خلف إعلان حكومة إمارة دبي عجزها عن سداد الديون المترتبة على شركتي "دبي العالمية" و"النخيل العقارية" ومطالبة الدائنين منحهما مهلة جديدة لسدادها, ذعرا كبيرا في الأوساط الاقتصادية بالمنطقة امتدت آثاره نحو مراكز المال والاقتصاد في مختلف دول العالم. دبي .. أزمة مستعصية وتباشير الأمل وفيما يجمع محللون اقتصاديون دوليون على أن إمارة دبي تعيش في الوقت الراهن لحظات عصيبة, بفعل تداعيات الأزمة العالمية, التي أرخت بظلالها على كبريات المشاريع العقارية والسياحية التي توقفت فجأة بفعل غياب السيولة المالية اللازمة لتمويلها, يؤكد أخرون أن العاصمة الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة ستخرج معافاة من هذا الوضع الاقتصادي المستعصي, بعد حصولها في المستقبل القريب على دعم من حكومة أبوظبي. لكن محللين آخرين يؤكدون أن تباشير الأمل, تظل في الوقت الراهن, مجرد أضغاث أحلام, ربما لأن الأمر يتعلق بانسحاب محتمل لكبريات الشركات العقارية العالمية من الأوراش المفتوحة في الإمارة, وتراجع أسهمها في مختلف أسواق المال الدولية. البداية .. تراجع شهية المستثمرين وتجميد مشاريع بدأت فصول هذا المأزق, مع نشوب الأزمة المالية العالمية العام الماضي, وتراجع "شهية" المستثمرين في إمارة دبي للاستثمار في القطاعين العقاري والسياحي, لأن أغلب المشاريع القائمة كانت بحاجة إلى تمويل على المدى القصير, حيث حاولت حكومة الإمارة جاهدة خلال العام الجاري إيجاد مصادر تمويل دولية لهذه المشاريع لكنها أخفقت في ذلك. فحسب عدد من المراقبين, لا يتهدد إمارة دبي حاليا شبح الإفلاس فحسب, وإنما ستؤدي ثمنا غاليا للخروج من أزمتها المالية يتمثل في التخلي عن جزء من "ريادتها" و"إشعاعها" العالمي لصالح "شقيقتها الكبرى" إمارة أبو ظبي. كما أن هذا الوضع الاقتصادي الذي باتت تعرفه دبي, بفعل تجميد أغلب المشاريع الاقتصادية وخصوصا العقارية منها, خلف إكراهات جمة في أوساط المنعشين في سوق العقار الذي تراجعت مؤشراته إلى مستويات منخفضة جدا عكس إمارة أبوظبي التي مازالت تداولات الأسهم المرتبطة بسوق العقارات تسجل أرقاما قياسية بها. وما يقال عن تراجع مؤشرات سوق العقار في الإمارة, يقال أيضا عن تأثر سوق الشغل بتداعيات هذه الأزمة, بفعل إقدام العديد من الشركات العالمية العملاقة على إلغاء عقود عمل عشرات الكفاءات التقنية, نظير توقف مشاريعها, بفعل غياب التمويل اللازم. مساعي إيجاد حلول .. 5 مليار دولار وتأجيل سداد الديون وكانت حكومة دبي, التي تأثرت مباشرة جراء الأزمة المالية العالمية, بعد سنوات من الازدهار الاقتصادي, أكدت في بيان وزعته الأربعاء الماضي أنها سمحت ل"صندوق دبي للدعم المالي" بإجراء عملية إعادة هيكلة لمجموعة "دبي العالمية" المالكة لكل من "موانئ دبي العالمية" ونخيل العقارية, وهي شركة يعتقد أن ديونها تشكل السواد الأعظم من ديون الشركات التابعة لحكومة دبي. وقال البيان إن "(دبي العالمية) ستطلب من جميع دائنيها ودائني شركة "نخيل العقارية" على الخصوص "تجميد" أو "تأجيل تواريخ استحقاق الديون حتى 30 ماي 2010 على الاقل". وقد ترافق إعلان حكومة دبي تأجيل سداد الديون, مع إعلانها جمع خمسة مليارات دولار عبر بيع سندات عادية وصكوك إسلامية بالتساوي