الحزب الاغلبي...؟ وفجر الاستقلال كان الشيء ذاته، كانت تعددية حزبية، كان حزب الاستقلال إلى جانب حزب الشورى والاستقلال والإصلاح قبل انضمامه لحزب الاستقلال، ولما تأسست أول حكومة حكومة المفاوضات ترأسها إنسان ليس له أي انتماء حزبي والقبول بذلك من الأحزاب الوطنية تم احتراما لشخص محمد الخامس رحمه الله . وقد شارك في هذه الحكومة حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال. فالتعددية الحزبية كانت دائما موجودة في المغرب، وليست هذه هي التعددية التي كان يرفضها الوطنيون، إنما كانوا يرفضون التعددية التي تأتي بأحزاب إدارية تسرق أصوات الشعب، وتريد أن تحكم الوطن من وراء حجاب ولا تتمتع بأي سند شعبي ولا قاعدة جماهيرية، هذه الأحزاب هي التي نصطلح عليها الحزب الأغلبي. لقد استقل المغرب في سنة 1956 وبقينا ست سنوات بدون دستور إلى سنة .1962 بين هذه السنة التي حمل فيها علال الفاسي لواء الدفاع عن هذا الدستور على علاته في كل أنحاء المغرب، لكن مع دخول سنة 1963 تأسس أول حزب أغلبي من الدولة في المغرب بقصد أن يحصل على الأغلبية في الانتخابات. وبالفعل أخذ الأغلبية، و هو ما يسمى ب''جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية'' كما لو كان حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك ضد المؤسسات الدستورية وهي الأحزاب الوطنية التي كافحت وحملت على عاتقها الدفاع عن الدستور والمؤسسات الدستورية. وقد فاز الحزب الأغلبي بالأغلبية في البرلمان، لكن بعد سنتين تم إعلان حالة الاستثناء، وانتهى هذا الحزب. ودخل المغرب ما بين سنة 1963وسنة 1976 في نقاش سياسي لا سيما بعد إعلان حالة الاستثناء بدون سند شرعي أو دستوري أواسط الستينات وبعد الانقلابين العسكريين أوائل السبعينات من القرن الماضي في سنة .1977 وبعد المخاض الذي خرج منه المغرب، كان هناك تشخيص إجماعي يرى أن المغرب لا بد له أن يدخل بشكل جدي إلى عالم الديمقراطية. لكن كررنا نفس الغلط إذ في هذه السنة، سينشأ حزب أغلبي جديد، ليس ليقول للناس إنه سيدافع عن المؤسسات الدستورية، وإنما جاء بأطروحة جديدة يقول فيها إن المغاربة الذين يشكلون الأغلبية هم أغلبية صامتة ونحن جئنا نمثلها. ومن الغريب أنهم ترشحوا جميعا بلون واحد هو الأبيض أعطي لهم وقت ذاك، وترشحوا تحت يافطة (الأحرار) ليصبحوا بعد ذلك ''تجمعا وطنيا للأحرار'' وبقينا نحن كأحزاب وطنية ديمقراطية في حلبة الصراع مع الحزب الأغلبي إلى أوائل الثمانينيات، ليتأسس حزب جديد تكلف به هذه المرة الاتحاد الدستوري، وجاء على شكل آخر، إذ بدأ يردد أن هناك أغلبية ساحقة من الشباب المغربي ما بين20 سنة و25 سنة، يمثلون 80 في المائة من الكتلة الناخبة، تحتاج إلى من يؤطرها، و لما أفرزت الانتخابات نتائجها لم نجد ضمن الفائزين بمقاعد البرلمان من هذا الحزب شابا واحدا من جيل ما بعد الاستقلال، بل وجدنا شيوخا وكهولا. هذا عمليا هو مختصر التاريخ الحزبي للمغرب بكل نزاهة وصدق وشفافية، وقد خلقت بعد ذلك جمعيات السهول والجبال والأنهار، وهذا كله، كان هدفه ألا يصل المغرب إلى ديمقراطية حقيقية تفرز النخب، وأن هذه تكون النخب هي التي تسير الديمقراطية. التعريف بالحزب الأغلبي في سنة 1998 ظننا أن المغرب قطع مع هذه المرحلة، و ترك الماضي وراء ظهره، لكن للأسف ظهر الحزب الأغلبي من جديد، ولا أريد أن أفصل في مقولات هذا الحزب و الخطابات الجديدة القديمة التي يرددها اليوم. ولكني أكتفي بالقول أن الحزب الأغلبي