايا الآنية والمستقبلية، وكانت المؤسسة الحزبية مدرسة لتعليم المواطن دروسا في الديمقراطية والانتخاب والتداول على المواقع، كانت بالجملة مجتمعا صغيرا فيه أغلبية تسير ومعارضة ومنتفضون ومحتجون وحتى غاضبون وكانت فيها موازين قوى، كانت المؤسسة الحزبية تقدم خدمة للمجتمع والدولة. خدمت المؤسسة الحزبية الدولة بإنتاج النخب السياسية الأطر القادرة على تسيير دواليب الدولة والمؤسسات العمومية وخدمت المجتمع بتأطير الشباب داخل مؤسسات المجتمع المدني وخرجت من بين صفوفه سياسيين كبارا. يوم كانت الأحزاب قوية كان المشهد السياسي يعرف حرارة مرتفعة وكان هناك صعود وهبوط وكر وفر، وكانت الأحزاب تقدم الأجوبة عن الأسئلة المطروحة على المواطن وكانت قوة اقتراحية تقود المبادرات ولا تنتظر الدولة حتى تقوم برد الفعل. ماذا حصل بعد؟ تراجعت الأحزاب السياسية عن دورها الطبيعي وفقدت صبغتها المؤسسية ولم تعد تنتج النخب السياسية المثقفة ولكن أصبحت أداة ووسيلة للتسلق الاجتماعي وتحولت من مدرسة للنضال إلى مقاولة، وإذا كانت المقاولة يتم فيها توظيف الرأسمال المادي قصد تحقيق أرباح من وراء ذلك، فإن المقاولة الحزبية توظف الرأسمال الرمزي وتنتج من ورائه أرباحا شبيهة في قيمتها بالمقاولة الصناعية. وبدل أن تهتم الأحزاب السياسية بتأطير الشباب باعتبار ذلك هو دورها الحقيقي، اهتمت بالكتلة الناخبة أو الناخب الزبون، كانت في السابق تؤهل المواطن للاختيار واليوم تؤهله ليضع صوته لصالحها، وفرق كبير بين مواطن يختار وبين ناخب زبون يصوت على من يقترحه الحزب حتى لو كان كبير المفسدين. لقد فقدنا في المؤسسة الحزبية نكهتها النضالية وفقدنا بانهيار مجموعات حزبية أحلاما جميلة كانت تمثلها، فقدنا فيها الماكينة التي تشتغل ليل نهار وفي كل مكان ويصل صوتها إلى كافة شرائح المجتمع. فقدنا في حزب الاستقلال القوة السياسية الملتحمة بالشعب من خلال المنظمات الموازية، فلم يعد للحزب بريقه الماضي حتى وهو يواجه اتهامات التيارات الراديكالية له بالرجعية، كان الحزب يؤطر الشباب من خلال الشبيبة الاستقلالية ويؤطر التلاميذ من خلال الشبيبة المدرسية وكان يؤطر مواطنين آخرين عن طريق منظمة الكشاف المغربي. وفقدنا في الاتحاد الاشتراكي صوت الغضب لكن الغضب الواعي الذي يتحول إلى برنامج، وكانت الشبيبة الاتحادية قوة وبوصلة تضبط حركة الحزب ومنفتحة على المجتمع ولم يكن يهمها عدد بطائق الانخراط. لسنا في حاجة إلى أحزاب تتصارع حول وكيل اللائحة والأحزاب التي تستورد وكيل اللائحة بل تستورد حتى من تستكمل بهم عدد المرشحين، ولكن نحن في حاجة إلى تحول الأحزاب إلى مؤسسات فاعلة قادرة على احتضان أسئلة الشباب الذي لم يجد فيها المحضن والملجأ فالتجأ إلى الأحزاب الافتراضية في المواقع الاجتماعية.