لمصرفين تابعين لحكومة أبو ظبي هما بنك أبو ظبي الوطني وبنك الهلال الإسلامي ويشكل هذا الإصدار الشريحة الثانية ضمن برنامج السندات البالغة قيمته 20 مليار دولار والذي أعلنت عنه دبي في فبراير الماضي, علما أن المصرف المركزي الإماراتي سبق أن اكتتب بكامل سندات الإصدار الأول الذي بلغت قيمته عشرة مليارات دولار, مما فسر يومها على أنه دعم من أبو ظبي لدبي. وكان حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم, أعلن في خطاب "نادر من نوعه" في الثامن من نونبر الجاري أن "قوة (دبي) تكمن خصوصا في الاتحاد القوي مع إمارة أبو ظبي" فيما أكد الشيخ محمد, وهو نائب رئيس الدولة, ورئيس وزرائها, في المناسبة ذاتها, أن الإمارة ستتابع مشاريعها التنموية وستفي بالتزاماتها المالية في السنوات المقبلة. دبي ..نجاح اقتصادي وديون بالملايير ويقدر الحجم الاجمالي لديون دبي سنة 2008 بحوالي 80 مليار دولار, 70 مليار دولار منها في ذمة الشركات العامة, من بينها 59 مليار دولار في ذمة مجموعة "دبي العالمية" لوحدها. ومن المفترض أن تسدد دبي في 2010 ديونا بقيمة 13 مليار دولار, وأن تسدد في 2011 ديونا أخرى بقيمة 19ر5 مليار دولار. وكانت إمارة دبي, التي تواجه اليوم لحظة عصيبة في تاريخها, عززت نجاحها الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية اعتمادا على العديد من المشاريع "الأسطورية "ولا سيما في القطاعين العقاري والسياحي. وأحدث هذه المشاريع هو برج دبي, أعلى برج في العالم, والذي يزيد ارتفاعه عن 800 متر حيث من المقرر افتتاحه مبدئيا في الرابع من يناير 2010. ويعد هذا البرج الذي يتألف من 160 طابقا والذي شرع في بنائه سنة 2004 وقدرت كلفته الاجمالية بمليار دولار, العنصر المركزي في مشروع ضخم بقيمة 20 مليار دولار أطلق عليه إسم "داون تاون برج دبي", وهو عبارة عن منطقة سكنية وتجارية تضم أيضا "دبي مول", أضخم مركز تجاري في العالم بحسب مطوريه. وكانت دبي أطلقت أيضا في خريف 2008 مشاريع عملاقة, من بينها مدينة جديدة بقيمة تناهز 90 مليار دولار باسم "جميرة غاردنز", وبرج بارتفاع كيلومتر واحد باسم "نخيل هاربر اند تاور", ومركز اعمال وذلك بقيمة 28 مليار دولار. كما أنشأت دبي ثلاث جزر اصطناعية بنيت على شكل شجرة نخيل, أنشئ فوقها المشروع السياحي الفاخر "بالم جميرة" او نخلة الجميرة, الذي يظم عشرات الشقق والفيلات والفنادق الفخمة إلى جانب العشرات من المشاريع السياحية والعقارية الفاخرة. أزمة .. في انتظار دعم الشقيقة الكبرى وبالرغم من حجم كل هذه المشاريع الاقتصادية الكبرى, التي أسهمت في وقت سابق في تموقع دبي كعاصمة للمال والأعمال في العالم, تظل هذه الإمارة غير النفطية, في حاجة ماسة إلى دعم غير مسبوق من حكومة أبوظبي لتجاوز هذه الفترة في تاريخها, والتي يصفها أغلب الخبراء الإقتصاديين في العالم, ب"الحرجة". يشار إلى أن دبي تعد واحدة من الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارت العربية المتحدة, والإمارة الوحيدة التي تمتلك احتياطات جيدة من النفط والغاز هي العاصمة أبو ظبي التي تشرف على شؤون الدفاع والسياسة الخارجية منذ تشكيل الاتحاد الإماراتي عقب الانسحاب البريطاني من الخليج عام 1971.إعداد جواد التويول -