كما تشكل في تاريخ المغرب معروف بسمته. ويمكن أن نعرفه بكونه هو ذاك الحزب الذي يخرج من رحم الإدارة، ومن مقربين للعرش ومن أطر مغربية تحظى بالثقة و تنفد التعليمات ولا تملك أية استقلالية و لا قرار سياسي لها وهي تنتظر التعليمات ولا تملك أية مبادرة ومن مستقطبين هامشيين فى أحزاب سياسية اولهم مصالح ذاتية، ويمكن ان نضيف اليوم من تابوا عن ماضيهم ووجدوا مصلحتهم فى خدمة الحزب الاغلبي. بعبارة اخرى، هذا الحزب تخلقه النخبة المتحكمة التي توجد في رأس المثلث الذي تحدثنا عنه، تسيره جهة مستترة،، و لكنها ظاهرة للعيان ! والسمة الأساسية التي يتميز بها هذا الحزب الأغلبي أنه يحصل بسهولة على الأغلبية في الانتخابات وحتى فى البرلمان ولو بدون انتخابات!، ويوجد من أجل أن يحكم ويستولي ليس فقط على البرلمان، و لكن على المشهد السياسي والإعلامي ويمكن ان نضيف اليوم ان الحزب الاغلبي قد يفضل البقاء فى جلباب المعارضة دون ان يعارض فكرة او يصوت ضد الميزانية!!!. اقتراحات من أجل الإصلاح هذا للأسف هو الوضع الحزبي والسياسي الذي نعيشه، فكيف يمكن أن نخرج من هذا المنعرج ؟ لا يسعف هذا المقال للتفصيل و التحليل، لكن هذا لا يمنع من أن نضع هنا بعض رؤوس الأقلام إسهاما فى علاج هذا الوضع. أولا: عقلنة العمل الحزبي بالبلاد لإعادة الثقة للمواطن في العمل السياسي وفي العمليات الانتخابية. وهذا ورش كبير يحتاجه المغرب في هذا الظرف بالذات إذا أردنا كسب الرهانات الحقيقية لوطننا و شعبنا. ثانيا: إخراج المشهد السياسي المغربي من الضبابية والغموض و ذلك أولا بنبذ مؤامرة النفاق السياسي بالتلون والتشكل في المواقف والتحليلات، ولبس لكل حالة لبوسها للتكليف مع الواقع المفروض، وهي في الحقيقة مؤامرة أخطر من مؤامرة الصمت التي أدانها الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله. فلا ينبغي للشعب المغربي أن يفقد ثقته في الجميع، وعلينا في هذا الصدد أن نتذكر أننا كافحنا عقودا طويلة حتى لا يطبق عليتا المثل القائل ''أولاد عبد الواحد كلهم واحد ''هذا المثل في العمل الحزبي لا يقبل. وهنا لا بد أن أعلن لبعض الذين تسربت إليهم الأوهام داخل الصف الوطني الديمقراطي وصاروا يقولون إن الحزب الاغلبي واقع مفروض فرض نفسه في الساحة وهو يشكل اليوم الأغلبية. لهؤلاء نذكرهم و نقول لهم: إن الأحزاب الأغلبية التي تشكلت في تاريخ المغرب كله، كلها كانت مفروضة على الشعب المغربي، وكلها كانت تتمكن من الأغلبية في البرلمان، لكننا كصف وطني ديمقراطي، لم نعترف أبدا للحزب الأغلبي بشرعية شعبية. فالحزب الذي يلزم الصف الوطني الديمقراطي أن يتعامل معه ويحترمه هو ذلك الحزب الذي نزل إلى الشارع وخرج من رحم الشعب ونال شرعية شعبية، أما الذي يفرض فرضا ولا يتمتع بأية شرعية شعبية فلا ينبغي للصف الديمقراطي أن تصيبه منه الهزيمة وتتدافع بعض مكوناته إلى التعامل مع الحزب الأغلبي والعمل على التسويق له. ثالثا: التصدي بصرامة لكل الممارسات التي تبتغي تبخيس عمل الأحزاب السياسية والنضال من اجل أن يكون المغرب لكل أبنائه سواء منهم (الحزبوقراطيون) أو (التكنوقراطيون). إنه لا يقبل أن يقوم (الحزبوقراطيون) وهم المناضلون الحزبيون المثقفون التقنيون الذين يضحون بأوقاتهم من أجل التأطير والاستقطاب داخل الحزب ويقضون معظم وقتهم في النضال والحراك الحزبي اليومي، وحين تتم الانتخابات وتفرز نتائجهما ويأتي أوان تشكيل الحكومة، يأتي شخص من رأس المضلع المثلث ليقول إن فلانا