كنا ننتظر أن يقوم المخزن بإجهاض حركة 20 فبراير كما عهدنا ذلك على عهد إدريس البصري وأترابه، لكن يبدو أن المخزن قد أصبح من الذكاء بمكان ليسمع لفئات الشعب، لكن للأسف الشديد أن الذي قام بإجهاض حركة 20 فبراير هو جماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي وبقايا اليسار وبعض النقابات أي أن الذي قام بإجهاض حركة الشباب هم شيوخ السياسة والدين والاتجار في المبادئ. إن الذي غاب عنا ونحن ننظر إلى حركة 20 فبراير هو أننا لم نسمع صوت الشباب ولم نصغ إليهم كانوا على صواب أو خطإ، فالمهم أن ننصت إلى مطالبهم لا أن نسمع مطالب الشيوخ المعروفة، فقل لنا إن العدل والإحسان تريد التغيير نقل لك إنها تتحين الفرصة لتحقيق أحلامها بالزحف والقومة والقضاء على الجميع ورحم الله الديمقراطية والتداول على السلطة، وقل لنا إن الذي خرج هو النهج الديمقراطي نقل لك إن هذا الحزب يعتبر وريثا لمنظمة إلى الأمام ومواقفها فقط قام بتطويرها بعد انهيار أولياء نعمته بالمعسكر الاشتراكي وهكذا دواليك. لكن أصوات الشباب غطى عليها ضجيج الشيوخ، شباب يمضي جل أوقاته خلف الحاسوب مستهلكا منتجاته حتى السياسية منها يختلف جذريا عن شيوخ ألفوا الكتابة على الورق ومنهم من يكتب مقتعدا الأرض واضعا لوحا فوق ركبتيه، هل يمكن أن نجمع بين الطرفين؟ فلحد الآن لم نعرف ما هي مطالب الشباب ولم نعرف ما هي مشاكلهم وما هي رؤيتهم للتغيير فكل التنظيمات حتى التي لم تشارك في حركة 20 فبراير ركبت الموجة ورفعت المطالب الراديكالية واختلطت الأصوات فلم نعد نسمع إلا جعجعة. وبدل أن نحاور الشباب زايدنا عليهم، ففي الوقت الذي يطالب الشباب بتغيير الدستور، وهو مطلب تفرضه حركة الوقت، يزايد عليه الشيوخ بالمطلب ذاته دون أن يجلسوا ليسمعوا له ويقولوا له الحقيقة. فما هو الدستور؟ وهل هناك دستور بدون مؤسسات دستورية؟ لا تستطيع الأحزاب أن تواجه الشباب بمسؤولياتها عن الجمود الدستوري، فالدستور هو الوثيقة المرجعية المنظمة للحياة السياسية والمحددة للعلاقات بين أطراف المجتمع لكن يتم تنفيذه عن طريق مؤسسات دستورية. مطالب الشباب تنصب على تغيير الدستور وحل البرلمان، لكن لم تطرح سؤال حيادية الوثيقة والمؤسسة لكن العنصر غير المحايد هو الموارد البشرية، فالذي سيشكل البرلمان النزيه المبني على الدستور الديمقراطي هو المناضل الحزبي المسنود من طرف رفاقه والذي يملأ المؤسسات الدستورية الأخرى هو أيضا المناضل الحزبي والنقابي وأطر الدولة. فهل استطاعت الأحزاب السياسية أن تقدم النموذج البشري القادر على التضحية من أجل الوطن؟ وهل تمكنت الأحزاب السياسية من أن تتحول من كائنات انتخابية أو جمعيات تحريضية إلى قوة اقتراحية وتأطيرية؟ إن النموذج الذي قدمته الأحزاب السياسية هو نموذج يعتبر الحزب أداة للرقي الاجتماعي مع استثناءات جميلة لكن الاستثناء لا حكم له ولا يقاس عليه.