لم يستسغ صديقي المنتمي للحركة الاسلامية المغربية أن يكون علال الفاسي، رحمه الله، متقدما على أحمد الريسوني، وأن يكون كتاب "مقاصد الشريعة ومكارمها" للأول أمتن من ناحية المعرفة المنتجة من كتاب "نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي" للثاني وأن الريسوني ضيع وقتا كثيرا في البحث ولو تواضع واعترف للفاسي بأهميته العلمية لحقق نتائج وخلاصات رفيعة. لكن لأن وجهة أبناء الحركة الاسلامية كانت مشرقا وتنكرت لكل المنتوج المغربي فان الريسوني واحدا من تأثروا بالمشرق وحاولا ايجاد تبرير له من الغرب الاسلامي عن طريق الشاطبي الذي اضطرب فيه الريسوني ولم يميز بين مقاصديته وأصوليته. الحديث الذي جمعنا حول مرجعيات الحركات الاسلامية كان ممتعا. قلت لصاحبي ان مشكلة الحركة الاسلامية المغربية، في عموم فصيلاتها، في انطلاقتها. وليس عيبا أن يرتكب الانسان خطأ البداية لكن العيب أن يصبح هذا الخطأ هو منطلق انتاج المعرفة بالدين والواقع مما كانت نتيجته كارثية في حدها الأدنى أنها أنتجت ما لا يمكن مسحه ومسخه ونسخه من العنف الرمزي. لما انطلقت الحركة الاسلامية في المغرب أغمضت عيونها عما أنتجه المغاربة والمغاربيون، تلقفت كل وارد من الشرق ولو كان تأملات، مثل كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب، ولفظت كل انتاج للمعرفة بالدين ولو كان فقها مبدعا على كل المستويات. لقد بدأ الحديث عن مقاصد الشريعة في وقت مبكر مغاربيا من قبل عالم الزيتونة الطاهر بنعاشور وعلال الفاسي وأنتج محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي فكرا متقدما على ما حاولت هذه الحركات انتاجه أو استيراده، والحجوي الذي عاش بين القرنين التاسع عشر والعشرون ألف كتابات يمكن وصفها بالتنوير الاسلامي من بينها "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" و"النظام في الإسلام" و"التعاضد المتين بين العقل والعلم والدين"، الذي حاول أن يبين فيه أن الدين لا يشكل عرقلة أمام العلم والعقل، وحاول في كل كتاباته أن يقدم أطروحة جديدة للتجديد الديني أين منه دعاة "لا يصلح أمر هذه الأمة الا بما صلح به أمر سلفها" الضارب جذورا في الرجعية. فكر الاخوان المسلمين المستورد مغربيا جاء للاجابة عن سؤال انهيار الخلافة العثمانية وكيفية اعادة تشكيلها ولو بنمط مغاير، وهو موضوع غير مطرح مغربيا لأن العالم الاسلامي كان موزعا بين الامبراطورية العثمانية والمملكة الشريفة الممتدة الى نهر السينغال. وبالتالي الفكر الاخواني لم يجد له مبرر وجود في المغرب. حاول اقناعي بأن الاسلاميون المغاربة هم الذين قرروا الحسم مع الاخوانية تنظيما فقلت له ان الذي حسم الموضوع هو عبد الكريم الخطيب مؤسس العدالة والتنمية الذي أوهم الاخوان المسلمين أنه من رواد هذه الدعوة وعند وفاته نعاه مكتب ارشاد الجماعة على أنه مؤسس لفرع الاخوان بالمغرب. ولم يفتني أن أذكر صديقي بأن علال الفاسي كان مجايلا لسيد قطب وصديقا له ودافع عنه في مواجهة جمال عبد الناصر وأن قيادات اخوانية كبيرة عاشت في المغرب ومنهم من كان مقربا من أجهزة الدولة وعاملا معها، لكن الاسلاميين المغاربة تربوا على أدبيات السجون المصرية ولم يتخلصوا منها ورغم أن السياسة أرغمتهم على المغربة الى حد ما فان الأصل المتحكم في القواعد هو الأدبيات المشرقية. رحم الله علال الفاسي الذي حوله الحزب العتيد الى صور في التجمعات الحزبية ونسي أن الرجل عالم مؤسس.