ينبغي أن يكون وزيرا باسم الحزب الفلاني وعلان باسم الحزب الفلاني. هذا النوع من الممارسة السياسية مرفوض، ولا ينبغي أن نقبله في القرن الواحد و العشرين. هذا منطق يخالف كل الأعراف المتعارف عليها في التجارب الديمقراطية، إذ كيف يمكن أن يكون شخص لا علاقة له بالأحزاب، أو شخص شب على كره الأحزاب وسبها وتحقيرها، و حينما يؤتى به ليكون وزيرا، وسبحان الله، في رمشه عين يختار أن ينتمي لهذا الحزب بدون حياء.!. السؤال هو كيف يمكن أن نأتمن هؤلاء حقيقة على مستقبل المغرب؟ إن الذي يضحي بشخصيته ويذوب في حزب لا علاقة له من اجل الاستوزار فقط، يصعب أن يؤتمن على أبسط الملفات، فما بالك أن يؤتمن على أسرار المغرب ومستقبله. هذا وضع لا يمكن أن يقبله عقل، ولكن الأحزاب تظلم نفسها! علينا أن نعرف بأن داخل أحزابنا أشخاص أفضل بكل المقاييس من أولئك الذين يفرضون، وهؤلاء الذين يفرضون لا تظنوا أنهم يفرضون فقط لاعتبار الكفاءة، فمنهم من يفرض لأن فلانا قريبا من فلان، أو لأن فلانة قريبة من فلان.هذه هي الحقيقة. لأنك عندما تسأل عن سبب توزير فلان، وتسأل عن الشهادة التي يمتلكها تجدها عند كثير من أبناء المغاربة، فلماذا يوزر فلان ولا يوزر أولئك الذين يحملون نفس شهادته أو أفضل منها من أبناء المغاربة؟ نحن نرفض أن تصبح الصحبة و القرابة والخدانة محددات للتوزير، فهذا لا يشرف المغرب، وهي نقطة سوداء ينبغي أن يتم القطع معها نهائيا. بالله عليكم، كيف يمكن اليوم أن تقنع شابا مغربيا تخرج من الجامعة وحصل على شهادة عليا، كيف يمكن أن تقنعه بالدخول إلى حزب سياسي؟ إن أبسط جواب سيرد به عليك: هو أنكم ممنوعون من استحقاق المناصب، وأن وزراءكم يفرضون عليكم من خارج تنظيمكم، وأنه لا مستقبل لي معكم لا في البرلمان ولا في الحكومة ما دامت الأمور تسير بهذه الطريقة. فهل نحتاج أن نذكر بأن الأحزاب السياسية هي التي تعطي للوطن الأطر المقتدرة الكفؤة التي تؤمن على مستقبل البلد وأنها دستوريا هي المسهم الأكبر في تأطير الأمة. البرلمان رداءة الأداء السياسي و أخيرا، لا بد أن نصارح الشعب المغربي وأن نقول له الحقيقة كاملة. إنني أستغرب كيف آل وضع الديمقراطية في البلاد. بالأمس، زعيم الحزب الأغلبي وهو فى المعارضة يصوت عليه رئيسا لمجلس المستشارين من قبل بعض المكونات الأغلبية الحكومية، هذا شيء لم نألفه في تاريخ الأحزاب الوطنية الديمقراطية. هذا شيء يتنافى وقيم الديمقراطية.. الديمقراطية هي التي تختصرها الآية الكريمة: {ولو لا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} هذا التدافع من هنا هو الذي يأتي بالأصوب والأفضل من أجل أن نصل إلى الديمقراطية. أما أن نصل إلى مستوى يصوت فيه من هو في الأغلبية على من هو في المعارضة أو يصوت من هو في المعارضة على من هو في الأغلبية، هذا هو الذي أدى إلى بؤس المشهد السياسي بصفة نهاية و لم نعد نرى أحدا ينتظر ماذا سيقوله البرلماني أو المستشار في البرلمان. حين تصبح مؤسسات ينفق عليها الشعب أموالا طائلة، وتصرف فيها جهود ضخمة من أجل أن تفرز نخبة ممثلة للشعب المغربي، حين تصبح هذه المؤسسات لا تقوم بأي دور في نظر الشعب، أي معرة أكبر من هذه؟ الديمقراطية في التجارب الديمقراطية التي تحترم نفسها هي التي يكون فيها للمعارضة تأثير على القرار السياسي، فهل لمعارضتنا اليوم أي تأثير على القرار السياسي؟ و هل للأغلبية أن تتخذ القرارات اللازمة حين يأتي شخص من الحزب الأغلبي ويستميل بعض أعضائها للتصويت على القرار الفلاني؟... بوضوح أكبر أن ما يتداول في الصحف اليوم، وسيبقى متداولا وإلى الجمعة الثانية من شهر أبريل القادم حول اسم المرشح لرئاسة مجلس النواب شيء لم يسبق له مثيل فى تاريخنا، يجب أن نصارح الشعب بحقيقة الوضع. إن الأمر بالنسبة لمن سيكون رئيسا محسوم! و سترون بأن كل من تشير إليه الأصابع وتلوكه الألسنة بأنه سيكون رئيس مجلس النواب.. هو من سيكون رئيس مجلس النواب بالفعل!!!. هذا شيء لا يستقيم يجعلنا نحن الذين أتممنا الستينات ودخلنا إلى السبعينات مناضلين نحترق داخليا، أما بالنسبة إليكم أنتم، فيجب أن تضعوا في الحسبان بأن أحدا لم يتبرع علينا بأن نولد فوق هذه الأرض المباركة، و لم تحملنا بطون أخرى غير بطون أمهاتنا لتنزلق رؤوسنا في هذا الوطن. إننا جميعا مغاربة أقحاح، ومن الواجب أن تكون كل الفرص متساوية أمام جميع المغاربة، فالأمر يتعلق بقيم ديمقراطية حقيقية. هذا ما يجب أن يهمنا كمناضلين حزبيين ديمقراطيين داخل أحزابنا الوطنية. أراهن على الشباب الواعي أريد أن أقول لكم في النهاية، إن المغرب لا يعول إلا على الشباب. الجامعة ينبغي أن تكون مصنعا للرجال. لقد خضنا معركة كبيرة من اجل أن يكون حق التصويت للشباب في سن 18 سنة. وكانت النخبة المتحكمة في رأس المثلث الأعلى ترفض ذلك وتعتبره مطلبا مستحيلا. و لم نستطع أن نحقق هذا التطلع إلا في مطلع التسعينات. ولذلك، فالمسؤولية اليوم ملقاة على كاهل الشباب كي يتسجلوا في اللوائح الانتخابية بكثافة. إنه لا يمكن إيقاف انحرافات واختلالات الإدارة الترابية، أو النخب المتحكمة في رأس المثلث الأعلى، أو أصحاب المال ولوبيات الفساد إلا إذا عم الوعي وشكل الشباب الواعي الأغلبية في صناديق الاقتراع. لا ينبغي للساحة أن تترك فارغة لهؤلاء حتى لا ينهار علينا السقف جميعا من أعلى رؤوسنا. أملي أن يؤخذ هذا التوجيه بكامل المسؤولية. مسؤوليتنا كمناضلين هناك تقريبا اثنا عشر قضية أقل أو أكثر تشغل النخبة في المغرب، أربعة قضايا منها مركزية بأيدينا أن نسويها من غير كلفة مالية تذكر، فالإصلاحات الدستورية وإقامة الديمقراطية، ونزاهة الانتخابات لا تكلف موارد مالية. ربما تحتاج محاربة المخدرات إلى مثل هذه الموارد، أما الانتخابات والديمقراطية فلا يلزمها إلا الإرادة السياسية الحقيقية. لا ينبغي أن نعطي ظهرنا للقضايا الأساسية التي لا تكلفنا شيئا، ونتوجه فقط إلى تلك القضايا التي تكلفنا موارد مالية ضخمة. المؤسف أن هناك من يريد منا أن نتخلى عن طرح هذه القضايا الملحة في الإصلاح بدعوى أن هناك أوراشا كبرى للإصلاحات في المغرب فتحها صاحب الجلالة. لكن السؤال: إذا كان الملك محمد السادس يقوم بهذه الإصلاحات، فما دور الإطار الحزبي المناضل، أليس له دور يمكنه أن يعين به جلالة الملك في عملية الإصلاح؟ المفروض أن الأحزاب السياسية وجدت لتشارك في الحياة السياسية و ليكون لها رأي فى تقويم الاختلالات. إنها لم توجد لتكون معطلة في قواها وطاقاتها حتى أصبحنا ونحن نقترب من الثلاثين حزبا بأصوات متعددة لا تعبر في النهاية إلا عن الرأي الوحيد الذي يراد لنا في قضايا متعددة. فإذا كان جلالة الملك يقوم بالأوراش الكبرى، فإن من واجب الأحزاب أن تشارك في عملية الإصلاح وأن يكون لها رأيها في الإصلاحات الأساسية التي ينبغي للبلاد أن تنخرط فيها، و من واجبها أن تنخرط في النضال من أجل ذلك، وتلك هي مسؤوليتها، وذلك هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه الأحزاب الحقيقية في كل مجتمع.