عمر الأشهب تتبارى الأحزاب السياسية والمحللون والمعلقون والمواطنون العاديون في ألمانيا, خلال الحملة الانتخابية, الممهدة للانتخابات البرلمانية ل27 شتنبر الجاري, في التكهن بتوجهات الحكومة الألمانية المنتظر تشكيلها غداة هذه الانتخابات, وبالألوان يرسمون وجها لهذه الحكومة, تارة بالأسود والأصفر, وتارة أخرى بالأسود والأحمر, وثالثة بالأحمر والأخضر. ولا يمنح اللون هوية بصرية, فقط, للأحزاب السياسية في ألمانيا, بل يكاد يوازي, من حيث الحضور والتداول الإعلامي, الاسم الرسمي للحزب, ولذلك تتم الإحالة باللون, على هذا الحزب أو ذاك في الشعارات السياسية والنقاشات العامة, وفي البرامج الحوارية التي تبثها وسال الإعلام. فالأسود هو لون حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي, بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل, التي ترشحها استطلاعات الرأي للفوز بولاية ثانية, والأحمر هو لون الحزب الاشتراكي الديموقراطي, الذي ينتمي إليه فرنك فالتر شتاينماير, نائب المستشارة, وزير الخارجية, ومنافسها على منصب المستشارية. أما اللون الأصفر فهو للحزب الديموقراطي الحر (ليبرالي), والأحمر لحزب اليسار (دي لينكه) والأخضر لحزب الخضر (التحالف 90 / الخضر). والألوان المتداولة بكثرة في التكهنات الراهنة حول الحكومة القادمة, هي, أحمر أصفر, ومعناه حكومة ائتلافية من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي, وشقيقه الاتحاد المسيحي الإجتماعي, والحزب الديموقراطي الحر, وهو ائتلاف أعلنت المستشارة الألمانية, صراحة وغير ما مرة, عن رغبتها في تشكيله بعد الانتخابات. ويرفض حزب الخضر توليفة الألوان هذه (أسود - أصفر), بل يجعل من هذا الرفض شعارا سياسيا رئيسيا في حملته الانتخابية, حيث كتب في الملصقات والمنشورات التي عممها خلال حملته الانتخابية, عبارة (أسود أصفر, لا شكرا !). كما تتداول أرقام استطلاعات الرأي الحديث عن ائتلاف حكومي بألوان, أحمر وأحمر وأخضر, وإن كانت فرص تحقيقه ضئيلة, في وقت استعاد فيه اللونان الأسود والأحمر, وهما لونا الإئتلاف الحكومي الحالي, حظوظهما - حسب هذه الأرقام - في البقاء سوية في الائتلاف الحكومي المقبل, خاصة بعد تراجع حظوظ الحزب الديموقراطي الحر, وازدياد نسبة تأييد الاشتراكي الديموقراطي بعد المناظرة التلفزيونية التي جرت بين ميركل وشتاينماير, اللذين ظهرا في معظم أطوارها, ك"شريكين", وليس كخصمين متنافسين. وتحالفات الأحزاب في الانتخابات البرلمانية ليست مناورة من مناورات التسويق السياسي, ولكن قاعدة متجذرة في الإلتزام السياسي للأحزاب تجاه الناخبين, حيث تقوم مختلف الهيئات الحزبية بالتعبير عن رغباتها في تشكيل التحالفات والائتلافات, قبل الحملة الانتخابية وخلالها, وذلك لكي يعرف الناخبون من الذي سيكون شريك الحزب الذي ينتخبونه في الحكومة. وبانتخاب أحد الأحزاب, يكون الناخب قد عبر, من جهة, عن ميله إلى تحالف معين من الأحزاب, ومن جهة ثانية, عن رغبته في توزيع القوى بين الأحزاب في الحكومة المقبلة. ولا تتباين الأحزاب السياسية الألمانية بألوانها فقط, بل تتباين أيضا من حيث برامجها, فحين يدعو الاتحاد الديموقراطي المسيحي, وشقيقه الاتحاد المسيحي الاجتماعي, الذي لا يترشح وليس له تنظيم إلا في ولاية بافاريا وحدها, إلى تخفيض الضرائب, بصفة عامة, يتبنى الحزب الاشتراكي الديموقراطي تخفيض الضرائب على ذوي الدخل المنخفض والعائلات التي لديها أطفال, ويريد فرض ضريبة تضامنية على الأغنياء و ذوي الدخل المرتفع, تخصص عائداتها لدعم السياسية التعليمية, فيما يريد حزب الخضر زيادة المعدل الأعلى للضريبة وفرض ضريبة على ممتلكات الأغنياء والاستعاضة عن نظام التأمين الصحي, الجاري به العمل في ألمانيا حاليا, بنظام التأمين الصحي الشامل الذي يشترك فيه جميع المواطنين. ويدعو حزب اليسار إلى تأسيس (صندوق للمستقبل) لدعم التطور الاجتماعي البيئي, ووضع برنامج للاستثمار في مجال التعليم وحماية المناخ, ولتمويل هذا الصندوق يطالب الحزب بفرض ضريبة على الأغنياء وضريبة مبيعات على التداولات في البورصة وزيادة التعويض عن البطالة. ويسعى التحالف المسيحي إلى تحقيق ما يسميه "التشغيل الكامل في سوق العمل", حيث يعد بالقضاء على البطالة بتوفير "الشغل للجميع", وهو هدف ترى المستشارة الألمانية, أنجيلا ميركل, تحقيقه ممكنا. وفي الوقت الذي يدعو فيه التحالف إلى الربط بين البيئة والاقتصاد وتحقيق أكبر قدر ممكن من التوازن بين المجالين, يتمسك الاشتراكي الديموقراطي بقرار التخلي عن الطاقة الذرية والتحول إلى الطاقات المتجددة, وهو ما يتفق معه فيه حزب الخضر, الذي يضع القضايا الاقتصادية وقضايا المناخ في مركز برنامجه الانتخابي, حيث يطالب بالاستثمار في مجال حماية المناخ وفي مجال التعليم والشؤون الاجتماعية, لخلق فرص عمل جديدة. وإضافة إلى إصلاح النظام الضريبي, يطالب الحزب الديموقراطي الحر بتحقيق حد أدنى من الدخل لكل مواطن, وبزيادة التعويض الحكومي عن الأطفال, وخصخصة النظام الصحي إلى حد كبير ومنح الجامعات والمعاهد العليا في مجال التعليم مزيدا من الاستقلالية. ووفقا لنتائج استطلاع للرأي, نشرت نتائجه أمس, حصل التحالف المسيحي, (الاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي), على نسبة تأييد بلغت 37 في المائة, بزيادة نقطتين عن الأسبوع الماضي, فيما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على نسبة تأييد 24 في المائة, بزيادة ثلاث نقاط.وأظهر الاستطلاع أيضا تراجع الحزب الديمقراطي الحر إلى 12 في المائة, وانخفاض شعبية حزب اليسار إلى 10 في المائة, وارتفاع نسبة تأييد حزب الخضر إلى 11 في المائة.